غزة- محمد أبو شحمة
الغش ظاهرة خطيرة، وسلوك مشين، ابتُلي به المجتمع في جميع مجالات الحياة، سواء في البيع والشراء أو في كافة المعاملات التجارية، وأيضاً غش الطلبة في الامتحانات، و الراعي لرعيته، والأب لأهل بيته، والمدير لموظفيه.
وللغش آثار خطيرة على المجتمع والفرد معًا، فهو يذهب بركة المال والأبناء لمن يمارسه، ويساهم في نشر الحقد والكراهية بين الناس، لما يترتب عليه من ضرر على الشخص الذي يقع به ويكون ضحيته، وهم من ذمّهم الله عزّ وجلّ في القرآن وتوعدهم بالويل، في قوله تعالى" وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينْ، الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون".
الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية الدكتور صلاح فرج بين لـ"فلسطين" ماهية الغش وصوره، وخطورته على المجتمع والأفراد، وعقوبة من يمتهن الغش ويرفض التخلص منه في معاملته.
يقول فرج إنه "من الصعب وضع تعريف موحد للغش، لأن له أشكالا وحالات مختلفة، ففي موضوع البيع والشراء يعرف بأنه خلط السلع الجيدة بأخرى سيئة، والغش بالامتحان يختلف عن حالة الغش السابقة وكذلك الزواج والنصيحة، لذلك يفهم الغش على حسب المجال الذي يتحدث به".
ويضع فرج تعريفًا عامًا للغش بأنه عبارة عن إظهار الشيء على غير حقيقته وخداع الناس، كالبائع الذي لا يعرف الناس بأن السلع التي يبيعها لهم بها عيب، ولا يخبرهم وبيعها على اعتبار أنها جيدة ويحلف اليمين بذلك ويخدع الناس.
ويذكر فرج مثالاً على غش هذه الحالة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حين مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال:" ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال :"أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني " وفي رواية "من غشنا فليس منا"، وهنا يبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد مظاهر الغش وخطورته.
ويوضح أن مِن صور الغش في مجتمعنا هو ما يمارسه تجار وبائعو الذهب، حين مجيء النساء لمحلاتهم لبيعهم مصاغهن، وشرائه منهن وإعادة تشكيل هذه المصوغات وبيعها من جديد على أنها لم تستخدم من قبل وهي جديدة، وذلك من صور الغش والخداع التي يعاقب عليها الله تعالى.
ويستذكر أستاذ الشريعة والقانون قصة خلط اللبن بالماء، حين كان بعضُ بائعي اللبن يخلط اللبن بالماء، واشتكى المسلمون من ذلك، فأرسل الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أحد رجاله ينادي في بائعي اللبن بعدم الغش، فدخل المنادي إلى السوق ونادى: يا بائعي اللبن لا تَشُوبوا ( لاتخلطوا ) اللبن بالماء، فتغُشّوا المسلمين، وإن من يفعل ذلك؛ فسوف يعاقبه أمير المؤمنين عقابًا شديدًا.
ويذكر أنه ذات ليلة خرج عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفي أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار ، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء، فقالت الابنة: يا أُمَّاه، وأما علمتِ ما كان من عَزْمَة ( أمر )أمير المؤمنين اليوم؟، قالت الأم: وما كان من عزمته (أمره )؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ (أي لا يُخلط ) اللبن بالماء، فقالت الأم: قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر، فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا.
ويبين أن من صور الغش أيضا الغش في النصيحة، فالدين النصيحة ، حيث جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، ومن حق المسلم على المسلم خمسة أيضا كما جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم "حق المسلم على المسلم خمس : ردُّ السلام , وعيادة المريض , واتباع الجنائز, وإجابة الدعوة , وتشميت العاطس"، وهنا كما فسر الفقهاء إن القول هو أن الناصح مؤتمن، بمعنى إذا أراد أحد النصيحة فليتم النصح بناءً على ما تتعلق بذمة الناصح بما هو خير لمن أراد النصيحة.
ويوضح أنه بحالة الخداع المقصود بالنصيحة فذلك يعتبر حالة من الغش والخداع، وهو أخطر أنواع الغش تأثيرًا في حياة المسلمين، وعقابه أشد عذابًا لأنه يفوت على المسلمين مصالح ويترك حالة من العداوة والحقد في نفوسهم.
ويشير إلى صورة أخرى من صور الغش وهي الغش في الرعية، خاصة الحاكم بالمحكوم، والمسئول بموظفيه، والزوج بزوجته وأبنائه، فيجب أن يكون كل واحد له ولاية على أحد خير ناصح، فلا يجوز للحاكم غش رعيته بالحكم بغير شرع الله، ولا الأب في تربية أبنائه وإهمالهم، والدليل من السنة النبوية هو قول النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته".
وعن أضرار الغش على المجتمع يلفت فرج إلى أن الغش يعتبر من أنواع الكذب الذي يهدي إلى النار كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال العبد يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
ويقول إن :"الغش طريق يوصل الإنسان إلى النار، ويؤدي إلى نقصان البركة في الأموال والأرزاق والأبناء، لأن الإنسان الفاعل للغش يعتقد أنه يكسب كثيرًا في حال خدع الناس، ولكن ربنا يعاقبهم بقلة البركة كمرض أبنائهم، وعدم السعادة في حياتهم".
ويوضح أن من عواقب الغش أيضا حرمان العامل به من إجابة الدعوة، وذلك واضح في الحديث الشريف :"إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا " ، وقال تعالى " يا أيها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء : يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟
ويلفت إلى أن التاجر الصادق الأمين يحشر يوم القيامة مع الشهداء والأنبياء والصديقين، وهذه المنزلة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم ليس عبثًا وإنما لبيان وجود تجار صادقين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم