القران والهجران

يحيى جبران جباري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/فضائل القرآن العظيم 2/أهمية تلاوة القرآن وتدبره 3/كثرة هجر القرآن والعمل به 4/الحث على تعاهد القرآن وتلاوته.

اقتباس

هل لك ورد يومي من القرآن، تزيد به أجرك، وتتدبر فيه ماذا قال ربك، وتطهّر به صدرك، وتصفي به ذهنك، وتُنير به دربك، وتسعد به في حياتك، وتقوي الصلة بربك، وتضعف به شيطانك، وتُذهب به همّك وغمك وأحزانك، وتداوم على هذا ليكون أنيسك وجليسك في قبرك؟ أم أنك استبدلته بانطوائك على جوالك...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله أنزل الذكر، وضاعف الأجر، أحمده -سبحانه- وله أشكر، وأستعينه وأستهديه وأستغفر، يعين من يتعثر، ويهدي من عن الهدى يتأخر، ويغفر لمن تاب إليه من الذنب ويستغفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالربوبية، والحقيق وحده بالألوهية -تعالى- هو الأكبر، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله ربه بين يدي الساعة، وهدى الله به إلى جادة الحق من تذكر، وأنزل عليه الفرقان فبه أنذر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، إلى يوم فيه الصحف تنشر.

 

ثم أما بعد: فأوصيكم إخوة الدين ونفسي المقصرة، بتقوى الله العليم الحكيم، فالتقوى ها هنا وأشار إلى قلبه نبيكم الأمين، فمن سكنت تقواه قلبه، أحب نبيه فأطاعه ولزم هديه، وأحب ربه فأحبه، وجعله نصب عينيه وعمل لآخرته، ورمى دنياه خلفه، (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)[الشوري:20].

 

فاتقوا الله عباد الله وألزموا كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أيها المسلمون: كل كتاب قد يزاد فيه، ومنه ينقص، إلا الذي تعهّد بحفظه من ذلك، من أنزله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، وكل كتاب قد تشاع الأباطيل فيه وحوله، إلا الكتاب الذي مَيَّزَه ربكم وفضله (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت:41-42].

 

وكل كتاب قد تشوبه فرية، وتعتريه ريبة، إلا الكتاب الذي زكَّاه صاحبه وبيَّن تفصيله؛ (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[يونس:37-38].

 

كتاب كله من عند الله (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء:82]، كتاب كله هدًى وبشرى؛ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء:9]، كتاب كله رحمة وشفاء (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)[الإسراء:82].

 

كتاب كله خيرات وأجور عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يقول: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِي الصُّفَّة فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطْحَانَ أو الْعَقِيق، فَيَأْتِيَ كُلَّ يَوْمٍ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْن، فَيَأْخُذَهُمَا فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلا قَطْعِ رَحِمٍ؟، قَالَ: قُلْنَا: كُلُّنَا يَا رَسُولَ اللهِ يُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاثٌ خَيْرٌ له مِنْ ثَلاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الإِبِلِ"(أخرجه مسلم).

 

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا".

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَجِيءُ صاحب الْقُرْآن يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ القرآن: يَا رَبِّ حَلِّهِ – فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثم يقول: ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً"(رواه الترمذي، وهو حديث حسن صحيح). يا رب نسألك من فضلك.

 

أيها الأحبة: ما سمعتم قليل أدلة من الكتاب والسنة، في فضل وثواب كتاب، رغم أنه بين أيدينا، وفي مساجدنا، ويزين رفوف منازلنا، ومكاتبنا، وموجود حتى في أجهزتنا، إلا أننا عنه في غفلة، وفي منأى وعزلة، إن لم يكن الكل، فالجُلّ يَهجره، وكأن الزمان يعيد نفسه، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- ينادي ربه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)[الفرقان:30]، فما الذي دهانا ونحن خير أمة؟!

 

لا أحبط ولا أثبط، ولكني أنبه الغافل، وأذكّر الناسي، وللكسول أنشط، راجع نفسك وانظر حالك، وحال أهل بيتك، متى آخر مرة أمسكت وأمسكوا فيها المصحف، سل نفسك، هل لك ورد يومي من القرآن، تزيد به أجرك، وتتدبر فيه ماذا قال ربك، وتطهّر به صدرك، وتصفي به ذهنك، وتُنير به دربك، وتسعد به في حياتك، وتقوي الصلة بربك، وتضعف به شيطانك، وتُذهب به همّك وغمك وأحزانك، وتداوم على هذا ليكون أنيسك وجليسك في قبرك؟

 

أم أنك استبدلته بانطوائك على جوالك، وعلى شاشة تلفازك، وانشغلت عنه بقضاء حاجاتك، وقدمت على الاهتمام به، الاهتمام بعيالك وأعمالك، وتنتظر يوم الجمعة لتقرأ سورة الكهف، مثل الكثير من أقرانك، وتعقد العزم كل حين، وتبيت النية كل يوم، ليكون رمضان المقبل، هو شهر انفرادك بقرآنك، يا رب نسألك عفوك وغفرانك.

 

التحق شاب بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم في احدى مدن المملكة، وأتم حفظ القران وهو في سن الثانية أو الثالثة عشرة، كان يقضي وقته كله في غرفته مع القرآن، يخرج للصلاة، ثم يعود للبيت يمسك القرآن، صديقه وقرينه القرآن، بلغ السابعة عشرة من عمره وهو على هذه الحال، وفي يوم دخلت عليه أمه، فوجدته قد فاضت روحه إلى المنَّان، ولا غرابة فكل نفس ذائقة الموت، إلا أن من شيعوه، ودخلوا غرفته ليحملوه، قالوا: والله شممنا في غرفته رائحة، لا يوجد مثيل لها في الدنيا، تقول أمه: بقيت هذه الرائحة الطيبة في غرفته بعد وفاته 70 يومًا.

 

يا رب نسألك عطفك وجودك، إنك بنا رحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)[الواقعة:77-80].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستعفر الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله القائل: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[القمر:17]؛ أحمده –سبحانه- وأشكر، وأشهد أن لا إله غيره هو المتكبر، وأن محمدًا عبده المدثر، صلى الله وسلم عليه ما لاح بارق ليمطر.

 

وبعد: يا كل من جاء يريد من رب حليم يغفر، اتق الله، فمن اتق الله بعفوه سيظفر، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق:5].

 

عباد الله: اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن ما مضى ما هو إلا رسالة، أنتم بها على دراية، وما أسلفت من تقصير مع القرآن ما هو إلا حالي، أسأل الله لي ولكم الهداية، فلا تكن مثلي، وكن بين الناس مع القرآن آية، فالقرآن من أعظم السبل والوسائل لبلوغ الغاية، اكتفيت في موعظتي بالتذكير، لنفسي ولكم، من هجر القرآن والتلاوة، والعودة إليه والمداومة عليه، ففيه الهدى والفلاح، وإلا فهو يستحق كثير اهتمام وعناية.

 

ودونكم إن شئتم قول أهل العلم والدراية: "فمن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الصراط المستقيم"؛ فاحذروا ثم احذروا هجرانه، اللهم اجزِ مَن علمنا كتابك خير الجزاء، واجعله اللهم مع الأنبياء والصديقين والشهداء، واجعل القرآن شاهدًا لنا يوم اللقاء.

 

وصلوا وسلموا...

 

المرفقات

القران والهجران

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات