الغدر والخيانة

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية حسن الخلق 2/ تحذير الإسلام من خصال الشر والجور 3/ ذم الغدر والخيانة 4/ فضل الوفاء بالوعد وعدم نكث العهود 5/ صور الغدر والخيانة كثيرة 6/ مساوئ جرتها الخيانة والغدر على أمة الإسلام 7/ خيانة الحوثيين والروافض.

اقتباس

لقد هدمت الخيانة والغدر الأمة الإسلامية أكثر من مرة، فما سقطت بغداد في يد التتار إلا بخيانة الرافضة، كما كان سقوطها القريبُ بسببهم، بل كل الدول كان سبب سقوطها الرئيس الخيانة، فالخيانة تقلب الحقائق، وهي من أولها لآخرها ظلم وجَوْر، فتجعل الظالم محقًّا، والمظلوم ظالمًا، وتسلب الحقوق، ولهذا كانت من أعظم الذنوب.. وما بُليت الأمة بمثل الخيانة، فحذارِ أن نكون منهم، فإن الخيانة والغدر عار وشنار في الدنيا والآخرة...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله..

 

أما بعد فيا أيها الناس: لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، سواء كان ذلك في الخَلق أو الخُلُق، ولقد مدح الله نبيه في كتابه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، ونوَّه -صلى الله عليه وسلم- بفضل حسن الخلق، ومنزلته عند الله، كما أخرج أهل السنن من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من شيء أثقل في الميزان من حُسن الخلق"، وفي رواية: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حَسَن، وإنَّ الله تعالى يبغض الفاحش البذيء"، وفي رواية: "ما من شيء يُوضَع في الميزان أثقل من حُسْن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة".

 

وحسن الخلق يجمع خصال الخير والبر، ويبعد بصاحبه من خصال الشر والجور، وإن من الخصال التي حذَّر منها الشرع ووصف صاحبها بأقبح وصف، ورتَّب عليها الإثم الكبير، صفة الغدر والخيانة، التي لا يتصف بها إلا أهل النفاق والكفر، فهي من أبرز صفات المنافقين، أنهم إذا عاهدوا غدروا، أخرج  البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدِ اللهِ بنِ عمروِ بنِ العاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".

 

والغدر والخيانة أيضًا من أبرز خصال اليهود التي عيرهم الله بها في القرآن، قال الله فيهم (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً..) [المائدة: 13]، وقال: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 100].

 

وأخبر سبحانه أن ناقض العهد ملعون في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25].

 

ووعظ الله -جل في علاه- المؤمنين أن لا ينقضوا عهد الله فقال سبحانه: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 91].

 

عباد الله: كم عاهدنا الله ثم أخلفناه، وكم عاهدنا الناس وواعدناهم ثم أخلفناهم، ألا نعلم أن الخُلف في الوعد نفاقٌ عملي، فمن فعل ذلك فهو منافق نفاقًا عمليًّا، وعلى العكس فإن الوفاء بالوعد وعدم نكث العهود من صفات المؤمنين، ومن كان حريصًا على الوفاء أعانه الله ووفى عنه.

 

أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يُسْلِفَه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أُشْهِدُهُم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقْدَمُ عليه للأجل الذي أجَّله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفةً منه إلى صاحبه، ثم زجَّجَ موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسَلَّفْتُ فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وأَني جَهَدتُ أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له، فلم أقدِر، وإني أستودِعُكَها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه, ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده.

 

فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا, فلما نشرها، وجد المال والصحيفة، ثم قَدِم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليَّ بشيء؟ قال: "أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدَّى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانْصَرِفْ بالألف الدينار راشدًا".

 

هكذا ينبغي للمؤمن أن يكون إذا عاهد من أول نية ينوي بها المعاهدة أن يكون قلبه قد اجتمع على الوفاء والصدق.

 

عباد الله إن صور الغدر  والخيانة كثيرة جدا، فمن صورها خلف الوعد، ومن صورها الخيانة في الأمانة المنوطة بالمسلم في عمله، فمن فرَّط فقد خان، ومن صور الخيانة قلب الحقائق، وتزوير الأقاويل، وهذا كثير في أهل الإعلام إلا الناصح منهم، ومنها خيانة الأمة في أموالها، والغلول منها، وعدم دفعها لأهلها المستحقين لها، فعندما يضعك خليفة المسلمين موضع الثقة، ويوكل إليك شيئًا من أمور المسلمين، ثم تقصر فيه، ولا تقوم بما أوجب الله عليك، من البذل والنصح، فإنك تكون خائنًا لدينك وأميرك وبلدك وللمسلمين جميعا، فهم خصومك يوم القيامة.

 

اللهم إنا نعوذ بك من الغدر والخيانة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد فيا عباد الله: لقد هدمت الخيانة والغدر الأمة الإسلامية أكثر من مرة، فما سقطت بغداد في يد التتار إلا بخيانة الرافضة، كما كان سقوطها القريبُ بسببهم، بل كل الدول كان سبب سقوطها الرئيس الخيانة، فالخيانة تقلب الحقائق، وهي من أولها لآخرها ظلم وجَوْر، فتجعل الظالم محقًّا، والمظلوم ظالمًا، وتسلب الحقوق، ولهذا كانت من أعظم الذنوب.

 

معاشر المؤمنين: ما بُليت الأمة بمثل الخيانة، فحذارِ أن نكون منهم، فإن الخيانة والغدر عار وشنار في الدنيا والآخرة، فقد أخرج الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود واللفظ لمسلم  عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان".

قال ابن بطال: "وهذه مبالغة في العقوبة وشدة الشهرة والفضيحة".

 

وقال النووي: "لكل غادر لواء. أي: علامة يشتهر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر؛ لتشهيره بذلك".. "وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد".

 

وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعط أجره".

 

قال المهلب: قوله: "أعطى بي ثم غدر" يريد: نقض عهدًا عاهده عليه.

وقال المناوي: "... "ثم غدر"، أي: نقض العهد الذي عاهَد عليه؛ لأنَّه جعل الله كفيلاً له فيما لزمه من وفاء ما أعطى، والكفيل خصم المكفول به للمكفول له".

 

وقال الصنعاني: "فيه دلالة على شدة جُرْم مَن ذُكِرَ، وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي، أي: حلف باسمي وعاهد، أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه".

 

أيها المؤمنون: إن من عوامل تأخر النصر في كثير من الحروب الإسلامية، الخيانة والغدر.

فالحرب في الشام طال أمدها وكانت الخيانة والغدر أبرز عوامل تأخر النصر، وكذا الحرب في اليمن، فلا يعرف في الأمة أغدر من الرافضة والحوثية، وإننا لنرى من يظهر في القضية كالمصلح، وهو من أغدر الناس وأفجرهم، يهلك الأمة من أجله، ويسعى في الأرض فسادًا لشهواته، كما نراه في حاكم اليمن المخلوع وزعيم الحوثيين، عليهم من الله ما يستحقون.

 

ألا ابتهلوا إلى الله بهلاكهم، وإراحة الأمة منهم، فبطن الأرض لهم خير للأمة من ظهرها، كما قال الله دعاء نوح عليه السلام أنه قال (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) [نوح: 26- 27].

 

اللهم أعذنا من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء يا رب العالمين..

اللهم عليك بكل غادر وخائن للأمة يا رب العالمين..

 

 

 

المرفقات

والخيانة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات