الغيرة

تركي بن عبدالله الميمان

2022-12-02 - 1444/05/08 2022-12-01 - 1444/05/07
عناصر الخطبة
1/مكانة الغيرة 2/حاجتنا للأمطار 3/من آثار الغيرة 4/أنواع الغيرة 5/الغيرة لها حد

اقتباس

وَعَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ بِالْلهِ، وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ؛ تَكُونُ الْغَيْرَةُ عَلَى مَحَارِمِه، وَمَنْ يَرَى مَحَارِمَ اللهِ تُنْتَهَكُ، وَهُوَ بَارِدُ القَلْبِ؛ فَلْيُرَاجِعْ قَلْبَه، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُنْكِرَ بِيَدِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ؛ فَلْيُنْكِرْ بِقَلْبِهِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَبِالتَّقْوَى: تُدْفَعُ النَكَبَات، وتُجْلَبُ البَرَكات! (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا)[الطلاق:2].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَ أَصْلُ المَكَارِم، وَسِيَاجُ المَحَارِم، إِنَّهَا الغَيْرَة.

 

وَالْغَيْرَةُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ -جل جلاله-؛ فَالَّذِي يَغَارُ للهِ قَدْ وَافَقَ رَبَّهُ في أَحَدِ صِفَاتِه؛ فَفِي الحَدِيث: "إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ: أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ"(رواه البخاري ومسلم) و "لَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ؛ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"(رواه البخاري ومسلم).

 

وَأَشْرَفُ النَّاسِ وأَعْلَاهُمْ هِمَّةً وَأَقْوَاهُمْ دِيْنًا أَعْظَمُهُمْ غَيْرَةً؛ وَلِهَذَا كانَ النَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، أَشَدَّ الْآدَمِيِّينَ غَيْرَةً "فَإِنَّهُ كانَ لا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللهِ؛ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيء". قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي"(رواه البخاري ومسلم).

 

وَحَرَارَةُ الغَيْرَةِ تُطَهِّرُ البَدَن، وَتُصَفِّي القَلْبَ، وَتُخْرِجُ خَبَثَه، قالَ ابْنُ القَيِّم: "وَمِنْ عُقُوْبَاتِ الذُّنُوْب أَنَّهَا تُطْفِئُ نَارَ الغَيْرَةِ مِنَ القَلْبِ حَتَّى لَا يَسْتَقْبِحَ الْقَبِيحَ وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ لَا دِيْنَ لَهُ؛ فَالْغَيْرَةُ تَحْمِي الْقَلْبَ؛ فَتَحْمِي لَهُ الْجَوَارِحَ؛ فَتَدْفَعُ السُّوءَ وَالْفَوَاحِشَ. وَعَدَمُ الْغَيْرَةِ تُمِيتُ الْقَلْبَ؛ فَتَمُوتُ الْجَوَارِحُ. وَمَثَلُ الْغَيْرَةِ فِي الْقَلْبِ مَثَلُ الْقُوَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ الْمَرَضَ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْقُوَّةُ: وَجَدَ الدَّاءُ الْمَحِلَّ قَابِلًا، وَلَمْ يَجِدْ دَافِعًا؛ فَكَانَ الْهَلَاكُ".

 

وَعَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ بِالْلهِ، وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ؛ تَكُونُ الْغَيْرَةُ عَلَى مَحَارِمِه، وَمَنْ يَرَى مَحَارِمَ اللهِ تُنْتَهَكُ، وَهُوَ بَارِدُ القَلْبِ؛ فَلْيُرَاجِعْ قَلْبَه، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُنْكِرَ بِيَدِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ؛ فَلْيُنْكِرْ بِقَلْبِهِ! "وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"(رواه مسلم). وكان بَعْضُ السَّلَف إِذَا رَأَى المُنْكَرَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ تَغْيِيْرَهُ؛ تَقَطَّعَ قَلْبُهُ غَيْرَةً للهِ، يَقُوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِي: "إِنِّيْ لأَرَى الشَّيْءَ يَجبُ عَلَيَّ أَنْ أَتكلَّمَ فِيْهِ، فَلاَ أَفْعَلُ؛ فَأَبُولُ دَمًا".

 

وَمِنَ الغَيْرَةِ المَحْمُوْدَةِ صَوْنُ المَرْأَةِ عَنْ اخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَال، أَوْ رُؤْيَتِهِمْ لَهَا، قالَ النَّوَوِي: "الغَيْرَةُ: أَصْلُهَا المَنْع، والرَّجُلُ غَيُوْرٌ عَلَى أَهْلِه: أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّعَلُّقِ بِأَجْنَبِيٍّ: بِنَظَرٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِه"، وقال ابنُ حَجَر: "وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعَاقِلَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ: أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَرَى وَجْهَ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ".

 

وَعَلامَةُ الرُّجُوْلَةِ الغَيْرَةُ عَلَى الأُنُوْثَةِ قالَ ابْنُ القَيِّم: "الرِّجَالُ أَغْيَرُ عَلَى الْبَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَلِهَذَا جَعَلَ الشَّارِعُ تَزْوِيجَهَا إِلَى أَبِيهَا دُونَ أُمِّهَا؛ فهُوَ أَغْيَرُ عَلَيْهَا، وَأَحْرَصُ عَلَى مَصْلَحَتِهَا، وَأَصْوَنُ لَهَا".

 

وَكُلُّ أُمَّةٍ ضَعُفَتْ الغَيْرَةُ في رِجَالِهَا؛ ضَعُفَتِ الصِّيَانَةُ في نِسَائِهَا! قال الغَزَالِي: "وَإِنَّمَا خُلِقَتِ الْغَيْرَةَ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ، وَلَوْ تَسَامَحَ النَّاسُ بِذَلِكَ؛ لَاخْتَلَطَتِ الْأَنْسَابُ".

 

وَانْعِدَامُ الغَيْرَة سَبَبٌ لِمَوْتِ الفَضِيْلَةِ، والعُقُوْبَةِ الشَّنِيْعَة! فَفِي الحَدِيْث: "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ"(رواه النسائي وصححه الألباني).  قال ابْنُ حَجَر: "هو الَّذِي يُقِرُّ الْخُبْثَ فِي أَهْلِهِ".

 

والغَيْرَةُ على المَحَارِمِ شَرَفٌ في الدُّنْيَا، وشَهَادَةٌ في الآخِرَةِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"(رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

والوَاجِبُ عَلَى الرِّجَال أَنْ يَقُوْمُوا بِدَوْرِهِمْ، وأَلَّا يَتَخَلَّوا عَنْ مَسْؤُوْلِيَّتِهِمْ! فـ (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[النساء: 34].

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: الغَيْرَةُ تَدُوْرُ على ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:

1-غَيْرَةِ العَبْدِ لِرَبِّهِ: أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُهُ.

 

2-وَغَيْرَتِهِ عَلَى قَلْبِهِ: أَنْ يَسْكُنَ إلى غَيْرِهِ.

 

3-وَغَيْرَتِهِ عَلَى مَحَارِمِهِ: أَنْ يَتَطَلَّعَ إِلَيْهَا غَيْرُه.

 

والغَيْرَةُ لَهَا حَدٌّ إِذَا جَاوَزَتْهُ؛ صَارَتْ تُهْمَةً وإِفْرَاطًا وَتَشْدِيْدًا. وَإِنْ قَصَّرَتْ عَنهُ؛ كانَتْ غَفْلَةً وتَسَاهُلاً وتَفْرِيْطًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللهُ، وَمِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُبْغِضُ اللهُ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ: فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللهُ: فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ"(رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني).

 

يَقُوْلُ ابْنُ عُثَيمِين: "إِيَّاكُمْ أَنْ تَأْخُذَكُمْ الغَيْرَةُ، الَّتِي تَدْفَعُكُمْ إلى الشِّدَّةِ! فَإِنَّ ذَلِكَ لا يُجْدِي شَيْئًا! والحَاجَةُ مَاسَّةٌ إِلى دُعَاةٍ حُكَمَاءَ، يَعْرِفُوْنَ كَيْفَ يَضَعُوْنَ الكَلِمَةَ، وَكَيْفَ يُمْسِكُوْنَهَا".

 

والغَيُوْرُ العَاقِلُ: مَنْ يَضَعُ الغَيْرَةَ في مَكَانِها؛ وَيُوَازِنُ بَيْنَ المَصَالِحِ والمَفَاسِد! (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة: 269].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات

الغيرة.pdf

الغيرة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات