الغيرة على المحارم

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/ من نماذج الغيرة 2/ إهمال شأن المرأة في هذا الزمان 3/ مظاهر تغريب المرأة المسلمة 4/ عظم الأمانة والمسؤولية 5/ منزلة العفة والفضيلة

اقتباس

من المسؤول عن تغير بناتنا وفتياتنا؟! ومن المسؤول عن تقليد الكافرات؟! ومن المسؤول عن استهانتهن بدينهن وحجابهن؟! ولماذا ظهرت هذه الأخلاق والعادات المستوردة التي ترفضونها أنتم؟! ولكن بعضكم غفل وتهاون، وغدا فاقدًا للصلاحية في بيته وأسرته، منزوع الطاعة عن زوجته وابنته وأخته. هل ولَّت الغيرة الشرعية وانسلخت المروءة وشاع التقليد والاستسلام؟! أين...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

أيها الناس: ادّعى رجل على زوج ابنته عند القاضي أنه لم يسدد باقي المهر، فأُحضر الزوج فنفى ذلك، فأمر القاضي بإحضار الشهود وطلب من الزوج إحضار المرأة، فقال الزوج غيرةً: لا تحضر الزوجة، ولما حدثت المرأة بصنيع زوجها وغيرته عليها قالت: أنا أسقطت عنه حقي، فقال القاضي: اكتبوا ذلك في مكارم الأخلاق.

ما أجمل -يا مسلمون- أن يتحلى أهل الإسلام بخلق الغيرة الذي يكسب الرجولة ويربي على الفضيلة ويرعى الحرمات وينكر القبائح ويستقبح المناكر، لقد حفظ هذا الرجل الصالح حجاب امرأته من أن يراها الشهود، وحفظ حسنها من أن يلطخ بالأعين. يحب نساءه فيغار عليهن ويمنع حياءهن ويصون أخلاقهن.

وفى زماننا المعاصر يخالف رجالٌ ذلك فيضيّعون أمانة المرأة، ويستهينون برعايتها، ويهملون فضيلتها وتوجيهها، فهل يُضم لبستان الغيرة ذاك الذي ترك المرأة تجوب الأسواق ليلاً ونهارًا؟! وهل من الغيرة من قرَّب الدش للفتيات الغافلات؟! وهل منهم مالئ المنازل بالمجلات الخليعة وعروض الأزياء الفاتنة؟! وهل منهم تارك النساء يتخلقن بأخلاق المومسات والبغايا الفاجرات؟!

لقد عظمت الرزية واشتدت الحسرة عندما انعزل بعض الرجال عن مكارم الأخلاق، وخرجوا من ستار الغيرة، وتعلقوا بذيول المستغربين والعلمانيين بدعوى التحرر والانفتاح ومواكبة الحياة المدنية، فصاروا من مروجي التبرج والسفور عندما ملؤوا بيوتهم بالفضائيات الفتاكة، تبث الرذيلة، وتنشر الفساد، وتهدم الأخلاق، وتضعف جانب الدين والغيرة والمروءة، فتشاهد المرأة المسكينة أفلامًا تعلّم البغاء وتشِعّ السفور وتحسّن التبرج وتدعو لترقي المرأة في مدارج الجمال والحسن واللياقة على حساب دينها وخلقها وحجابها، (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].

أيها الإخوة الكرام: ليست البليّة والحسرة من مستغربين رضعوا ثقافة الغرب الكافر أو منهزمي الثقافة لا علم ولا فكر ولا أدب، فهؤلاء ما ينطق منهم ناطق أو يكتب منهم كاتب إلا ويعبرِّ عن دناءة معدنة وتفاهة فكره وغياب أخلاقه عند جمهور المسلمين، لكن البلية والحسرة أن يتساهل أهل الإيمان وحملة القرآن في رعاية المرأة، وهم غالبًا بين طرفين: طرف مسؤول أهمل المرأة وضيع حقها وأهمل نصحها وتربيتها ليبوء بمغبة تضييع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وطرف آخر غير مسؤول اهتم بالمرأة بطريقة عكسية، أدناها من أبواب الفساد وطرق الانحراف، ويقول: نحن خير من الكافرين. وهذا الصنف هو الأشد والأنكى، خرب المنزل بدشّ فتاك، وصدّعه بأغنية ماجنة وصورة فاتنة.

ثم من هو المسؤول عن لبس ابنته العاري وتغنجها بالصبغات وتقليد المومسات باللبس الشفاف والتفليج والنمص وترداد الكلمات وتطلّب العشاق وقراءة الفكر المنحط الوضيع!! (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور: 19].

معاشر أهل الإسلام: لم يعد سرًّا تحدّث الناس عن فتيات وبنات لوّثوا المدارس وقصور الأفراح والتجمعات النسوية بملابس خليعة وعادات ذميمة وأخلاق وضيعة لا تمت لأهل هذه البلاد بصلة، وهم من عرفوا بصدق التديّن وحبّ الغيرة والتحلّي بالحشمة والعفاف. لقد آلمنا كثيرًا أن نُحدَّث عن فتيات مسلمات يقلدن الكافرات والمومسات والضائعات، يجعلن الزواني وعارضات الأزياء مراجع ومصادر في اللباس والزينة، فلا المرأة تعتصم بحجابها، ولا تعتز بدينها، ولا تحرص على عفتها وأخلاقها.

إنكم -يا معاشرَ الرجال- لا يخفى عليكم ما تقدمه أبواب الفساد وعلى رأسها الفضائيات من تدمير للمرأة المسلمة وتنافس شديد في تحريضها على نزع الحجاب والبحث عن الحرية والراحة والسعادة. والحرية عندهم التحرر من الحجاب الشرعي، والراحة هي التفلت من الدين، والسعادة معاشرة الرجال بلا أدب ولا حياء.

أيها الرجال: من المسؤول عن تغير بناتنا وفتياتنا؟! ومن المسؤول عن تقليد الكافرات؟! ومن المسؤول عن استهانتهن بدينهن وحجابهن؟! ولماذا ظهرت هذه الأخلاق والعادات المستوردة التي ترفضونها أنتم؟! ولكن بعضكم غفل وتهاون، وغدا فاقدًا للصلاحية في بيته وأسرته، منزوع الطاعة عن زوجته وابنته وأخته. هل ولَّت الغيرة الشرعية وانسلخت المروءة وشاع التقليد والاستسلام؟! أين نحن من غيره سعد بن عبادة -رضي الله عنه- الذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم-: "أتعجبون من غيرة سعد؟! والله إني أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن". أخرجاه في الصحيحين.

وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن لله يغار، والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه".

أيها الإخوة: نحن المسؤولون عندما سمحنا بالتيارات الفاسدة بالدخول إلينا، وعندما سمح آباء وأولياء بإدخال طرق الإفساد في منازلهم، هل تتصورون أن تلكم الفضائيات تربي جيلاً وتحفظ خلقًا وتحفظ دينًا وتحمى عرضًا وحجابًا؟! كلا، لا تخادعوا يا طلاب الرياضة وعشاق الأخبار ومتابعي التحليلات، لقد صنعت بيوتكم تلك الفضائيات، وربت لكم بناتكم، فلا نستغرب حينئذ طَيْشَ الأبناء وتفلت البنات والركض وراء لبس عار أو قصة جديدة أو تضايق من الدين والأخلاق.

ما حفِظ الغيرةَ مَنْ قرّب أسباب الانحراف للفتيات الضعيفات، وما صان الأمانة من كان سببًا وراء التبرج والسفور، وإنه لجدير أن يبوء بمغبة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "ما من راعٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"، وأي غش أعظم من تدمير البيت المسلم بمثل هذه الفضائيات وترك الفتاة تتقلب عليها ليلاً ونهارًا دون إصلاح أو مراقبة أو محاسبة؟!

قال تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معاشر المسلمين: هل تحبون بستانًا ذا جنان زاهرة وظلال وارفة وثمار يانعة، محفوفًا بالخيرات والباقيات الراسيات، لا يشوبه تلف ولا بطالة، معدن العزة والشرف ومنبع الخير والنعمة، أهله أبرار، وحُرَّاسُه أطهار، ولا يأباه إلا الأشرار الفجار؟! إنه بستان الفضيلة الذي هو ضمان المجتمع، ومحمود حفظه، وركن رعايته وصيانته.

إن المجتمع لا ينعم ولا يسعد إلا بسياج الفضيلة التي تجعل الناس في جو من الأمن والراحة والغيرة والحشمة. إن المجتمع الفاضل لا يصير فاضلاً بلا أدب ولا حشمة، ولا ينعم بالسكون دون فضيلة وعفة، ولا يعرف السعادة والاستقرار دون آداب وقيم.

انظروا للمجتمعات الأخرى لمّا انعدمت منها الغيرة وتلاشت الفضيلة كيف عمتهم الفواحش والأدران والأسقام، وصاروا في صورة أحط من البهائم، والله المستعان.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد...
 

 

 

 

المرفقات

على المحارم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات