القرآن وتوراة موسى

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-12-10 - 1445/05/26
التصنيفات:

 

 

اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي

 

توراة موسى أم توراة اليهود؟

لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بوحي الله وكتبه التي سبقت القرآن وقد ذكرها إجمالاً في قوله: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].

 

﴿ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ﴾ [الشورى: 15].

 

وبذلك كان المسلمون هم الطائفة الوحيدة على ظهر الأرض التي تؤمن بكل كتب الله المنزلة، وقد سجل القرآن ذلك في قوله: ﴿ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ﴾ [آل عمران: 119].

 

ثم ذكر القرآن بعضًا من هذه الكتب تحديدًا كما جاء في حديثه عن صحف إبراهيم: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى *بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [خواتيم سورة الأعلى].

 

وتحدث القرآن عما أوتيه داود، فقال: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [الإسراء: 55].

 

على أن ما يعنينا في هذا المقام هو موقف القرآن من الأسفار اليهودية والمسيحية، والتي تتكون بوجه عام من التوراة وتعرف باسم أسفار موسى الخمسة، ثم أسفار الانبياء الذين ظهروا في بني إسرائيل من بعد موسى حتى عصر الميلاد، واخيرا إنجيل المسيح.

 

توراة موسى أم توراة اليهود؟

 

يقصد بتوراة موسى ذلك الكتاب الذي أوحاه الله على عبده موسى، والذي قرأه على بني إسرائيل في حياته وحكم به وأخوه هارون فيهم، ثم تركه بينهم وانتقل إلى رحمة الله.

 

يقول الله في القرآن عن توراة موسى الأصلية هذه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

* * *

 

أ‌- ولقد كان في توراة موسى:

• لا إله إلا الله.

• الإحسان إلى الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين.

• مخاطبة الناس - غير الإسرائيليين - بالحسنى وعدم الاستكبار.

 

فهذا ما يقوله القرآن:

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].

* * *

 

(1) لكن التوراة المحرفة - باعتراف علمائها كما رأينا سلفاً - والتي يتداولها الناس منذ قرون عديدة، وجمع بين دفتيها هذا وذاك، ونسميها: "توراة اليهود"، نجدها تقر عبادة الشيطان!

 

"قال الرب لموسى كلم هارون أخاك.. يأخذ تيسين من المعز لذبيحة خطية. ويأخذ التيسين ويوقفهما أمام الرب.. ويلقي هارون على التيسين قرعتين: قرعة للرب، وقرعة لعزائيل. ويقرب هارون التيس الذي خرجت عليه القرعة للرب ويعمله ذبيحة خطية.

 

وأما التيس الذي خرجت عليه القرعة لعزازيل فيوقف حياً أمام الرب ليكفر عنه ليرسل إلى عزازيل إلى البرية - لاويين 16: 2-10".

 

ويقول علماء الترجمة الفرنسية المسكونية تعليقاً على هذه الفقرة: "يبدو أن عزازيل، بحسب الترجمة السريانية هو اسم شيطان كان العبرانيون والكنعانيون القدامى يعتقدون أنه يسكن البرية. والبرية أرض عقيمة لا يمارس فيها الله عمله المخصب"[1].

 

سبحان الله!

 

هل البرية أو الصحراء بعيدة عن سلطان الله؟!..

 

وحتى ولو لم يكن عزازيل شيطاناً، بل كان ملكاً أو كبير الملائكة، فإن اختصاصه بتقديم قربان إنما يعني عبادته.. يعني الشرك بالله..

* * *

 

(2) كذلك تقر توراة اليهود، الناس من غير بني إسرائيل على عبادتهم الأجرام السماوية، باعتبار ذلك قدراً إليهاً قسمه الرب لتلك الشعوب، بينما يتفرد الإسرائيليون بعبادة الله فلا يشاركهم فيه أحدا!..

 

"لئلا ترفع عينيك إلى السماء وتنظر الشمس والقمر والنجوم كل جند السماء التي قسمها الرب إلهك لجميع الشعوب التي تحت السماء فتغتر وتسجد لها وتعبدها- تثنيه 4: 19".

* * *

 

(3) كذلك تقر توراة اليهود استعباد غير الإسرائيليين، ليكونوا عبيداً لبني إسرائيل أبد الدهر.

 

"إذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبدنه استعباد عبد. كأجير نزيل يكون عندك. إلى سنة اليوبيل يخدم عندك. ثم يخرج من عندك هو وبنوه معه ويعود إلى عشيرته.

 

وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم. منهم تقتنون عبيداً وإماء. وأيضاً من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون ومن عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكاً لكم. وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك. تستعبدونهم إلى الدهر - لاويين 25: 39-46".

* * *

 

(4) كذلك تفرض توراة اليهود على بني إسرائيل أن يقرضوا غيرهم بربا، بينما تحرم ذلك عندما يكون المقترض من الإسرائيليين.

 

"لا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء مما يقرض بربا.

 

للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك - تثنية 23: 19-20".

* * *

 

ب- ولقد كان في توراة موسى نبوءات صريحة عن خاتم النبيين الذي يبعثه الله رسولاً إلى العالمين من غير بني إسرائيل، بل ومن أبناء إسماعيل بن إبراهيم على وجه التحديد:

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].

 

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 20].

 

﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [البقرة: 89-90].

 

قال ابن عباس: "أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه" (تفسير ابن كثير).

 

ولقد سبق معالجة بشارات خاتم النبيين في مؤلف سابق[2].

 

ولا يزال في توراة اليهود بقايا من بشارات خاتم النبيين مثل قول الرب لموسى:

أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه (انتقم منه) - تثنية 18: 18".

 

ولقد رأينا سلفاً - عند الكلام عن تحريف النصوص - أن الترجمة الإنجليزية المعروفة باسم "انجليزية اليوم" قد حرفت هذا النص ليكون من وسطهم - أي وسط الشعب الإسرائيلي - بدلاً من وسط إخوتهم، التي تعني بلغة التوراة: أبناء عمومتهم، أي أبناء إسماعيل بن إبراهيم.

 

القرآن يقرر - إذن - أن توراة موسى، أي التوراة الأصلية هي هدى ونور، وهذا حق لا مرية فيه. وأما توراة اليهود فهي توراة محرفة، فلا شك في ذلك على الإطلاق.

 

[1] كتب الشريعة الخمسة: ص57.

[2] راجع كتاب: النبوة والأنبياء - الفصل الرابع: البشارات، الناشر، مكتبة وهبة، 14 شارع الجمهورية، القاهرة.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات