عناصر الخطبة
1/المطلوب منا بعد موسم الطاعات 2/أهمية الاستقامة ومعالمها 3/الصلوات الخمس مع الجماعة طريق للاستقامةاقتباس
عَرَفتُمُ الحَقَّ فَالزَمُوا وَاصبِرُوا، وَذُقتُم الخَيرَ فَتَزَوَّدُوا مِنهُ وَاستَكثِرُوا، وَرَأَيتُم كَيفَ يَذهَبُ الزَّمَانُ سَرِيعًا فَانتَبِهُوا وَاحذَرُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ أَمَامَكُم طَرِيقًا طَوِيلاً وَيَومًا ثَقِيلاً، وَأَنَّ بَعدَ الحَيَاةِ مَوتًا وَرَحِيلاً، وَلا نَجَاةَ في يَومِ القِيَامَةِ وَلا كَرَامَةَ، إِلاَّ...
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)[التغابن:16].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: هَا هُوَ ذَا أُسبُوعٌ بَعدَ انقِضَاءِ رَمَضَانَ يَمُرُّ وَكَأَنَّهُ سَاعَاتٌ، وَهَا هُمُ المُسلِمُونَ يَصُومُونَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِن شَوَّالٍ؛ فَمَاذَا بَعدَ ذَلِكَ؟ أَهِيَ العَودَةُ إِلى الدُّنيَا وَالسِّبَاحَةُ في بِحَارِهَا، وَنِسيَانُ الآخِرَةِ وَغَضُّ الطَّرفِ عَن أَخبَارِهَا؟!
لَن نَقُولَ لِلنَّاسِ اترُكُوا الدُّنيَا فَهُم لَن يَفعَلُوا، وَلَكِنَّ النُّصحَ يُوجِبَ أَن يُقَالَ: أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَرَفتُمُ الحَقَّ فَالزَمُوا وَاصبِرُوا، وَذُقتُم الخَيرَ فَتَزَوَّدُوا مِنهُ وَاستَكثِرُوا، وَرَأَيتُم كَيفَ يَذهَبُ الزَّمَانُ سَرِيعًا فَانتَبِهُوا وَاحذَرُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ أَمَامَكُم طَرِيقًا طَوِيلاً وَيَومًا ثَقِيلاً، وَأَنَّ بَعدَ الحَيَاةِ مَوتًا وَرَحِيلاً، وَلا نَجَاةَ في يَومِ القِيَامَةِ وَلا كَرَامَةَ، إِلاَّ لأَهلِ الإِيمَانِ وَالاستِقَامَةِ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ * نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ)[فصلت:30-32] (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ)[الأحقاف:13-14].
أَتَدرُونَ مَا الاستِقَامَةُ يَا عِبَادَ اللهِ؟!
اِسمَعُوا رَبَّكُم -جَلَّ وَعَلا- وَهُوَ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: (فَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ)[هود: 112]، وَيَقُولُ -سُبحَانَهُ- لِنَبِيِّهِ: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم)[الشورى:15]، وَيَقُولُ -تَعَالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاستَقِيمُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ وَوَيلٌ لِلمُشرِكِينَ)[فصلت:6]، وَقَالَ -تَعَالى-: (اِهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:6-7].
وَعَن سُفيَانَ بنِ عَبدِاللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لي في الإِسلامِ قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا غَيرَكَ. قَالَ: "قُلْ: آمَنتُ بِاللهِ، ثُمَّ استَقِمْ"(رَوَاهُ مُسلِم).
وَفي البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ عَن أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَن يُنجِيَ أَحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلا أَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "وَلا أَنَا إِلاَّ أَن يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغدُوا وَرُوحُوا، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصدَ القَصدَ تَبلُغُوا".
إِنَّهُ لَيَتَبَيَّنُ لَنَا مِن خِلالِ هَذِهِ التَّوجِيهَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ، شَيءٌ مِن مَعَالِمِ طَرِيقِ الاستِقَامَةِ، الَّذِي يَجِبُ عَلَى المُؤمِنِ التِزَامُهُ وَالثَّبَاتُ عَلَيهِ، وَأَلاَّ يَسلُكَ طَرِيقًا سِوَاهُ حَتَّى يَلقَى رَبَّهُ؛ فَلَن يَكُونَ المُؤمِنُ مُستَقِيمًا حَقَّ الاستِقَامَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ يَسِيرُ في حَيَاتِهِ كَمَا أُمِرَ، لا كَمَا تَشتَهِي نَفسُهُ وَتَرغَبُ وَتَهوَى، لا يَستَقِيمُ إِلاَّ إِذَا اتَّبَعَ مَا في كِتَابِ رَبِّهِ وَاهتَدَى بِمَا في سُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَاجتَنَبَ أَهوَاءَ الكَافِرِينَ وَطَرَائِقَ الفَاسِقِينَ وَمُرَاوَغَاتِ المُنَافِقِينَ، لا يَستَقِيمُ إِلاَّ إِذَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ، شَدِيدَ الحَذَرِ مِن أَن تَزِلَّ بِهِ القَدَمُ فَيَزِيغَ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَيَستَجرِيَهُ الشَّيطَانُ فَيَنحَرِفَ وَيُصِرَّ عَلَى عِوَجِهِ، وَلَن يَكُونَ هَذَا إِلاَّ إِذَا اقتَدَى بِمَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم فَعَلِمُوا وَعَمِلُوا، وَاجتَنَبَ سُبُلَ الضَّالِّينَ وَالمَغضُوبِ عَلَيهِم، مِمَّن لا يَرفَعُونَ بِالعِلمِ الشَّرعِيِّ رَأسًا وَلا يُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ، أَو مِمَّن يَعلَمُونَ وَلَكِنَّهُم لا يَعلَمُونَ، وَمَعَ هَذَا فَلَو غَلَبَتهُ نَفسُهُ مَرَّةً فَقَصَّرَ، أَو زَلَّ وَأَخطَأَ أَو نَسِيَ وَغَفَلَ فَلْيَستَغفِرْ وَلْيَتُبْ وَلْيُنِبْ، وَلْيَعُدْ وَلْيَقتَرِبْ، مَعَ التَّوَسُّطِ وَالحَذَرِ مِمَّا يُضَادُّ الاستِقَامَةَ مِنَ الطُّغيَانِ وَالإِفرَاطِ، وَتَعَدِّي حُدُودِ اللهِ وَتَجَاوُزِهَا، أَو الإِمعَانِ في البَاطِلِ وَالعِصيَانِ.
أَجَل -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّهُ مَطلُوبٌ مِنَ العَبدِ الاستِقَامَةُ؛ وَهِيَ السَّدَادُ وَإِصَابَةُ مَا يُرِيدُهُ مَولاهُ وَخَالِقُهُ مِنهُ، فَإِن لم يَقدِرْ عَلَى السَّدَادِ وَإِصَابَةِ مُرَادِ اللهِ، فَلا بَأسَ بِالمُقَارَبَةِ مَا استَطَاعَ، وَإِلاَّ فَلَيسَ بَعدَ ذَلِكَ إِلاَّ التَّفرِيطُ وَالإِضَاعَةُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ، وَحَافِظُوا عَلَى الوَاجِبَاتِ وَالمَندُوبَاتِ، وَاجتَنِبُوا المَحَارِمَ وَالمَكرُوهَاتِ، وَتَزَوَّدُوا مِنَ النَّوَافِلِ وَالمُستَحَبَّاتِ، وَاعلَمُوا أَنَّ للهِ عَمَلاً في اللَّيلِ لا يَقبَلُهُ في النَّهَارِ، وَعَمَلاً في النَّهَارِ لا يَقبَلُهُ في اللَّيلِ، فَكُونُوا عَلَى مُرَادِهِ وَاحذَرُوا الطُّغيَانَ وَاتِّبَاعَ الهَوَى (فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى * وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى)[النازعات:37-41].
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ.
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ)[الحشر:18].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مَن أَرَادَ أَن يَزِنَ نَفسَهُ وَيَعرِفَ مَوقِعَهُ مِنَ الاستِقَامَةِ وَهُوَ صَادِقٌ في ذَلِكَ؛ فَلْيَنظُرْ كَيفَ هُوَ مَعَ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ؟ وَمَا حَظُّهُ مِن حُضُورِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ في بُيُوتِ اللهِ؟ فَإِنَّهَا عَمُودُ الإِسلامِ وَأَسَاسُهُ الَّذِي عَلَيهِ يَقُومُ بِنَاؤُهُ وَيَعلُو، وَمَن كَانَ لَدَيهِ خَلَلٌ في هَذَا الرُّكنِ العَظِيمِ، فَكَانَ يَحضُرُ صَلاةً وَيَترُكُ أُخرَى، وَيَشهَدُ مَعَ الجَمَاعَةِ مَا حَضَرَتهُ وَهُوَ صَاحٍ ثُمَّ لا يُبَالي بِالَّتي تَمُرُّ بِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، أَو كَانَ لا يَكَادُ يُدرِكُ تَكبِيرَةَ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ إِلاَّ نَادِرًا؛ فَلْيَعلَمْ أَنَّ بَينَهُ وَبَينَ الاستِقَامَةِ خَندَقًا يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَردُمَهُ، وَفَجوَةً لا بُدَّ مِن سَدِّهَا ؛ لِيَلقَى رَبَّهُ يَومَ يَلقَاهُ وَهُوَ عَنهُ رَاضٍ.
عَن ثَوبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلاةُ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ"(رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن عبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: "مَن سَرَّهُ أَن يَلقَى اللهَ غَدًا مُسلِمًا، فَلْيُحافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَواتِ حَيثُ يُنادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُم سُنَنَ الهُدى، وَإِنَّهُنَّ مِن سُنَنِ الهُدَى، وَلَو أَنَّكُم صَلَّيتُم في بُيُوتِكُم كَمَا يُصَلِّي هَذَا المُتَخَلِّفُ في بَيتِهِ لَتَرَكْتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم، وَلَو تَرَكتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم لَضَلَلتُم، وَمَا مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعمَدُ إِلى مَسجِدٍ مِن هَذِهِ المَسَاجِدِ إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطوَةٍ يَخطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَد رَأَيتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعلُومُ النِّفاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤتى بِهِ يُهَادَى بَينَ الرَّجُلَينِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم