اقتباس
فَمِن كَثرَة السِّهام التي أصابت الجسد لَم يَبْق مَوضِع لِجديد إِلَّا أن يُصيب سهْمًا قِبَله فيَكسِره، وتلك النَّظْرة ليست بالجديدة، ففي زمن رَسُول اَللَّه -صَلَّى اَللَّه عليه وَسلَّم- وجد اَلكُفار فِي ذلك حُجَّة، فقالوا...
يُفسِّرون الحوادث والْوقائع بِالتَّفسيرات المادِّيَّة الحسِّيَّة مُقْتصرين فقط على عَالَم الشَّهادة؛ أي مَا يُشاهِده الإنسان ويستطيع إِدْراكه، فالمَرض والمَوتُ والزَّلازل والْبراكين والكسوف والخسوف، والفقر والغِنى والْقوَّة، والضَّعف، والنَّصر والهزيمة، لها أسبابها المحسوسة، وفي اعتقادهم أنْ لَيس وَرَاء ذَلك شَيء، فلا حِكمة لإيجادها، ولا توقيتهَا، ولا حِكمة لتقدير وقوعها.
ولَطالما كانت هذه النَّظْرة المادِّيَّة والسَّطحيَّة للأمور؛ حاجزًا بين الإسلام وبين كثيرين، فَهُم يرون أنَّ المصائب على المسلمين مُترامية، والرَّزايَا مُتتابعة، فما يَكَاد اَلمسلِم يُفيق مِن نَائِبة إِلَّا وتتْبعهَا دَاهِية، خُصوصًا فِي مراحِل الضَّعْف، وَكَأن الشَّاعر يَصفُهم بقوله:
رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى *** فُؤادي في غِشاءٍ مِن نِبالِ
فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ *** تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ
فَمِن كَثرَة السِّهام التي أصابت الجسد لَم يَبْق مَوضِع لِجديد إِلَّا أن يُصيب سهْمًا قِبَله فيَكسِره، وتلك النَّظْرة ليست بالجديدة، ففي زمن رَسُول اَللَّه -صَلَّى اَللَّه عليه وَسلَّم- وجد اَلكُفار فِي ذلك حُجَّة، فقالوا شامِتين: لو كان المسلِمونَ على حقّ لَوقَاهم اَللَّهُ المصائب؛ فازْدَادوا عَلَى الكُفرِ كفرًا، وَلِمَا هُم عَلَيهِ مِن البَاطِل تَمَسُّكًا.
شَامِت لا يُشاهِد أَبعد من مَوطِئ قَدمِه، ولَا يَفهَم إِلَّا مَا يَبلُغه عَقلُه القاصر، وفاتهم أَنها سُنَن كَونِية تُصيب البر والفاجر؛ قِيلَ أَنَّ هذه الآياتِ نزَلَت في الرَّدِّ عليهِم؛ (مَا أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ).
يَهدِي قَلبَهُ للثبَاتِ على الإِيمان.
يَهدي قلبه للإِيمانِ بِقَدَرِ اَللَّه، والتَّسليمِ لِقَضَائِهِ.
يهدي قلبه لليَقِينِ بأَنَّ ما أصابَهُ لم يَكُنْ لِيُخطِئه وما أَخطأَهُ لَم يكن لِيُصِيبَه.
يهدي قلبه للصَّبر والاحتِسَاب.
يهدي قلبه للاسْتِرْجاع، وهنالك يتَجَلى التَّوحِيد بِأَزْهَى صُوَرَه.
(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ).
إِنَّا لِلَّهِ عبَيدٌ وهوَ لنَا سَيِّد.
إِنَّا للَّه مَمْلوكونَ وهُوَ لنا مَلِكٌ وَمَالِك.
إنّا للَّه: نَحْنُ وأهْلُونَا وأموَالنا، فإذَا ابتلانا فقد تَصرّف بِعَبَيدِه وما ملكُوا؛ فهو الخالِقُ الواهِبُ!
وَإنَّا إليه راجعون أَعظِم بِه عَزَاءً، وأجْمل بها تسلِية عِند مُصيبَة!
يَطْمئِنّ القلْب بِعدْله، وتسْكن النَّفس بحكمَته، ويَجبُر الكسْر بِفضْله، وتُضَمَّد الجرَّاح برحمته، ويُلَمْلَم الشَّتَات بِمِنَّتِه.
في الإِيمانِ باللَّهِ عِوَضٌ عن كُلِّ مَفْقُود.
هو المُعطِي المانع، والخافض الرَّافع، والمعزّ اَلمُذِلّ، هو اَلمُدبر القدير، والعليم الحكِيم، الرَّحمن الرَّحِيم، عَالِمُ الغيب والشَّهادة؛ (وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).
إبراهيم بن سعد العامر 26 شعبان 1444 للهجرة
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم