القرآن المعطل

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-09-07 - 1446/03/04
التصنيفات:

 

معاوية محمد هكيل

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 1 - 3].

 

وبعد فإن القرآن الكريم: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 16].

 

فبمثل هذا تحدث القرآن عن نفسه فهو الكتاب الخالد والمرجع الوحيد للأمة وهو الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].

 

أنزله الله على نبيه عليه الصلاة والسلام منجمًا (مفرقًا) وقد استغرق نزوله بضعة وعشرين عامًا منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن لحق بالرفيق الأعلى.

 

فيجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه على حظه من بيان القرآن للدين ومن هداه من ضلال الضالين ومن موعظته للغافلين، فبمقدار حظه من هذه الأضواء الثلاثة يكون مقامه في المتقين.

 

وإن هذا المقدار ليصغر ويكبر تبعًا لفهم القرآن وتدبره، إذ تتجلى له في كل سورة يتولها آيات من بيانه في علمه وعرفانه وحكمه وأحكامه، فيه: من دلائل الإعجاز وفيه براءة النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه من عبادة ما يعبده المشركون من الأنداد والشفعاء فهو كتاب الدين والدنيا وهو القانون الصالح لكل زمان ومكان ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89].

 

وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [المائدة: 48] جمعه الصديق رضي الله عنه مع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وساعدهما نخبة طيبة من الصحابة رضوان الله عليهم، وقد رشحوا زيد بن ثابت لكتابة القرآن في عهد الصديق لأربع صفات ذكرها الصديق في قوله له: إنك رجل شاب وعاقل لا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه صفات توفرت في زيد بن ثابت أولها: الشباب الذي يساعد على إنجاز هذا العمل الشاق، وثانيها: العقل وهو أصل كل خير ديني ودنيوي، وثالثها: الأمانة وهي صفة سامية لابد منها في هذا العمل الشاق الدقيق، ورابعها: كتابة الوحى وقد مارس ذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرف ما هو قرآن مما ليس بقرآن وبذلك يصل التوثق والاطمئنان.

 

ومن مميزات الكتابة في عهد الصديق أنه لم يقبل إلا ما أجمع عليه الجميع أنه قرآن، وكان المعول في كتابة القرآن الحفظ والكتابة أي ما كان مكتوبًا في الصحف وما كان محفوظًا في الصدور.

 

وأنه كان مرتب الآيات على الوضع الذي يقرأ اليوم وهذا ما اتفقت عليه الأمة ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الإسراء: 105].

 

﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 37].

 

وهذا موجز عن كيفية جمع القرآن والمحافظة عليه. فلزامًا على الأمة أن تجعله في المكان اللائق به فتتفهم آياته وتطبق تعاليمه لتفوز بالحسنيين.

 

ولكن رغم تمهيد الطريق وتيسير المطالب على أيدي السلف الصالح، تنكبنا السبل وضللنا الغايات، وإنه ليحزن كل مسلم ذي بصيرة موقف الأمة اليوم من كتابهم المجيد ودستور حياتهم الخالد ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُه) هبطت به إلى الدرك، فلا تتفهم معانيه ولا تدري مقاصده ولا تفقه أحكامه ولا تدرك حكمته ولا تحتكم إليه ولا تحكم به ولا تتفقه فيه تنكبوا عنه الطريق وأخطأوا فيه التطبيق. فما وصلنا إلى غاية وما أدركنا أي نهاية.

 

فعجبًا وأي عجب!! في أي العصور نعيش وفي أي المواكب نسير؟ ﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن: 10] (رباه غياثاه) أدرك هذه الأمة فما لها مدرك سواك.

 

فها هو القرآن يتلى في المآتم ويقرأ في الحفلات ويصان في المتاحف ويسخر للسحر وتحضير الجن ويقرأ على القبور. وبهذه الوسائل الشيطانية يعطل القرآن.

 

فخالفوا بذلك قول الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) فإلى متى الغفلة؟ ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50].

 

﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [فصلت: 3، 4].

فها هم القوم يا رب قد انصرفوا عن كتابك إلى متاع الدنيا فلا دين أصابوا ولا دنيا أدركوا. فإلى متى الغفلة ومتى العودة إلى القرآن؟

 

أفيقوا أيها المسئولون واستيقظوا أيها الموحدون وأعلنوها حربًا على شياطين الإنس الذين عطلوا القرآن وسخروه لمآربهم وأهوائهم قاتلهم الله أنى يؤفكون. وتذكروا قول ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

 

فاللهم اهدنا للعمل بكتابك وأعن المسئولين على تطبيق أحكامه حتى يعود للإسلام مجده، إنك سميع مجيب الدعوات.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات