عناصر الخطبة
1/ خطورة قطع الأرحام 2/ تحديد الأرحام واجبة الصلة 3/ شؤم قطع الوالدين والإخوة وعدم الإحسان إليهما 4/ فضل صلة الأعمام والأخوال 5/ الحث على مراجعة النفس في صلة الأرحام.اقتباس
من قطع والديه بسبب أو بدون سبب، فذاك شقي في الدنيا، وفي الآخرة مع زمرة أبي لهب.. ومما يندى له الجبين، وتهل منه دموع العين، أن تجد إخوة متقاطعين، في نفس البطن حُمِلَا، ومن صلب رجل واحد نَزَلَا، وتحت سقف واحد كَبِرَا؛ ومن إناء واحد طَعِمَا، وعلى فراش واحد ناما، ومع بعضهما أكثر من ثلث العمر قضيا، ثم بعد ذلك بسبب حفنة تراب تنازعا وتقاطعا، من خلفها تحت التراب غدا وتركها، أو بسبب مال أو مشكلة تسبب فيها الأزواج والعيال، تباغضا!!..
الخطبة الأولى:
الحمد لله المنان، جزيل الإحسان؛ أحمده سبحانه وأشكره على ما سوف يكون ومالم يكن وما قد كان، وأستعينه وأستهديه وأستغفره؛ هو المعين والمستعان، والهادي لمن وقع في الضلال والطغيان، وغافر ذنوب عباده والعصيان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب كل شيء ومليكه وهو الرحيم الرحمن، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، أعطاه الله جوامع الكلم والبيان، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه واتباعه، مادامت الحياة والأكوان.
ثم أما بعد: فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله -عز وجل- وخشيته، قولاً وعملاً، سرّاً وجهراً، فمن كان لله تقياً، عاش صافياً نقياً، وتُوفي مسلماً رَضِياً، وفي الآخرة يبلغ مكاناً علياً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون: في زحمة الحياة والسعي وراء المعيشة لكسب الطُّعْمة واللُّقْمة، قد ينشغل الإنسان أو يغفل عن بعض الواجبات ظناً منه بأنها سهلة، وهي عند الله عظيمة، ولكن متى ما سمحت له الفرصة تدارك ذلك، واستعاد رشده، وعاد له وعيه، فيجبر ما كسر، ويتدارك ما خسر، ويعيد إصلاح ما اندثر.
والله -جل وعلا- يستر ويغفر، ومن أكثر هذه الواجبات المغفول عنها وأجلها صلة الرحم، فمن قطعها قاصدًا وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، ووجب عليه أن يستغفر من ذنبه ويتوب، وأن يعود إلى الحق ويؤوب.
ويا للعجب! ففي زمن سهولة الاتصال قلَّ بين الأرحام الوصال، ومع شدة القرب أصبح الأرحام عن بعضهم غرب، فيا لعظم وخطورة الخطب، أصلح الله حالنا، وأعادنا إلى جادة الدرب.
وهنا أبيِّن -وإن كنت أثق أنكم خير مَن يبيِّن- أنَّ الأرحام هم الآباء والأمهات وإن علوا، والإخوة والأخوات أشقاء كانوا أو الوالدين تبدلوا، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، والأبناء والبنات وإن دنوا.
أما قرابة الزوج والزوجة من أم وأب وأخوات وإخوة، فهم أصهار لا أرحام؛ هكذا أهل الشريعة قضوا:
أبناء أبنائنا أبناؤنا وبناتنا *** أبناؤهن أبناء الرجال الأباعد
وسأدخل في خِضَمّ المراد، أبتغي القرب من العقول لا الابتعاد، تعلمون بأن رب السبع الشداد في حديث أبي هريرة قال للرحم وهي معلقة بالعرش؛ تقول: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال سبحانه: "أما يرضيك أن أصل مَن وصلك، وأقطع من قطعك"؟ قالت: بلى. قال الله: فذلك لك".
وأقول لك: من قطع والديه بسبب أو بدون سبب، فذاك شقي في الدنيا، وفي الآخرة مع زمرة أبي لهب، قال جبرائيل -عليه السلام- لمحمد -عليه الصلاة والسلام-: "من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يُغْفَر له فمات، فأبعده الله. قل: آمين، فقلت آمين"، نعوذ بالله أن نكون من المبعدين.
ومما يندى له الجبين، وتهل منه دموع العين، أن تجد إخوة متقاطعين، في نفس البطن حُمِلَا، ومن صلب رجل واحد نَزَلَا، وتحت سقف واحد كَبِرَا؛ ومن إناء واحد طَعِمَا، وعلى فراش واحد ناما، ومع بعضهما أكثر من ثلث العمر قضيا، ثم بعد ذلك بسبب حفنة تراب تنازعا وتقاطعا، من خلفها تحت التراب غدا وتركها، أو بسبب مال أو مشكلة تسبب فيها الأزواج والعيال، تباغضا!!
أما علم أمثال هؤلاء، بأن الزوج والزوجة يستبدلان، والمال والأبناء يعوضان، أم الأخ والأخت فإن ذهبا فمن ذا سيحل محلهما:
أخاك أخاك إن من لا أخا له *** كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
ومما يدل على عظم حق الأخت والأخ، وما في وصلهما من عظيم أجر؛ ما قد صح بأن رجلاً ماتت أمه فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رغبته في عمل يبرها به بعد موتها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل لك من خالة؟ قال: نعم. قال: برها، فبرك بها برّ بأمك".
والعم كذلك فمن مات أبوه وله عمّ، فبَرَّ به؛ فذاك بر بأبيه، والسبب أنهم إخوة لهم، فكيف يضيع الناس حق إخوتهم وهم أحياء، والله يأجر على البر والصلة بالأخوة حتى بعد وفاة الأمهات والآباء،؛ وللعم والعمة والخال والخالة ما للأشقاء من الوصل والعطاء.
يقول -عليه صلوات رب الأرض والسماء-: "من أحب أن يطول عمره ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه"؛ فالحذر الحذر من القطيعة، فعاقبتها عظيمة وخيمة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22- 23].
بارك الله لي ولكم فيما قلت وسمعتم، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم …
الخطبة الثانية:
الحمد لله قريب إذا طُلب، أحمده سبحانه وأشكره المعطي لمن رغب، وأشهد أن لا إله إلا الله لمن دعاه يجب، وأشهد أن محمداً بن عبدالمطلب هو النبي لا كذب، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما اعتلى منبر وعليه خطب.
وبعدُ: يا من في فضل ربه رغب؛ اتق الله، فمن اتقى الله ربح وكسب (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5].
عباد الله: قد سقت تذكرة عن القطيعة على عجل، في قلوبكم وعقولكم أعظم مما جئت به وأجلّ؛ ولكن تنبيهًا لنفسي ولمن مثلي غفل، ولتعلموا بأنه "ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها"؛ هكذا جاء عن سيد الأمة وإمامها..
وقبل أن أختم أريد أن أقول لكل من يقيم الصلاة في أول الصفوف، ومن يكرر العمرة وبالبيت يطوف، وعلى هيئته سمة المطيع لربه وعلى العباد عطوف: فَتِّش بين جنبات قلبك أأنت لرحمك واصل وودود رؤوف، أم قاسٍ عليهم وقاطع لهم وشرك مخوف، إن كنت الأول، فأنت على الله مقبل، وصلاتك نهتك عن المنكر، وإن كنت الثاني، فاعلم بأنك على نفسك جانٍ، وقد أوقعك الشيطان في فخ الأماني، يقول الله: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45]؛ ومَن قطَع رحمه فهو على منكر، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فكيف له أمام الله أن يُعذَر، فقل لكل قاطع أن يحذر.
أتممت ما جئت به أذكر *** والله ربي سائلاً أن يغفر
ما كان مني من ذنوب وخطأ *** فقد علمت أنني مقصر
ثم صلاة الله دومًا تنشر *** على الذي أعطاه ربي الكوثر
ما قدم القول وما تأخر …
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم