القوة المعنوية .. بها تنهض الأمم

ناصر بن محمد الأحمد

2014-12-09 - 1436/02/17
عناصر الخطبة
1/ مساوئ الهزيمة النفسية 2/ من أهم أسباب الهزيمة النفسية عند المسلمين 3/ أبرز المؤثرات على قطاع عريض من شباب المسلمين 4/ آثار الهزيمة النفسية على الأمة 5/ دعائم بناء الأمم والدول 6/ هذه الأمة تمرض ولكن لا تموت 7/ مراحل عصيبة مرت بأمة الإسلام 8/ كيف تتخلص الأمة من هزيمتها النفسية؟

اقتباس

هذه الأمة قادرة -بعون الله تعالى- على النهوض والعودة من جديد إلى سابق عزها ومجدها، فالأمة معطاء، والفأل مطلوب، والخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، والثقة بالله –تعالى- هي مقدمة النصر، والقوة المعنوية في كل أمة هي التي تدفع شبابها ورجالها إلى تحقيق المزيد من الانتصارات الخالدة في كل زمان ومكان. وما تمر به أمتنا اليوم من الضربات المتتابعة والصفعات الموجعة، ما هي إلا إرهاصات مبشرة لنهضة الأمة وصحوتها من غفلتها، وعودتها مرة أخرى إلى دينها ومصدر عزها ومجدها...

 

 

 

 

الخطبة الأولى :

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: الهزيمة النفسية مرض عضال تصاب به الأمم والدول والمجتمعات، وهو سقوط حضاري لا يضاهيه نوع آخر من الهزائم العسكرية التقليدية، وخطورتها تكمن في كونها استعماراً للعقول والقلوب، قبل أن تكون استعماراً لخيرات الأرض ومقدراتها.

 

وعلى شدة وقع الاستعمار العسكري إلا أنه وسيلة قوية لإيقاظ الأمة من غفلتها وتقوية لُحمتها، وتحرُّك غيرتها، وإحياء حميّتها الدينية، وفي النهاية طال هذا الاستعمار أم قصر فإن مصيره الرحيل.

 

أما الهزيمة النفسية فيتغلغل في نفوس معظم أبناء الأمة دون أن يدركوا أثره وخطره، بل دون أن يشعروا بإصابتهم به! ولأثر هذه الهزيمة فقد تفطنت بعض الدول إلى أهميته حتى غدا عنصراً مهماً في الحملات الفكرية والإعلامية الموجهة للدول المغزوّة أثناء الصراعات الحضارية، كي يدب فيها الوهن ويدوم اليأس.

 

ولعل من أهم أسباب هذه الهزيمة النفسية التي أصابت الأمة في مقتل وأدى إلى ضعفها ووهَنِها، بُعْدُ كثير من المسلمين عن دينهم وجهلهم بحقيقته، ومرارة الواقع الذي يعيشونه، وخذلان المسلمين بعضهم بعضاً، وعدمُ اتحادُهم أمام قوة أعدائهم، وعدمُ إدراكُهم لأسباب المد والجزر في تاريخ أمتهم، وعدم إلمامهم بعوامل النصر والهزيمة، وتأثرهم بوسائل الإعلام الموجّهة إليهم التي يحرص الغرب من خلالها على إبراز أنشطته العسكرية وقدراته الحربية واستعراض أسلحته وتقنيته المتطورة، وإشهار اكتشافاته العلمية وغزوه حتى للفضاء الخارجي، ونحو ذلك من الأمور التي تُعزز مكانته وتوهن غيره وتوحي له بالعجز واليأس..

 

بالإضافة إلى ما يرونه من هيمنة أعدائهم على معظم المنظمات والبنوك والهيئات الرسمية، واستغلالها لإخضاع الدول، وإخضاع بعضها بالعقوبات والمقاطعات الاقتصادية، وأحياناً بالقوة والتدخل العسكري إذا لزم الأمر.

 

بمثل هذه الأمور مجتمعة ولّدت هزائم نفسية متتابعة، كان الغرب يهدف إليها ويغذيها بشتى وسائله الإعلامية والسياسية والاقتصادية؛ ليستمر التخدير ويدوم الخنوع.

 

وتجاوز الأمر قنطرته وأثَّر رجع ذلك الصدى في بعض أبناء جلدتنا الانهزاميين الذين أكدوا هذه الهزيمة وعززوها، بكتاباتهم وتحليلاتهم الانهزامية في الصحف والمجلات والفضائيات بثنائهم المبالغ فيه على الغرب وحضارته وقيمه وقوته وديمقراطيته، وأنه إنما سيطر على هذه الأمة بسبب ضعفها وتخلفها في الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية والتقنية فحسب.

 

ومع مصداقية بعض تلك التحليلات ظاهرياً، لكونها أعراضاً للمرض الحقيقي الذي تعانيه أمتنا، إلا أن أولئك الكتاب والمحللين جعلوها أمراضاً مستقلة ينبغي أن يتجه إليها العلاج مباشرة، وذُهلوا ذهولاً أعمى عن السبب الأساس في نشوء تلك الأعراض، وحادوا عن استلهام تعاليم القرآن وتوجيهات السنَّة، واستقراء التاريخ، ومعرفة السنن الجارية والنواميس الشرعية حول أسباب ضعف الأمة الإسلامية والمخرج منها، ولم يتطرقوا إلى ذلك من قريب أو بعيد، لعدم إدراكهم لأبجديات تلك المسائل، ولجهلهم بفقه الهزيمة التي حلّت بالأمة، ولخوضهم في أمور لا يملكون أدواتها، ولتصدرهم لقضايا لا علاقة لتخصصاتهم فيما يتحدثون عنه أو يكتبون فيه، وللهوى والحقد الذي يُكنّه بعض أولئك لهذا الدين.

 

وللأسف فإن ذلك الطرح المادي المتكرر، قد أثر على قطاع عريض من شباب المسلمين، وكان سبباً في صرفهم عن عودتهم لهذا الدين، وإصابة غيرهم باليأس والقنوط، وأصبح بعضهم الآخر يُسقط تقصيره وأخطاءه على غيره، ويُخرج نفسه من مغبّة مسؤولية ضعف أمته وهوانها، فعطلوا طاقاتِهم وقدراتِهم، بل وجميع أسلحتِهم المعنوية الأخرى، فهم برأيهم وكما فهموه من أولئك المحللين الانهزاميين لا يملكون شيئاً لمواجهة تلك القوة القاهرة، حتى أصبح كثير منهم يعتقد أن هذا الواقع السيئ أمر لا مفر عنه، وشر لا بد منه، فأصيبوا بهزيمة نفسية محبطة، وأصبحوا لا يؤمنون ولا يعتمدون ولا يطمئنون ولا يثقون إلا بالقوة المادية فحسب، وغدوا ينظرون إلى الغرب بنفسية الغالب والمغلوب، وجَنَت الأمة آثار تلك الهزيمة النفسية المحبطة وهو ما تعيشه اليوم بكل مآسي الواقع ومرارته.

 

أيها المسلمون: لا يحتاج المرء إلى كبير تأمل ليدرك إلى أي مدى أثرت هذه الهزيمة النفسية في واقع أمته، فهي لا تعاني من شيء كمعاناتها من آثار هذه الهزيمة التي دمرت معنوياتِها، وحطمت دوافِعها، وأحبطت تطلعاتِها، وأصابتها بالضعف والهوان، وألقت بنفسها في أحضان عدوها، ومكّنته من كيانِها، ودانت له بالتبعية والولاء التام، وانقادت له مستسلمة دون أي مقاومة تذكر، حيث تشعر بمرارة العجز والقهر واليأس إلى درجة أنه قد زال لدى معظم المسلمين أية بارقة أمل في نهضة حضارية جديدة أو مستقبل مشرق واعد، فتحقق لعدوها ما أراد من السيطرة على معظم أفرادها نفسياً، ومن ثم ثقافياً وسياسياً واقتصادياً بل وسلوكياً وأخلاقياً.

 

وإنه ليصعب على المسلم أن يُشخّص الآثار المترتبة للهزيمة النفسية على أمته دون أن يصاب بحشرجة يصعب معها مواصلة حديثه، ومن يُتابع وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، يجد أن الأمة الإسلامية بلغت بسبب عجزها ويأسها حداً لا مزيد عليه من الذل والهوان، حتى إنه لا يكاد يوجد عضو من أعضائها إلا وفيه جرح ينـزف، ودم يثعب، وشعب يُهان، وحرمات تنتهك، وأراضٍ تغتصب.

 

ووصلت أوضاع أمتنا إلى منتهى الانحطاط والتخلف، وأصبحنا نعيش على هامش العالم وفي ذيل القائمة، وتداعت علينا الأمم الكافرة كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وتسلطوا علينا من كل جانب، وأصبحنا نعيش عصر الغثائية التي أخبر عنها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: أوَ من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل" (رواه أبو داود).

 

نعم! مليار ومئتا مليون مسلم، ولكن لا وزن لأكثرهم ولا قيمة، معظم دُولهم ضعيفة تعاني الفساد وتشكو الفقر، وأكثر شعوبهم مسكينة تعاني الجهل وتشكو القهر.

 

أيها المسلمون: إن القوة المادية في كل زمان ومكان هي إحدى دعائم الأمم والدول، ولا ينبغي التهوين من شأنها أو التشكيك في أثرها، فهي سبب من الأسباب، والأخذ بالأسباب واجب شرعي، ومع أهمية القوة المادية وضرورة العناية بها، إلا أن أمتنا تمتلك من مقومات القوة والنهضة ما هو أهم من القوة المادية البحتة، تمتلك القوة الإيمانية، وكانت السبب الأول في نهضتها وعزها في ذلك الوقت، وهو ما نؤمِّل أن يكون سبباً في نهضتنا وعزتنا مرة أخرى.

 

والشواهد تدل على أن حركة التاريخ لا تخضع للعوامل المادية فحسب، وإلا فما كان لموسى أن يصارع فرعون، ولا للضعفاء أن يقاوموا المستبدين من المستعمرين، ولا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ومن آمن معه أن يقاتلوا قريشاً والقبائل العربية وفارس والروم. ومن يستقرئ التاريخ يجد فيه ما يبدد التشاؤم ويرفع اليأس ويزرع الثقة ويُذكي الأمل، فليس شرطاً أن الأمم المؤمنة بالله لا تتفوق ولا تنتصر على أعدائها إلا إذا كانت مكافئة لهم أو أقوى عدداً وعدة منهم.

 

أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان .. بارك الله ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله..

 

أما بعد: أيها المسلمون: وبعد أن بلغ اليأس والقنوط والإحباط من عودة هذه الأمة إلى مجدها منتهاه عند قطاع عريض من المسلمين، ونسوا أن ما تمر به الأمة من ضعف، إنما هو مرحلة سبق أن مر بها ما هو أشد ضراوة وأعنف شراسة، فقد تعرضت من قبل وعلى امتداد تاريخها الطويل لمحاولات عديدة للقضاء عليها واستئصال شأفتها وإبعادها عن دينها ومصدر عزها، ولكنها في كل مرة كانت تقوم من جديد، بعزيمة أقوى وشكيمة أشد، ومن يستقرئ تاريخ أمتنا يدرك ذلك:

 

فقبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كانت الأمة في عز وسؤدد، وقوة ومنعة، وحينما توفي -صلى الله عليه وسلم-، مرت الأمة بأزمة عصيبة ومرحلة خطيرة، حيث عَظُمَ الخطب، واشتد الكرب، وظهر مدّعو النبوة، وامتنع قوم عن أداء الزكاة، وارتد من ارتد من العرب، حتى إنه لم يبق للجمعة مقام في بلد سوى في مكة والمدينة وأصبح حال المسلمين كما يقول عروة -رضي الله عنه-: "كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقد نبيهم، وقلة عددهم وكثرة عدوهم".

 

وفي ظل تلك الأوضاع، واليأس قد بلغ منتهاه، من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة مرة أخرى؟! ولكنّ أبا بكر -رضي الله عنه- لم يعتره اليأس، ولم يتملكه القنوط، وإنما واجه هذه الأحداث وهذه البلبلة وهذه النكبات، بإيمان راسخ وعزيمة ثابتة وتفاؤل عظيم، حتى ثبت وحارب مدعي النبوة والمرتدين وأعاد للمسلمين قوتهم، وللخلافة هيبتها، ولليائسين تفاؤلهم.

 

وفي القرن الرابع الهجري من كان يظن أن تقوم للإسلام قائمة، حينما قام القرامطة في عام 417هـ باستباحة مكة يوم التروية! حيث نهبوا أموال الحجاج وقتلوا في رحابها وشعابها وفي المسجد الحرام بل وفي جوف الكعبة خلقاً كثيراً، وجلس أميرهم أبو طاهر -لعنه الله- على باب الكعبة، والرجال تُصرع من حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام وفي الشهر الحرام وفي يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول: أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا، ثم أمر بأن يُقلع الحجر الأسود، وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟! ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة.

 

وتأمل أي ذلة ومهانة كانت تعصف بالمسلمين في ذلك الوقت: الحجر الأسود يُقلع من مكانه الطاهر، ويُحمل إلى بلد القرامطة ويمضي عندهم اثنين وعشرين عاماً قبل أن يعيدوه بأنفسهم، والأمة الإسلامية كلها لا تستطيع أن تجتمع لاسترداد حجرها الأسود!.

 

وبعد هذه الحادثة المأساوية التي لم تتكرر في تاريخ الإسلام والمسلمين، قل لي بربك: هل من مجال للمقارنة بين ما مر على المسلمين في ذلك العصر من الضعف والذل والمهانة، وما نمر به في هذا الوقت من أزمات؟. ومع ذلك فقد عاد المسلمون مرة أخرى، ونهضوا من كبوتهم وصحوا من غفوتهم، وعادوا كأقوى ما يكونون.

 

وفي أواخر القرن الخامس الهجري، من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة لما تدفقت الجيوش الصليبية من أوروبا بأسرها على الخلافة الإسلامية، في تسع حملات صليبية شرسة، فقتلوا وطمسوا معالم الحضارة، واستعملوا جميع مظاهر الاضطهاد والعنف، واستولوا على كثير من البلاد الإسلامية، وأُغلق المسجد الأقصى ولم تُقم فيه جمعة ولا جماعة، ووضعت الصلبان فوقه ما يقارب قرناً من الزمان، مائة سنة!

 

حتى ظن كثير من المسلمين في ذلك الوقت، ألاَّ أمل في انتصار المسلمين على الصليبيين، وألاَّ رجاء في رد أرض فلسطين مع المسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين، ولا سيما بعد أن فتكوا في الأنفس، وذبحوا من المسلمين في يوم واحد أكثر من سبعين ألفاً. وفي ظل هذه الظروف، من كان يظن أن هذه البلاد ستتحرر في يوم ما، على يد البطل صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين الحاسمة، ويصبح للمسلمين من العزة والقوة والسيادة ما شرّف التاريخ الإنساني.

 

ومرة أخرى لم ييأس المسلمون ولم يقنطوا من رحمة الله، فقد عادوا ونهضوا من كبوتهم، واستردوا المسجد الأقصى بعد أن رفع النصارى الصلبان فوقه ومنعوا المسلمين من الصلاة فيه أو مجرد دخوله قرابة قرن من الزمان.

 

بينما يصاب اليوم كثير من المسلمين باليأس والقنوط وفقد الأمل بالكلية من مجرد التفكير في إمكانية استرداد المسجد الأقصى مرة أخرى رغم أنه لم يمض على احتلاله سوى سنوات معدودة.

 

وإذا كان المسلمون في ذلك الوقت وحالهم كانت أشد مرارة من حالنا قد نهضوا بعد تلك الكبوة، فالأمة اليوم قادرة بعون الله تعالى، ثم بالجهود المنتظرة من أهل الصلاح والإصلاح، أن تعود من جديد، وإرهاصاتُ ذلك تبدو في الأفق واضحة جلية بعون الله تعالى.

 

وفي القرن السابع الهجري، من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة، لما خرّب المغول العالم الإسلامي، ونهبوا الأموال، وداسوا القِيَم، وفتكوا بالأنفس والأعراض فتكاً ذريعاً، حتى قيل إن جبالاً وأهرامات عالية أقامها هولاكو من جماجم المسلمين، حيث كانوا في غاية الهمجية والوحشية، فكانوا يقتلون كل من يقابلهم دون تفرقة، فقتلوا العلماء والمشايخ والكهول والنساء والولدان، وأحرقوا المساجد ودور الكتب، وحطموا كثيراً من معالم الحضارة الإسلامية.

 

وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله- عدد قتلى المسلمين إثر ذلك الغزو فقال: "وقد اختلف الناس في كمية من قُتِل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة، فقيل ثمانمائة ألف، وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس".

 

وبلغ من شدة الحدث، أن المؤرخ ابن الأثير -رحمه الله- قال: "لقد بقيت عدة سنين مُعْرِضاً عن ذكر الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أُقدّم إليه رجلاً وأُؤخر أخرى، فمن الذي يسهَل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً".

 

من كان يظن أن بلاد الإسلام بعد هذا ستقوم لها قائمة، أو أنها ستتحرر في يوم من الأيام على يد البطل المقدام قطز في معركة عين جالوت الحاسمة، ويعود المسلمون إلى سابق عهدهم.

 

ومن عجائب التاريخ وفرائده، أنه مع هزيمة الأمة في ذلك الوقت عسكرياً، إلا أنها لم تُهزم نفسياً، فقد ظل كثير من المسلمين معتزين بدينهم مستمسكين به.

 

وفي هذا دلالة على أن الأمة وإن هُزمت عسكرياً إلا أن كثيراً منهم لم ينهزموا نفسياً، ولم يفقدوا الأمل، ولم يصابوا باليأس والإحباط كما أصيب به كثير من المسلمين اليوم. فقد صحا أبناء ذلك الجيل من غفلتهم واستيقظوا من غفوتهم، وعادوا إلى دينهم فعاد لهم العز والتمكين مرة أخرى.

 

أيها المسلمون: وهذه الأمة ما تزال حُبلى بالمبشرات، وهي قادرة -بعون الله تعالى- على النهوض والعودة من جديد إلى سابق عزها ومجدها، فالأمة معطاء، والفأل مطلوب، والخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، والثقة بالله –تعالى- هي مقدمة النصر، والقوة المعنوية في كل أمة هي التي تدفع شبابها ورجالها إلى تحقيق المزيد من الانتصارات الخالدة في كل زمان ومكان

 

وما تمر به أمتنا اليوم من الضربات المتتابعة والصفعات الموجعة، ما هي إلا إرهاصات مبشرة لنهضة الأمة وصحوتها من غفلتها، وعودتها مرة أخرى إلى دينها ومصدر عزها ومجدها. فإن الظلام كلما احلولك وادلهمّ فإن وراء الأفق نوراً وفي حضن الكون شمس ساطعة، وكلما اشتد غلس الليل اقترب ميلاد النهار، وشدة ظلمة الليل دليل على قرب انبلاج الفجر بإذن الله.

 

اللهم..

 

 

المرفقات

المعنوية .. بها تنهض الأمم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات