القدوات

د. منصور الصقعوب

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية القدوة وأثرها 2/ القدوات الإيجابية والسلبية 3/ نماذج رائعة يجب الاقتداء بهم 4/ حاجة الناس للقدوات الحية 5/ بعض صور القدوة وجوانبها 6/ صفات القدوات الحسنة 7/ إبراز الإعلام للقدوات السيئة

اقتباس

عن القدوةِ -يا كرامُ- نتحدث اليوم, تلكم الشخصيةُ التي نتأثر بها, وتُغير في طباعنا, ونحذوا حذوها في الخير أو غيره, وكم نحتاج لمثل هذا الحديث في زمنٍ اضطربت فيه الأمور, فأصبح البعض لا يدري بمن يقتدي, وبمن...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، تبارك الله ربنا الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ليس لفضله منتهى ولا لإحسانه حدّ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير من أطاع ربه وعبد، الرسول المجتبى، والنبي المصطفى الذي لا عز إلا باتباع سنته, ولا كرامة إلا باقتفاء منهجه والاقتداء به، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه ومن تعبد.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -أيها المؤمنون- فتقوى الله هي السلاح في وقت الأزمات، والنجاة عند الكربات, والربح يوم أن يلقى العبد رب البريات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

 

أوصى عتبة بن أبي سفيان مؤدب ولده، فقال: "ليكن أول إصلاحك بنيَّ إصلاحكَ لنفسك، فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح ما تركت" فهل عرفتم أثر القدوة؟

 

وقديماً كانت العرب تقول: "فعل رجلٍ في ألف رجل أبلغُ من قول ألفِ رجلٍ في رجل" فهل تبينتم أهمية القدوة؟

 

لا بد للإنسان في حياته من قدوات بها يأتسي, ولنهجها يحذو, وعلى قفوها يسير, ولو تتبعت كل طبع وخصلة, وقولةٍ وفعلة لوجدت أن الإنسان بها يحاكي وينهل من قدواتٍ سبقته, إن في الخير أو في الشر, فالعالم والداعية, والطبيب والمهندس, واللاهي اللاعب, لهم قدواتٌ يذكرونها فيطرونها, تتخايل أمام ناظريهم في سائر أحوالهم, يرونها الملهمَ لهم بعد الله, والأسوةَ لهم في حياتهم.

 

عن القدوةِ -يا كرامُ- نتحدث اليوم, تلكم الشخصيةُ التي نتأثر بها, وتُغير في طباعنا, ونحذوا حذوها في الخير أو غيره, وكم نحتاج لمثل هذا الحديث, في زمنٍ اضطربت فيه الأمور, فأصبح البعض لا يدري بمن يقتدي, وبمن يأتسي, فصار كما قيل: لا أتقن مشيته ولا مشية الحمامة.

 

وفي زمنٍ ربما أُبرِز البعض على أنهم القدوات, ومنهم تؤخذ الفتوى, ويصدّرون في منابر الإعلام يحللون ويحرمون, في حين لا يظهر صوت العالم الحق للبعض, فصرت لا تميز الشحم من اللحم, والورم من السمن, في زمنٍ ربما رأيت بعض شبابنا يقتدي بالممثل أو المغني أو اللاعب وربما كان كافراً, وصور هؤلاء ربما زين بها غرفته وأسمائهم تجدها في ملبسه, وباتت الجهات حين تريد أن توصل فكرة من الأفكار, أو ترسخ قيمة من القيم, أو تسوق لمنتج وسلعة, أتت برياضي أو ممثل يسوقها, ومن بعده ترى النشء يتمثلها, كل هذا يجعل الأبَ والمربي وكلَ إنسان يسأل بالصوت العالي: أين القدوات الحقيقيون في المجتمع؟ ما صفاتهم؟ ما دورهم؟

 

وبادئ ذي بدء أقول: لقد فطر الله الناس على الاقتداء, بل إنَّ التقليد والاقتداء جزء لا يهمل من عملية نمو الإنسان وتطوره، ألا ترى الطفل كيف يحاكي أباه، ويتقمص شخصيته؛ لأن التعلم بالرؤية والمشاهدة أسهلُ وأيسر, والناس يحتاجون لأصحاب المبادرات كي يتبعوهم, ويوافقوهم, فهاهم الصحابة كما في الصحيح يحثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإنفاق فيسمكون, حتى جاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها, ومن بعده تتابع الناس حتى جمعوا كومين من الطعام, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حينها: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها...".

 

وفي المقابل فربما رأيت البعض يبدأ بباب شر، فيقتدي به من بعده, فيبوء بوزر كل من عمل به من بعده, وفي الصحيح: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل".

 

فمع تقادم السنين ينال ابنَ آدم القاتلَ وزرٌ؛ لأنه من فتح الباب للقتل.

 

ولا عجب ففرعون قدوة قومه في الشر, حيث استخفهم فأطاعوه, فكانت النتيجة أنه: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) [هود: 98].

 

عباد الله: بمن نقتدي؟

 

ألا وإن محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة الأولى للمسلم, فلنا فيه أسوة في كل شيء, وحين يحار الناس في البحث عن القدوة تبقى القلوب مع محمد -صلى الله عليه وسلم- فكل لحظة من حياته هي درس للعالم أجمع: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21].

 

وهذا الذي فهمه الصحابة, لذا سألوا من قرب منه عن تفاصيل حياته، ودقائق معيشته, حتى وهو مع أهله كي يقتدوا به.

 

إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا ***  كفى بالمطايا طيب ذكراك حادياً

 

وإبراهيم -عليه السلام- لنا به أسوة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الممتحنة: 4].

 

ولنا بالأنبياء أسوة: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90].

 

والسلف وأخبارهم, مجال واسع للاقتداء, فطالع سيرهم, وعش مع أخبارهم, تجد الروعة في سيرهم, والجمال في مآثرهم, لهم في كل مأثرة بصمة, وفي كل عبادة موقف, وفي كل خبر عبرة, حين تبحث عن القدوات اقرأ تراجم الأعلام, ستجد وفرة في النجوم لا يتكرر, ولو كان جيل الصحابة والتابعين ومن بعدهم لأمة أخرى لفاخروا بهم, وعكفوا يدرسون تجربتهم, ونحن اليوم بحاجة كي نقرب من سيرهم, ونعلق الجيل بمواقفهم, فهم أسوة حسنة في مجمل حياتهم.

 

وإني من القوم الذين هم همُ *** إذا مات منهم سيد قام صاحبه

نجومُ سماء كلما خر كوكبٌ *** بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

 

ومع أهمية القدوات المتقدمة, إلا أنه حينما يتطاول الزمن يحتاج الناس إلى قدوات يرونهم أمامهم, يقابلونهم في مجتمعاتهم ومساجدهم، بل وأسواقهم, فالفضائل المنقولة، والأخلاق المكتوبة, ربما بقي أثرها محدوداً فيمن عايشها، وإنك إن ذكرت رجال زمان مضى لربما قيل: لكل زمانٍ رجال, والزمان اختلف, ولو عاشوا في زماننا لفعلوا كما فعلنا.

 

ليس بنا اليوم تعديد نماذج للقدوات, فهم بحمد الله كثير, ولكن المرء ينبغي أن يدرك أنه في مجتمعه قدوةٌ شاء أم أبى, أنت قدوة لمن هم تحت يدك، أبناءك وبناتك يرون فيك القدوة, فعبادتك, وأخلاقك, وألفاظك, وتعاملك معهم ومع أمهم, هي صورة ترسخ في الأذهان, وربما انتقلت لمن وراءهم, وأنت اليوم تذكر مواقف من والدك بقيت مؤثرةً في حياتك, بعضها حسن وبعضها سيء, وغداً سيتذكر أولادك مواقفك وأفعالك.

 

فما أعظم مهمتك -أيها الأب-, ليست القضية طعاما وشراباً, بل القضية خصال تتصور, وطباع تتكون, أنت لها القدوة, وليكن في البال أن القول لن يجدي والفِعالُ لا تعضُد, ماذا تغني النصائح لابن بالحرص على معالي الأمور, وهو يرى أباه يرتع في أسافلها؟ إن موقفاً منك ربما  ظل عالقاً في ذهن الأولاد عقوداً من السنين, في حين قد ينسون قولك غداً؟

 

سألت رجلين من أبناء الثلاثين من السنين؟ ماذا بقي لكم من ذكريات آبائكم؟ فقالا: أما الكلمات فجلّها ذهب, وأما الفِعال والخِصال فكأنها اليومَ أمامَ العين.

 

قال أحدهم: أتخايل أبي وهو يصلي سبحة الضحى كل يوم, أتذكر أبي وهو يبر بوالديه ويضحي لأجلهما, أوقظ أولادي للصلاة، فأتذكر فعله ذلك بنا, فبه اليوم أقتدي, وانطلق يذكر من مآثر والده وأفعاله.

 

وقال الآخر: لقد أثرت فيّ أخلاق والدي إلي اليوم, أتصبح كل يوم على سلاطة لسانه مع والدتي وإخوتي, أراه كل يوم يقلب طرفه في الفاتنات, ويصك أذنيه سماع الأغنيات, حتى غدت جزءاً من حياتنا, فاستهنّا بهذه المنكرات منذ شبابنا, فأثر ذلك فينا.

 

إيهٍ -أيها الأب- ما أعظم دورك؟ وما أعسر مهنتك؟ لديك أولاد إما أن يكونوا لك امتداد خير وأجر, أو باب شر ووزر, فماذا أنت صانع, لا يروك حيث نهيتهم, ولا يفقدوك حيث أمرتهم, فهم بشخصك يقتدون, وبك يفاخرون؟

 

معشر الكرام: والمربي الفاضل, ذلكم الأستاذ الذي يمثُل كل يوم أمام طلابه ساعات متواصلة, يزرع فيهم الخلال, ويعملهم الحرام والحلال, هو قدوةٌ لجيل المستقبل, وأفكاره تستودعُها عقولُهم, وإن الجيل سيكون على شفا جرف غثائية إذا كان المربي المعلم هو الذي يؤزهم للمدرجات, ويشعل بينهم فتيل التعصبات الرياضية, ويسمعون منه بذيء العبارات، ويرونه على السيء من التصرفات.

 

فيا أيها المربي: كن واعياً لثقل أمانتك, تحرز في ألفاظك, وتوق في أفعالك, واضبط عندهم انفعالاتك, وابذر اليوم ثمارك, فكم من عالمٍ بقي ذكره في العالمين, قد كان سبباً في تميزه معلمٌ لا يُعرف اليوم اسمُه, ولا يشكر عند الناس صنعه, لكن له من الأجر مثل أجر تلميذه؛ لأنه من نتاج بذره, وثمرات جهده.

 

كم نسمع من ينقد طلاب اليوم, ونغفل أننا لم نكن قدواتٍ حقةً لهم, فهبني قدوة حسنة أهبك جيلاً متميزاً؟

 

وإن قاصمة ظهر القدوة -أيها المربي- أن يقع منك القوم على تناقض الفعال مع الأقوال, وقد أحسن الأول إذ قال:

 

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما تقول ويقتدى *** بالقول منك وينفع التّعليم

 

معشر الكرام: وإمام المسجد ومؤذنه قدوتان للمصلين, في عنايتهم بصلاة الفجر وغيرها, في تعاملهم, في خلقهم, وكم من إمامٍ كان سبباً في نشر الوعي, وتحبيب الناس لبيوت الله, وآخر بعكس ذلك.

 

ومعلم الحلقة قدوة للأبناء من حوله, أسلَمَهُ الأبناءُ عقولَهم, وأعطاه الآباء فلذات أكبادهم, فلتكن يا مبارك بحجم المنزلة, واستذكر أنك اليوم قدوة.

 

الموظف في عمله قدوة لزملائه, المدير في دائرته قدوة لموظفيه, الكفيل قدوة لمكفوله, أو هكذا ينبغي أن يكونوا, بل كل مسلم ينبغي أن يكون قدوة للمسلمين من حوله, في سائر أحواله, كل هذا يجعل القدوة يراقب الله, يفعل الخير ويحاذر المعصية والشر؛ لأن الله يراه, ثم لأنه يمثل الإسلام, ولأنه يقتدي به فئام.

 

فتح صاحبي المذياع, فسمع قرآناً يتلى بصوت قارئ رحل عن الدنيا, ثم حركه قليلاً فسمع المذيع يقدم لأغنية لمغني قد رحل عن الدنيا, هذا أبقى, وذاك أبقى, فطوبى لمن كان مفتاح خير مغلاق شر, ومن يرحل وتبقى أعماله الصالحة, ويا بؤس من يرحل وتبقى سيئاته تأتيه في قبره مئات السنين؛ لأنه كان قدوة في العصيان -والله المستعان-.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده...

 

قال المروذي للإمام أحمد لما أرادوا أن يقدموه للضرب: يا أستاذ، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) [النساء 29]؟ فقال: يا مروذي، اخرج وانظر أي شيء ترى؟ قال: فخرجت إلى رحبة دار الخليفة، فرأيت خلقاً من الناس لا يحصى عددهم إلا الله -عز وجل-، والصحف في أيديهم، والأقلام والمحابر في أذرعتهم, فقال لهم المَرُّوْذِيُّ: أيُ شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه, فقال المَرُّوْذِيُّ: مكانكم فدخل إلى أحمد, وقال له: رأيت قوماً بأيديهم الصحف والأقلام، ينتظرون ما تقول فيكتبونه, فقال: يا مروذي، أُضل هؤلاء كلهم. أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء كلهم.

 

ولما قيل للبويطي: أن يقول بخلق القرآن، وقال له الخليفة: قل فيما بيني وبينك، انتفض، وقال: إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى, فكيف أضلُّهم؟

 

إنه استشعار لمعنى القدوة من العالم, فالعالم قدوة للناس, يقتدون بأقواله وأفعاله, ويصدرون عن آرائه.

 

وقد قيل: زلة عالمٍ زلة عالم.

 

فيا كل مقتدى به, يا طالب العالم, يا أيها العالم, يا أيها الداعية: الله الله في الناس, فأنتم محطُ الأنظار, أقوالكم وأفعالكم محسوبة, فراقبوا الله في أموركم, ولا تفتحوا للناس أبواب تنازلٍ بتفريطكم.

 

إن القدوة -أيها القدوات- يترفع عن المكروهات, والمشتبهات, فالعامة كما قال ابن الحاج: إذا رأت من عالم أنه يفعل أمراً من الملذات تابعوه، وإن أيقنوا أنه محرم أو مكروه أو بدعة، يقولون لعل لهذا العالم، علم بجواز ذلك ولم نطلع عليه أو رخص فيه العلماء, فإذا رأت العامة من هو أفضل منها في العلم والخير يرتكب شيئاً من ذلك، فأقل ما فيه من القبح الاستصغار والتهاون بمعاصي الله -تعالى- [المدخل لابن الحاج: 1/107].

 

ولربما ترك القدوةُ بعضَ المباحات؛ لأن وقته أسمى من الانشغال بها, ولكي لا يضيق وقته عن الكمالات, وقد كان يحيى بن يحيى  يوماً عند مالك في جملة أصحابه إذ قال قائل: قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غير  يحيى, فقال له مالك: لم تخرج فترى الفيل؛ لأنه لا يكون بالأندلس، فقال له يحيى: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم من هديك وعلمك ولم أجئ لأنظر إلى الفيل فأعجب به مالك وسماه: "عاقل أهل الأندلس" [طبقات الفقهاء: 152].

 

أهاليكم -أيها القدوات- يقال عنهم: أهل فلانٍ القدوة, والأصل في أهل المرء أنهم يمثلونه, وهم صدى لما هو عليه, وقد قالت أم يعقوب لابن مسعود حين نقل لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- للواشمة، قالت: "فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ، قَالَ: "اذْهَبِي فَانْظُرِي" قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، فَقَالَ: "أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا".

 

معشر الكرام: القدوة من العلماء ليس من صُدِّر في البرامج, وهو من الحجة خواء, ليس من قدّم قبل اسمه الألقاب العلمية وهي منه براء, ليس من تسمع منه كل يوم باقعة من شذوذات الفتاوى والأقوال.

 

القدوة من العلماء هو الذي يخشى الله, قدوة في عبادته وخوفه وورعه وخلقه, لا يتتبع رخص العلماء, ولا يقول بشاذ الأقوال, القدواتُ من العلماء، أعمالُهم أعلى من كلماتهم، وهمتُهم حياةٌ لأمتهم، همهم رضى الله وإن سخط خلقه, وسلامةُ دينهم وإن خسروا دنياهم, وهؤلاء في زماننا بحمد الله كثير.

 

ولكننا -أيها الكرام- في حقبة يسعى فها المفسدون إلى تغييب الأمة عن قدواتها الحقيقين, حتى تصير بلا امتداد, وإظهارِ قدوات ما هي إلا رؤوسٌ جهالٌ ظلوا وأُريد لهم أن يُظِلوا, وإذا غُيبت القدوات, فلا تعجب أن يقتدي الشباب بمجاهيلَ في أفكارهم, ونكراتٍ في اتجاهاتهم ومناهجهم؛ لأنهم ما عادوا يقتدون بالعالم الحق, وما صاروا يعرفونه, ولن تعجب حين ترى شباب الجيل يعنى بأخبار الساقطين والساقطات, ويعرف تفاصيل حياتهم, وكامل تحركاتهم, وكلَ شيء عنهم, في حينِ أنه لا يعرف حتى أسماء الأئمةِ الأربعة، ولا الفقهاءِ السبعة, بل ولا المبشرين بالجنة العشرة, ولن تَعجب حين ترى مانديلا يكون قدوة لطالبي الحرية, وجيتس هو النموذج للجدية, وذاك الكافر رمز المحبة, وذاك رمز المعرفة, وينسون روائع القدوات المسلمة التي برزت وبزّت في كل نواحي الحياة.

 

جماع القول -يا كرام- أن أزمة الأمة اليومَ أزمةُ قدوات, وإن دورنا جميعاً كبير في إبراز القدوات في شتى المجالات, وأن يسعى كل ذا مهمة ومهنة إلى أن يكون قدوة صالحة, يقتدي به من تحت يده, فبالقدوة نزرع الفضائل, ولا يكفي تلقين المبادئ ما لم تكن ماثلة أما العين، وإذا كان زرع القيم يتم في الصغر عن طريق القدوة، فإن هدم القيم الحسنة حين تغيب هذه القدوة.

 

وما أعظم ثواب من كان القدوة للناس في الخير! وما أشد خسارة من كان رأساً في الشر!

 

اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر...

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات