عناصر الخطبة
1/دفن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجرته 2/الوقوف خارج الحجرة للسلام 3/هل زيارة القبر النبوي ممكنة؟ 4/الحكمة من إخفاء قبر النبي.اقتباس
والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد حُجِبَ قبره، فلا تُشْرَع زيارته، ولا يَقْدر أحدٌ على زيارته... فكان من حكمة الله دفنُه في حجرته، ومنعُ الناس من مشاهدة قبره والعكوفِ عليه، والزيارةِ له، ونحو ذلك، لتحقيق توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاصِ الدين لله...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي سهَّل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلاً، وأوضحَ لهم طريقَ الهداية، وجعل اتباعَ الرسول عليها دليلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ونبيه المرتضى، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يُوحَى، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، صلاة دائمةً إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دُفن في بيت عائشة -رضي الله عنها-، وصلى عليه المسلمون، ولم تغادر عائشة بيتها، ومكثت فيه حتى مات أبوها ودُفِنَ في بيتها كذلك، ثم مات عمر ودُفِنَ في بيتها -رضي الله عنهم-.
وكانت زيارة قبره مقدورًا عليه إلى أن بُنِيَ على الحجرة جدارٌ، فأصبح قبره محاطًا بالجدران، فمن استقبل الحجرة إذا سلم عليه لم يُصَلِّ إلى قبره، بل إنما فعل ذلك في المسجد، والوقوف خارج الحجرة للسلام والدعاء لا يُسمّى "زيارةً لقبره"، بل هو وقوفٌ عند قبره، والزيارة لقبره بالدخول إلى حجرته -صلوات الله وسلامه عليه-، فمن مرَّ على المقابر ولم يدخلها لا يقال: زار المقبرة.
أرأيتم لو أنّ رجلاً ذهب لزيارة قبر والده، فوجد المقبرة مغلقة، فرجع إلى أهله فسألوه: أين ذهبت؟ فهل سيقول: زرت قبر والدي؟ أم سيقول ذهبت فوقفت عند المقبرة فوجدتها مغلقة، ولم أتمكّن من زيارة والدي؟ الثاني بلا شك.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، أنّ مَن تكلم بلفظ "زيارة قبر -صلى الله عليه وسلم-" من المتقدّمين، إنما يعنون به: الدخولَ إلى مسجده مع السلام عليه عند الحجرة، سواء استقبلها أو استقبل الحجرة، وهذا هو الذي يعنيه الناس بزيارة قبره، وهي تسميةٌ غيرُ مطابقة، ولهذا كَرِهَ هذه التسميةَ كثيرٌ من العلماء؛ لأن مسمّاها باطل؛ لأنّ الدخول إلى مسجده مع السلام عليه عند الحجرة لا يُعتَبر من زيارة القبور شرعًا ولغةً.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد حُجِبَ قبره، فلا تُشْرَع زيارته، ولا يَقْدر أحدٌ على زيارته.
وقد ورد أنّ ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا قدم من سفر يُسلِّم على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكان هذا قبل أن يُغْلَق قبره.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "ولما كان السابقون الأولون أقوم بحقوقه في جميع المواضع؛ كانوا أبعد الناس عن تخصيص القبر بشيء، والخلفاء الراشدون ونحوهم لما كانوا أقوم بحقوقه من غيرهم لم يفعلوا ما فعله ابن عمر ونحوه، فأبوه عمر بن الخطاب كان أقوم بحقه -صلى الله عليه وسلم- منه، وكان ينهى أن يَقصد الصلاة في موضعٍ صلى فيه، خلاف ما فعله ابنه عبد الله -مع فضله ودينه-؛ رضي الله عنهم أجمعين".
ولهذا لم يكن أحد من السلف يُطلق على شيء من ذلك أنه زيارة لقبره، وقد كره كثير من العلماء أن يقال: زُرْنا قبره، ولا ريب أن هذا باطل، لم يَزُر قبره أحد قط.
وقال -رحمه الله تعالى-: "ثبت بالتواتر وإجماع الأمة أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يُشْرَع الوصول إلى قبره، لا للدعاء له ولا لغير ذلك".
وزيارة القبور المشروعة هي مشروعة مع الوصول إلى القبر بمشاهدته، وهذه الزيارة غير مشروعة في حقه بالنص والإجماع، ولا هي أيضًا ممكنة.
فكان من حكمة الله دفنُه في حجرته، ومنعُ الناس من مشاهدة قبره والعكوفِ عليه، والزيارةِ له، ونحو ذلك، لتحقيق توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاصِ الدين لله.
نسأل الله -تعالى- أن يُعلِّمنا ما ينفعُنا، وأن ينفعَنا بما علّمنا، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر المسلمين، ثبت عن علي بن الحسين -رحمه الله-، أنه رأى رجلاً يجيء إلى فُرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها، فنهاه، فقال: ألا أُحَدِّثك حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "لا تتخذوا بيتي عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم".
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "وهذا يقتضي أنَّه لا مزية للسلام عليه عند بيته، كما لا مزية للصلاة عليه عند بيته، بل قد نهى عن تخصيص بيتِه بهذا وهذا".
فمن سلّم عليه خارج حجرته -كحال الناس اليوم-، فهو كمن سلَّم عليه في شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها.
اللهم وَفِّقنا للزوم السُّنة، وجنِّبنا الوقوع في البدعة، إنك ربنا رؤوف رحيم.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك -جل وعلا-؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقضِ ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم