عناصر الخطبة
1/ الفرار إلى المصايف من المظاهر التي تستحق الدراسة 2/ وقفات مع قضاء الشباب أوقات فراغهم 3/ اليهود يسخرون من نبي الإسلاماقتباس
وحيث قد أعد كثيرٌ من الناس البرامج لشغل إجازاتهم، وقضاء وقت فراغهم، وكثيرٌ منهم قد حزم حقائب السفر وتوجه إلى المطارات عبر الأجواء وعن طريق البر وغيره، وأعد هؤلاء أمتعة الترحال إلى هنا وهناك، تعالوا لنضع هذه القضايا على الميزان الشرعي، ونعرضها على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، مع التركيز على واقع بعض الناس في ذلك، وبيان الآثار السلبية عند غياب الضوابط الشرعية في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله فاطر الفِطَرَ، وخالق البشر، ومُبدع الأشباح والصور، أحمده تعالى حمدًا كثيرًا كما أمر، حمدًا يتجدد في الآصال والبكر، وأشكره سبحانه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، سبحانه هو العالم بكل ما خفي وما ظهر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ملجأ من دونه ولا وزر، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والمتوج بالمقام الأسمى الأكبر، والمجد الأعلى الأطهر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما كبَّر الله مكبرٌ وذكر، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فلنتق الله -عباد الله- في كل ما نأتي وما نذر، ولنستجب له -سبحانه- في كل ما نهى وأمر.
أمة الإسلام: يظل المسلم الحق ثابتًا على مبادئه، وفيًا لدينه وعقيدته، معتزًّا بأصالته وشخصيته، مستمسكًا بإسلامه، مقيمًا لشعائره فخورًا بشرائعه، داعيًا إلى سبيله، لا يحده عن القيام برسالته زمان دون زمان، ولا يحول بينه وبين تحقيق عبوديته لربه مكان دون آخر، فمُحيَّاه كله لله، وأعماله كلها لمولاه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162-163]، فحيثما كان وحلَّ، وأينما وجد وارتحل، فإنه يضع التقوى شعاره، وطاعة الله دثاره، في سره وعلانيته، وعسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وحضره وسفره، وفراغه وشغله، في الشدة والرخاء، وفي حال البأساء والضراء، والأفراح والأتراح، هذا هو منهج المسلم الصادق في إسلامه، والجاد في انتمائه.
إخوة الإسلام: من أسوأ ما أصيبت به هذه الأمة في هذا العصر انتشار الانتماء السلبي، وغلبة الفكر الهامشي، الذي طغى في كثيرٍ من الجوانب؛ ما أفرز أجيالاً تسيء فهم الإسلام على حقيقته، وتجعل لِلَوْثات الفكر المنحرف رواجًا في تقويم شخصيتها بانهزامية ظاهرة، وتبعيةٍ لبهرج التغريب والتفرنج المنتشرة في بعض صفوف المسلمين مع شديد الأسف، فأين الاعتزاز بالإسلام يا أبناء الإسلام؟! (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].
إخوة الإيمان: حينما تستمسك الأمة بالعروة الوثقى تصلح أمورها في الدنيا وتسعد في الأخرى، وتتلاشى عن مجتمعاتها الظواهر المخالفة لدينها، وإن هي فرَّطت في إسلامها، وأرخت الزِمام لأبنائها، يخبطون خبط عشواء في كل فكرٍ دخيل، ومنهج هزيل، وانفتاح على العالم دون ضوابط، تفشت بينها الظواهر المخالفة لدينها التي تترك آثارًا سلبيةً على أفرادها ومجتمعها، وتحتاج إلى التصدي والعلاج من قبل الغيورين عليها، والمهتمين بشؤونها وأوضاعها.
أيها الأحبة في الله: من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تستحق العرض والمساءلة، والبحث والمناقشة، بكل هدوء وموضوعية، وعلى مستوى التأصيل والمنهجية ما يحصل في هذه الأيام من كل عام حين تشتد حرارة الصيف ويلقي بسَمُومه اللافح على بعض أقطار المعمورة، ما يحمل بعض الناس على الهروب إلى المصايف والمنتزهات، والفرار إلى الشواطئ والمنتجعات، والعزم على السفر والسياحة وإيثار الرحلات، يرافق ذلك فراغ من الشواغل، وتمتع بإجازة صيفية يقضيها الأبناء بعد عناء عام دراسي كامل.
وحيث قد أعد كثيرٌ من الناس البرامج لشغل إجازاتهم، وقضاء وقت فراغهم، وكثيرٌ منهم قد حزم حقائب السفر وتوجه إلى المطارات عبر الأجواء وعن طريق البر وغيره، وأعد هؤلاء أمتعة الترحال إلى هنا وهناك، تعالوا لنضع هذه القضايا على الميزان الشرعي، ونعرضها على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، مع التركيز على واقع بعض الناس في ذلك، وبيان الآثار السلبية عند غياب الضوابط الشرعية في هذه القضايا الواقعية، وذلك عن طريق هذه الوقفات السريعة:
الوقفة الأولى: مهمة الإنسان في هذه الحياة، فهي عبوديته لله، واستغلاله كلما أفاء الله عليه للقيام بها وعدم الغفلة عنها طرفة عين: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
الوقفة الثانية: الوقت هو الحياة:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
فالواجب استغلاله في مرضاة الله، وشغله بطاعته سبحانه، فإن الإنسان مسؤول عن وقته فيم أمضاه، وعن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، فهل يستوي من يشغله بالطاعة بمن يدنسه بالمعصية؟! لا، وكلا: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) [القلم:35]، (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص:28].
الوقفة الثالثة: الفراغ نعمة من نعم الله، يجب شغله بكل وسيلة شرعية؛ من تعلم العلم، والقيام بالعبادة بمفهومها الواسع، أو على الأقل بالأمور المباحة شرعًا دون ما هو محرم، ففي الحلال غنية عن الحرام، وفي الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نعمتان مغبون فيها كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "اغتنم خمسًا قبل خمس -وذكر منها-: وفراغك قبل شغلك".
وكم كان الفراغ سببًا في الانحراف والفساد عند عدم استغلاله؟! فهو نعمة لكن إذا استغل في معصية الله كان بلاءً ونقمة.
لقد أهاج الفراغ عليه شغلاً *** وأسباب البلاء من الفراغ
--
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
الوقفة الرابعة: أن الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروحوا عن أنفسهم أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يقوموا بالوسائل المباحة في ذلك شرعًا، فالترفيه البريء، والترويح المباح لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوبًا -أحيانًا- لأغراض شرعية، لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباحٌ شرعًا، أما أن يستغل ذلك فيما يُضعف الإيمان، ويهز العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويُوقع في الرذيلة، ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل، فلا وألف لا!
الوقفة الخامسة: أن السفر في الإسلام لا بأس به.
سـافر تجد عوضًا عمـن تفارقه *** وانصب فإن نذير العيش في النصب
إني رأيـت وقـوف الماء يفسده *** إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب
والشمس لو بقيت في الأفق واقفة *** لملهـا الناس من عجمٍ ومن عرب
لكن السفر في الإسلام له حدود مرعية، وضوابط شرعية:
منها: أن يكون السفر إلى بلاد الإسلام المحافظة على شعائر دينها، أما أن يكون إلى بقاع موبوءة، ومستنقعات محمومة، وبقاع مشبوهة، فلا، ما لم يكن ثَمَّ ضرورة إلى ذلك، ولم يستثنِ أهل العلم من ذلك: إلا من خرج لعلم لا يوجد في بلاد الإسلام، أو لضرورة كعلاج أو نحوه، أو إلى الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- مع القدرة على المحافظة على شعائر الإسلام، وهل يلقى الحمل الوديع في غابات الوحوش الكاسرة والسباع الضارية؟!
الوقفة السادسة: أنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أعداء الإسلام والمسلمين يستهدفون أبناء المسلمين من السائحين للوقيعة بهم، فهم يصهرونهم عن طريق الغزو الفكري والأخلاقي ببلادهم، ويستغلون كثيرًا من السائحين اقتصاديًا وخلقيًّا، ويجرونهم رويدًا إلى حيث الخنا والفجور، والمخدرات والخمور، فيرجع بعضهم متنكرًا لدينه ومجتمعه وبلاده وأمته.
أين العقول والتفكير عن إحصاءات مرض الهربس والإيدز؟! وعن عصابات مروج المسكرات والمخدرات؟!
ونحن نقول للمسافرين: قبل أن ترفعوا أقدامكم فكروا أين تضعونها؟!
نعم، سافروا للخير والفضيلة والدعوة والإصلاح فلا حجر عليكم، كونوا ممثلين لبلادكم الإسلامية، مظهرين لدينكم، داعين إلى مبادئكم السمحة، حيث يتخبط العالم بحثًا عن دين يدخل له الحرية والسلام، ولن يجده إلا في ظل الإسلام.
فكونوا -أيها المسافرون- سفراء لدينكم وبلادكم، مثلوا الإسلام أحسن تمثيل، حذارِ أن يفهم العالم عن المسلمين وشبابهم أنهم أرباب شهوات فانية، ومغريات عاجلة، بل أفهموه بسلوككم أنكم أصحاب شخصية فذّة، وشريعة خالدة، ودين يرعى العقيدة والقيم، وشؤون الحياة، ويدير الحياة عن طريق الحق والعدل، ويبحث عما يدخل للعالم الرقي والحضارة، وإن ما تعمد إليه بعض الشركات السياحية من الدعوة إلى السفر إلى بلاد موبوءة، وإظهارها بدعايات مزركشة وإعلانات مزخرفة، ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب مما ينبغي أن يتفطن له المسلمون.
الوقفة السابعة: الشباب من الأبناء والبنات هم ثمرات الفؤاد، وفلذات الأكباد، فلا بد من تربيتهم تربية حقة، لابد من شغل أوقاتهم بطريقة متوازنة، فهذه الأشهر التي يمرون بها في خلوٍّ من المشاغل الدراسية النظامية لابد أن يستغلها أولياء أمورهم ببرامج حافلة تكسبهم المهارات، وتنمي فيهم القدرات، وتقوي إيمانهم، وتثقل فكرهم، وتثري ثقافاتهم، والبرامج الشرعية المباحة كثيرة بحمد الله؛ حفظ كتاب الله -عز وجل-، واستظهار شيء من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتعلم العلم، وكثرة القراءة في كتب أعلام الإسلام الموثوقين قديمًا وحديثًا، والاطلاع على السير والتواريخ والآداب ونحوها، وإدخال السرور عليهم بالذهاب بهم إلى بيت الله الحرام في عمرة، أو إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زيارة، أو إلى أحد مصايف هذه البلاد في سياحة بريئة في محافظة على دينهم وأخلاقهم، ومن ذلك تعلم الحرف والمهن المفيدة لهم، والتحاقهم بالدورات العلمية، والتدريبية والمهنية ونحوها التي يقوم عليها الأكفاء.
ومما يسر المسلم أن تشغل الإجازة بالزواجات للبنين والبنات وتلك قضية مهمة، لكننا نوصي المسلمين في التزام منهج الإسلام في ذلك وعدم الخروج على تعاليمه؛ بالإسراف والبذخ والمغالاة والتكاليف الباهظة، والحذر من منكرات الزواج التي تحصل عند بعض قليلي الديانة هداهم الله.
عباد الله: ومن الوقفات المهمة في هذه القضايا أن يعلم العبد أنه مراقبٌ من قبل الله -عز وجل- في كل ما يأتي وما يذر: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]
وإذا خلـوت بريبـة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
ومنها -عباد الله- أن الحر في هذه الدنيا يجب أن يُذكَّر بالآخرة، فشدة الحر من فيح جهنم والعياذ بالله، فهل تذكرنا ونحن مشغولون في هذه الدنيا عن هذه النار فعملنا على الأخذ بأسباب الوقاية منها.
الخطبة الثانية:
أمة الإسلام: إن المسلم المرتبط بإسلامه وبإيمانه وأخوة الإسلام أن يكون شعوره مع شعور إخوانه في العقيدة، يتذكر أحوالهم ومآسيهم، لا سيما الذين يعيشون حياة القتل والتشريد والاضطهاد، فهل من الإحساس بشعورهم إهمال قضاياهم؟!
أين الأحاسيس المرهفة، والمشاعر الفياضة؟!
فأناس يفكرون في أحوال إخوانهم المسلمين، يُفكرون في مقدسات المسلمين وما يمر به المسجد الأقصى المبارك، وما تضج به فلسطين المسلمة المجاهدة لا سيما في هذه الأيام، وآخرون يفكرون في قضاء إجازاتهم في منتجعات ما، فالله المستعان.
ولقد هز مسامع الغيورين، وأجف مآقي المسلمين، ما أقدم عليه اليهود الخبثاء من استفزاز صارح وتحدٍّ سافر لمشاعر المسلمين، وذلك عن طريق ما قاموا به أخيرًا وليس آخرًا، من عمل منشوراتٍ مغرضة، ورسومٍ ساخرة، تنال من الإسلام؛ بل من نبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام-، بل وعلى دستور المسلمين، فأين المسلمون؟!
أين القادة والزعماء من اتخاذ المواقف الجريئة ضد هذه الجريمة، ضد من لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت!! لقد تمادى القوم ولا بد من وقفة عمرية، وغضبة مضرية، ووقفة صلاحية، ونخوة معتصمية، هذا هو الأمل وعلينا الصدق والعمل، والله المستعان! (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21]، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].
هذا؛ وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، كما أمركم بذلك -جل في علاه-، فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وصفوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم