الفرح بالشتاء بين السلف والخلف

الشيخ وليد بن محمد العباد

2021-12-31 - 1443/05/27 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الفرق بين فرح السلف والخلف بقدوم فصل الشتاء 2/فرح السلف بقدوم فصل الشتاء لاستغلالِه في طاعة الله

اقتباس

ها نحنُ في مطلعِ فصلِ الشّتاء الذي يَفرحُ النّاسُ بِقدومِه، لتَتبُّعِ الأمطارِ والخروجِ للبَرِّيَّة، والتّمتُّعِ بأطعمتِه الشِّتويّة، ومنهم مَنْ يّفرحُ بالشّتاءِ لإشعالِ النّار، والسَّمَرِ حولَها إلى الأَسحار. وأمّا السّلفُ -رحمهم الله- فكانوا يفرحونَ بقدومِ الشّتاءِ لاستغلالِه فيما...

الخطبة الأولى:

 

إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أمّا بعدُ: عبادَ الله: إنّ تعاقبَ الليالي والأيّام، وتتابعَ الفصولِ والأعوام آيةٌ من آياتِ اللهِ الباهرات التي تَحملُ في طيّاتِها العِبَرَ والعِظَات، وها نحنُ في مطلعِ فصلِ الشّتاء الذي يَفرحُ النّاسُ بِقدومِه، لتَتبُّعِ الأمطارِ والخروجِ للبَرِّيَّة، والتّمتُّعِ بأطعمتِه الشِّتويّة، ومنهم مَنْ يّفرحُ بالشّتاءِ لإشعالِ النّار، والسَّمَرِ حولَها إلى الأَسحار.

 

وأمّا السّلفُ -رحمهم الله- فكانوا يفرحونَ بقدومِ الشّتاءِ لاستغلالِه فيما يقرّبُهم إلى اللهِ -عزّ وجل-، كانَ ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه- إذا دخلَ الشّتاءُ يقول: "مرحبًا بالشّتاء تَتَنزّلُ فيه البركة، ويطولُ فيه الليلُ للقيام، ويَقصُرُ فيه النّهارُ للصّيام"، وقالَ عمرُ بنُ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنه-: "الشّتاءُ غنيمةُ العابدين"، وقالَ الحسنُ -رحمه الله-: "نِعْمَ زمانُ المؤمنِ الشّتاءُ، ليلُه طويلٌ يقومُه، ونهارُه قصيرٌ يصومُه".

 

فالشّتاءُ عندَهم ربيعُ المؤمن، يَرتعُ فيه في بساتينِ الطّاعاتِ والعبادات، فيجدونَ فيه لذّةً جعلتْهم يتحسّرونَ على فراقِه، بكى معاذُ بنُ جبلٍ -رضيَ اللهُ عنه- عندَ وفاتِهِ، وقال: "إنّما أبكي على ظمأِ الهواجرِ، وقيامِ ليلِ الشّتاء، ومُزاحمةِ العلماءِ بالرُّكبِ عندَ حِلَقِ الذِّكْر".

 

فعلى المسلمِ أنْ لا يَدفعَه التّمتّعُ بما أحلَّ الله إلى نسيانِ حظِّهِ من الآخرة، بل يجتهدُ لاستغلالِ الشّتاءِ في تزكيةِ نفسِهِ وزيادةِ إيمانِهِ وحسناتِه، فيُكثرُ فيه من الصّيامِ والقيامِ والصّدقاتِ وصِلةِ الأرحامِ، وإذا وَجدَ شِدّةَ البَرْدِ تَعوّذَ من زمهريرِ جهنّم، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: "وأشدُّ ما تجدونَ من البردِ من زمهريرِ جهنّم".

 

نسألُ اللهَ أنْ يُجيرَنا منها ووالدِينا والمسلمين، وأنْ يرزقَنا الجنّة (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا)[الإنسان: 13].

 

فاتقوا اللهَ -رحمكم الله-، وجاهدوا أنفسَكم في أيّامِ وليالي الشّتاءِ الباردةِ، على المسارعةِ إلى الصّلواتِ والجُمعِ والجماعات، وإسباغِ الوضوءِ على المَكارهِ والصّبرِ على الطّاعات، ومُساعدةِ الضُّعفاءِ فإنّها من أعظمِ القُرُباتِ.

 

اللهمّ أيقظْ قلوبَنا من الغفلات، ووفّقْنا لتداركِ الأوقاتِ بالأعمالِ الصّالحات.

 

اللهمّ الطُفْ بإخوانِنا الفقراء، الذينَ لا يجدونَ ما يقيهم من بردِ الشّتاء، اللهمّ ارحمْ ضعفَهم، وأطعمْ جائعَهم، واكسُ عاريَهم، وأنزلْ الدفءَ والسّكينةَ عليهم، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.

 

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين.

 

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين.

 

أمّا بعد: عبادَ الله: اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم، فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها، وتمنّى على اللهِ الأمانيّ.

 

إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

 

اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين.

 

اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين.

 

اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء.

 

اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلاء والوَباء والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن.

 

اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ، ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ، واقضِ الدّينَ عن المدينينَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.

 

اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين

 

دعاءُ الاستسقاء: اللهمّ أَغِثْنا...

 

عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: "من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا".

 

اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين.

 

وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

المرفقات

الفرح بالشتاء بين السلف والخلف.doc

الفرح بالشتاء بين السلف والخلف.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات