الفساد وبدعة المولد

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-09-13 - 1446/03/10 2024-09-15 - 1446/03/12
عناصر الخطبة
1/خطورة الرشوة ومفاسدها 2/تحريم الرشوة 3/عواقب تفشي الفساد 4/تبديل الأسماء لا يغير الأحكام 5/حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.

اقتباس

الرشوة هي عنوان الفساد الإداري، وهي عنوان الفساد المالي في جميع الدول، وما فشت الرشوة في مجتمع إلا وفشا فيهم الظلم بأنواعه، وبالتالي يُمنعون القَطْر من السماء والبركة في الأرزاق، ولهذا استحق هذا الراشي والمرتشي واستحق الرائش -وهو السمسار الواسطة بينهما- لعنة الله..

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، أمر الناس بما أمره به ربه، ونهاهم عن ما نهانا عنه سبحانه به، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

 

عباد الله: جاء في أحاديث عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو وثوبان وعائشة وأم سلمة -رَضِيَ اللهُ عَنْهم- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "لعن الله الراشي والمرتشي"(رواه الخمسة). وجاء في روايةٍ من حديث ثوبان: "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش"(أبو داود 358).

 

نعم -يا عباد الله- الرشوة فسادٌ عظيم، وفسادٌ عريضٌ في الأموال، وظلمٌ في العباد، كما قال ابن مسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فيما رواه عنه الطبراني وغيره قال: "الرشوة كفرٌ في الحكم وسحتٌ بين الناس"(المعجم الكبير9100)؛ كفرٌ في الحكم أي لمن حكم بين الناس، فأخذ الرشوة فإنه كفر بذلك يعني به الكفر الأصغر، ما لم يستحل هذا، فينتقل إلى الكفر الأكبر، وهو سحتٌ بين الناس في أكل أموالهم بالباطل، فيتقدم من دفع أكثر ومن لم يدفع في الرشوة فإنه لا تحقق له مبتغياته.

 

الرشوة -يا عباد الله- هي عنوان الفساد الإداري، وهي عنوان الفساد المالي في جميع الدول، وما فشت الرشوة في مجتمع إلا وفشا فيهم الظلم بأنواعه، وبالتالي يُمنعون القَطْر من السماء والبركة في الأرزاق، ولهذا استحق هذا الراشي والمرتشي واستحق الرائش -وهو السمسار الواسطة بينهما- لعنة الله، واستحق لعنة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

واعلموا -عباد الله- أن هذه الرشوة قليلةً كانت أو كثيرة أن خطرها عظيم، وأن شأنها وقبحها كبير، وذلك باستحقاق صاحبها لعنة الله ولعنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في هذه الرشوة ثلاثة؛ لعن الراشي وهو دافعها، ولعن المرتشي وهو آخِذها، ولعن الرائش وهو السمسار والواسطة بينهما.

 

وهذا له نظير في كبائر الذنوب الأخرى، في الخمر التي لُعِنَ فيها عشرة، والربا الذي لُعن فيه خمسة، وإنه في آخر الزمان -يا عباد الله- من علامات الساعة الدالة على فساد الزمان بفساد أهله أنهم يسمون هذه الكبائر بغير اسمها؛ الرشوة تسمى أتعابًا وخدمات، وتسمى تعقيبًا ومقابل الشاي والعرق والفطور وما إلى ذلك.

 

كما سُمِّي الربا بالفوائد والمرابحات والاستثمارات، كما سُمِّي الخمر بأنواع المسميات، يسمى في الدارج الشعبي عند الناس عرقًا، ويسمى عند من تعلق بخمر الكفار ويسكي أو يسمى المشروبات الروحية، أو غيرها من التسميات، وقد جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذكر علامةٍ من علامات الساعة الصغرى حيث قال: "لا تقوم الساعة حتى يؤكل الربا يسمى بغير اسمه، ولا تقوم الساعة حتى تُشرب الخمرُ فتسمى بغير اسمها"(رواه أبو داود 3688، والنسائي 5658). وكذا في نظائرها من هذه الكبائر سواءٌ كانت رشوةً أو رسمًا أو تمثيلاً أو كذبًا، يسمونه بغير اسمه، فنًّا ونحو ذلك، فلا حول ولا قوة إلا الله.

 

واعلموا -عباد الله- أن الرشوة في أكلها هو أكلٌ للمال بالباطل الذي نهى الله -عَزَّ وَجَلَّ- عنه، ولم يبح من ذلك إلا أن تؤكل الأموال تجارةً بين الناس.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، والحمد لله، (الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، خير من صلى وصام وعبد الله -جَلَّ وَعَلا-، وللسنة أقام، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من الرسل الكرام، وسار على نهجهم واستقام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: يا عباد الله: فإنه في هذه الليالي يُشاع عبر وسائل الإعلام وفي الدول المجاورة والبعيدة، يُشاع عندهم الاحتفال بميلاد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وتطاول الناس بهذا الأمر حتى جعلوا الاحتفال بيوم ميلاده أو بليلة ميلاده عنوان حبّه وعنوان اتباعه وعنوان الإيمان به -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-.

 

ويا للعجب، ويا للعجب، أن أصبحنا في زمان أصبحت فيه المحدثات سننًا، وأصبحت فيه البدع إيمانًا، وغابت بذلك السننُ وشعائرُ الإيمان.

 

عاش نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثًا وستين سنة لم يحتفل فيها بيوم ميلاده، لا في مدة بقائه الطويل الكثير في مكة، ولا بعد مهاجره إلى المدينة في العشر سنوات في آخر عمره، جاء بعده الخلفاء الراشدون فاستمروا في ثلاثين سنة في أربعة خلفاء؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهم وأرْضَاهُم-، فلم يحتفلوا لا بيوم ميلاده، ولا بليلة ميلاده -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-.

 

ومضت على ذلك المائة الأولى في عهود الصحابة، ثم في المائة الثانية في عهود التابعين وتابعيهم، ثم في المائة الثالثة ولم تظهر هذه المحدثة في تاريخ المسلمين ولا في عمل هؤلاء القرون الثلاثة الذين مدحهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديثي عبد الله بن مسعود وعمران -رَضِيَ اللهُ عَنْهم-: "خيرُ الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"( أخرجه البخاري 2652، ومسلم 2533). وفي الرواية الأخرى في الصحيحين: "خيرُ الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. (أخرجه مسلم 2533).

 

حتى إذا جاءت المائة الرابعة وحدث من العبيديين الفاطميين، المنسوبين زورًا إلى فاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورَضِيَ اللهُ عَنْها-، وهي منهم براء، وهم العبيديون الباطنيون الرافضة أحدثوا في بلاد المسلمين هذه البدعة النكراء؛ مشابهةً ومشاكلةً للنصارى في احتفالهم بيوم ميلاد عيسى ابن مريم -عَلَيْهما الصَّلاة والسَّلام-، فقلدهم من قلدهم من ضعاف المسلمين، وأشاعوها بقوة سلطانهم وهو الحاكم بأمر نفسه.

 

حتى مضى على ذلك أجيال، فهرم على ذلك الكبار ونشأ على ذلك الصغار، ومضى عليها نحو ألف سنة، حتى صارت عند الناس وعند عوامهم للأسف الشديد من جهلهم بدين الله، وجهلهم بسنة رسول الله؛ صار الاحتفال بيوم ميلاده أو بليلته، أو بليلة الإسراء والمعراج أنها من أهم شعائر الدين ومظاهره، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

وقد حذرنا من هذا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حذَّرنا هذا وأمثاله، فقال كما جاء في السنن من حديث العرباض عن سارية -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ ففي النار"، وفي الصحيحين من حديث عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قالت: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(أخرجه البخاري 2697، ومسلم 1718).

 

ويا للعجب!! أصبحت السنن مخفيةً غير معمولٍ بها إلا ما رحم الله، وأصبح إظهار البدع ونشرها وإذاعتها، والولاء والبراء عليها هو الدين الذي يُنافَح عنه، ويُسبُّ من لم يفعله، كما قال -جَلَّ وَعَلا- في أهل الهوى وفي عُبَّاد الهوى في سورة فاطر: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[فاطر: 8].

 

ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

اللهم عزًّا تعز به الإسلام والسنة، وذلًّا تذل به الكفر والبدعة، اللهم آمِنا والمسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من ضارنا أو ضار المسلمين فضره، ومن كاد لنا فكد له، ومن مكر بنا وبعبادك المؤمنين المستضعفين فامكر به، يا خير الماكرين.

 

اللهم إنا نستغفرك إنك كنتَ غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنتَ غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللًا، اللهم عمَّ بالأمطار والخيرات والأمن أوطاننا وأوطان المسلمين، اللهم أغثنا بالأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك واتباع نبيك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

الفساد وبدعة المولد.doc

الفساد وبدعة المولد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات