القات وأخطاره

مراد كرامة سعيد باخريصة

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تكريم الله تعالى للإنسان 2/ خطورة مجالس القات 3/ مفاسد تعاطي القات 4/ تفنيد دعاوى متعاطي القات 5/ إرشادات مهمة للإقلاع عن تعاطي القات

اقتباس

إن الإنسان مخلوق كريم عند الله، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؛ خلقه في أحسن تقويم، وكرمه أعظم تكريم، وجعله خليفة له في الأرض، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وميَّزه بالعلم والعقل والإرادة؛ فلماذا يستحقر الإنسان نفسه، ولا يشعر بذاته، ولا يغالي بقيمته؟ لماذا يرمي بنفسه في أوحال المستنقعات، ويلقي بذاته في المتاهات والمخدرات وجلسات القات؟! ..

 

 

 

 

يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء:70].

إن الإنسان مخلوق كريم عند الله، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؛ خلقه في أحسن تقويم، وكرمه أعظم تكريم، وجعله خليفة له في الأرض، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وميَّزه بالعلم والعقل والإرادة؛ فلماذا يستحقر الإنسان نفسه، ولا يشعر بذاته، ولا يغالي بقيمته؟ لماذا يرمي بنفسه في أوحال المستنقعات، ويلقي بذاته في المتاهات والمخدرات وجلسات القات؟!.

عباد الله: إننا نرى -وللأسف الشديد- كثيرا من الشباب اليوم ضيع أوقاته وأمواله وطاقاته في جلسات مضغ القات التي أضاعت شبابنا، وجعلت كثيرا منهم لا يشعرون بمسؤولية، ولا يقدرون واجباً، ولا يهتمون بأهلهم، ولا يراعون أولادهم؛ لأن هذه الجلسات استغرقت أوقاتهم، واستحوذت على تفكيرهم، يلهث الواحد منهم وراء القات، ويعيش في عالم الخيالات، ويضّيع الصلوات، ثم يتطور الأمر -والعياذ بالله- إلى الحبوب والحشيش والمخدرات؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) [الأعراف:157].

إن ظاهرة تعاطي القات في مجتمعنا هذا بدأت تتفاقم وتتعاظم في هذه السنوات، واستشرى ذلك بين الكثير من الشباب من مختلف الأعمار والطبقات، وأثر ذلك تأثيرا سلبيا واضحا على صحتهم النفسية وحياتهم الإجتماعية؛ بل والدينية، كثير من هؤلاء الشباب ألجأتهم مجالس القات إلى مجالسة من لاتحمد مجالسته، يقول النبي -صلى اله عليه وسلم-: "ومثَل الجليس السوء كمثل صاحب الكير؛ إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه" صححه الألباني. وفي رواية قال: "إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة" متفق عليه.

أضف إلى ذلك أن هذه المجالس لم يقتصر فيها هؤلاء الشباب على القات فقط؛ بل غالبا ما يصاحبه الدخان، وغيره من الأمور الأخرى، فيجب على عقلاء الرجال أن يتنزهوا عن مثل هذه المجالس، وأن يترفعوا بأنفسهم، وينأوا بها عن المشاركة فيها، أو الحضور إليها.

لقد ضيّع كثير من هؤلاء الشباب الصلاة بسبب القات، فتفوته صلاة الظهر وهو يبحث عن القات في سوق القات، ثم يضّيع العصر والمغرب مُخَزِّنَاً، وتأتي عليه صلاة العشاء ونفسيته قد تحطمت، وقواه قد انحطت من آثار التخزين، ثم ينام عن صلاة الفجر بسبب السهر والأرق الذي يسببه القات! وصدق الله -جل وعلا- إذ يقول: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:61].

وكم من الشباب ألهتهم مجالس القات عن كثير من الواجبات الأخرى كصلة الأرحام وزيارة الأقارب والجلوس مع الأبناء وغيرها من الأمور، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" صحيح ابن ماجة. ينهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن يضر الإنسان نفسه أو يضر غيره، فقال: "لَا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ".

يشكو أحد الأبناء من أبيه المبتلى بالقات فيقول: أبحث عنه فلا أجده, ولا أدري أين هو؟ لا يجالسنا ولا يشاطرنا أوقاتنا، ولا يستمع إلى همومنا، أكثر الأوقات يكون منعزلا عنا، بعيدا منا، لا نراه إلا في آخر الليل؛ لقد أشعرنا بالغربة والوحشة، فمَن لنا؟ ومَن لطلباتنا وهمومنا؟.

ويشكو آخَر فيقول: أجسامنا ضعيفة، بنيتنا هزيلة، هيئتنا مزرية، دخلنا يذهب منه الكثير والكثير في شراء القات وتوابعه، ووالدنا عكر القات مزاجه فأصبح لا يتحملنا، تثيره الكلمة، وتستفزه النصيحة.

وكم سمعنا -عباد الله- عن أناس باعوا أعز ما يملكون لأجل القات، وآخرون رهنوا بيوتهم ومتاعهم من أجل القات، وبعضهم تراكمت عليه الديون وكثر عليه المطالبون بسبب القات؛ بل وصل الحال -والعياذ بالله- إلى بيع الأعراض، والتنازل عن الشرف من أجل تغطية صرفيات التخزين! إنها قصص مأساوية محزنة سمعنا عنها وسمعتم عنها تحدث هنا وهناك، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

لقد انتشر الفساد المالي بسبب هذه المصيبة، يذهب الناس في معاملاتهم إلى بعض الموظفين فإذا به يطالبهم بمبالغ غير رسمية يأخذها سحتا وأكلا لأموال الناس بالباطل يسمونها [حق القات]! بل نرى منهم من يخرج من العمل مبكرا قبل انتهاء الدوام الرسمي ليذهب لشراء القات، ثم يأتي في الصباح متـأخرا بسبب السهر والنوم المتأخر!.

وهكذا ينفتح باب الفساد، وتدخل الرشوة على مصراعيها إلى المعاملات، وصار بعضهم يطالب الناس صراحة إن لم يدفعوا له الرشوة أو ما يسميه [حق القات] فإنه لن ينجز لهم المعاملة، ولن يسهّل لهم المهمة!.

وإن من المصائب العظمى، والمفاسد الكبرى، أن يُبتلَى بأكل هذه الشجرة الخبيثة بعض أصحاب الدخل المحدود، الذين إن لم يجدوا مالاً يشترون به قاتهم زيَّنَ لهم الشيطان فعل الجرائم العظيمة كالسرقة والنهب والاحتيال والغصب، وكم سمعنا عن جرائم وسرقات كان سببها هو البحث عن المال لشراء القات! يقول النبي -صلى اله عليه وسلم-: "إن الله كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وقال، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ" متفق عليه.

عباد الله: ربما يتعذر بعض الشباب الين ابتلوا بمضغ القات بأن فيه منافع وفوائد، والجواب هو أن الله -سبحانه وتعالى- ذكر عن الخمر أن فيها منافع وفوائد، ولكن لأن مضارها أكثر من منافعها حرمها ونهى عنها فقال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة:219].

أليس في القات أضرار صحية واضحة يتحدث عنها الأطباء ويتكلم فيها المختصون ويعرفها المدمنون؟ خاصة وأن كثيراً من مزارع القات اليوم ترش ببعض المبيدات الكيماوية السامة التي تسبب الأمراض! ومن الجدير بالذكر أنّ أصحاب مزارع القات لا يتناولون القات الذي يرش بهذه المبيدات؛ ولكنهم -للأسف!- لا يحبون لغيرهم ما يحبونه لأنفسهم، فيصدّرون جميع الأنواع التي ترش والتي لا ترش إلى جميع المحافظات.

ويتعذر آخرون بأنهم عند ما يخزّنون يشعرون بالقوة وزيادة النشاط وزوال التعب والإرهاق -وربما يكون هذا-؛ لكنهم بعدها يشعرون بالقلق النفسي والاضطراب العصبي والشرود الذهني، فهي سعادة وهمية، وراحة خيالية أثناء الإستخدام، يعقبها الكسل والاضطراب والاكتئاب بعد الاستخدام.

يقول أحد الدكاترة: لقد أصبح القات صنوا للمخدرات، وقد أدرجته منظمة الصحة العالمية، عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة، بعدما أثبتت أبحاث المنظمة التي استمرت لمدة ست سنوات أنه يحتوي على مواد مخدرة، ثم يذكر أن اليمنيين يصرفون على القات يوميا أكثر من ستة ملايين دولار، ويهدرون 15 مليون ساعة يوميا، وأنه يستهلك أكثر من ثلاثين بالمائة من المياه الزراعية، ويعطل ما يقارب النصف من الأراضي الصالحة للزراعة!.

وقد صدق من قال:
ما القاتُ إلا فكرةٌ مسمومةٌ *** ترمي النفوسَ بأبشعِ النَّكَبَاتِ
ينسابُ في الأحشاءِ داءً فاتكاً *** ويعرِّض الأعصابَ للصدمات
يَذَرُ العقول تتيه في أوهامِها *** ويُذيقها كأس الشقاء العاتي
ويُميتُ في روح الشبابِ طموحَهُ *** ويُذيبُ كُلَّ عزيمـةٍ وثبـات
يغتالُ عمر المرءِ معْ أموالِهِ *** ويُريه ألواناً مـن النَّقَمـات
هو للإرادةِ والفتـوَّةِ قاتـلٌ *** هو ماحِقٌ للأوجه النضرات
فإذا نظرتَ إلى وجوه هُواتِهِ *** أبصرتَ فيها صُفْرَةَ الأموات

فالواجب على المسلم أن يكون عاقلا، وأن يحافظ على نفسه، وألا يلقي بنفسه إلى التهلكة قبل أن يصاب بالأمراض فيندم حين لا ينفع الندم؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195]، ويقول -عز وجل-: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]..

 

 

الخطبة الثانية:

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الحلال بيَّنٌ، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمَن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه" رواه مسلم.

إن العديد من مدمني القات يشعرون بالندم ويحاولون الإقلاع؛ لكن الشيطان يزين لهم أنهم لن يستطيعوا، وهُم في الحقيقة يستطيعون لو توفر عندهم العزم القوي، والإرادة الأكيدة؛ فلو أن الواحد منهم أخلص النية، وجاهد نفسه وقهرها وأرغمها على تركه، لاستطاع -بإذن الله سبحانه وتعالى- أن يتركه، يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].

وليعلموا أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه، ومن حبس نفسه عن معصية الله وصانها عن الوقوع فيما حرم الله فقد فاز فوزا عظيما، يقول الله تعالى: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:90].

كما يجب عليه أن يبتعد عن مثل هذه المجالس، وأن يصرف نفسه عنها، وأن يشغل وقته بأمور أخرى كالصيد أو الرياضة أو القراءة أو زيارة الأرحام؛ فإن الصاحب ساحب، والمجالسة تولد المجانسة، يقول الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة" رواه أحمد وصححه الألباني.

وعلى من ابتلاه الله بهذا الداء أن يقنع ويقتنع بأنه ليس في القات حل للمشاكل، ولا تخفيف للآلام، ولا إزالة للهموم؛ بل هو مبعث الهموم، ومجلب الغموم، ومولد المشاكل، ومنتج الأمراض، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" حسنه الألباني.

وليعلم الجميع أن من صدق مع الله في التوبة من هذا البلاء سيصدقه ولن يخيب ظنه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن تصدق الله يصدقك" صحيح النسائي.

عباد الله: هذه كلمات يسيرات، والله ما قصدت بها الشماتة، ولا أردت بها الإثارة! ولكنها -وَرَبِّي يعلم- النصيحة، وحب الخير للغير، والخوف على سفينة المجتمع من الغرق؛ فإن أصبت فيها فمن الله، وإن أخطأت فيها فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان.

أسأل الله أن يحفظ شبابنا من كل سوء ومكروه .

 

 

 

 

 

المرفقات

وأخطاره

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات