العين.. والشعوذة (2)

صالح بن عبد الله الهذلول

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ كيفية الإصابة بالعين 2/ كيفية العلاج منها 3/ حكم العائن 4/ قرائن تدل على شعوذة القارئ 5/ موانع تحول من الانتفاع بالرقية 6/ كيف نواجه الشعوذة

اقتباس

ألا وإن من العلاجات النافعة لمن أصيب بالعين قراءة القرآن عليه، يقرأ المصاب على نفسه، ويدعو ربه، ويتضرع إليه، ويظهر حاجته وفقره إليه، وليثق أن ملك السماوات والأرض لله، وأنه على كل شيء قدير، وليقرأ عليه كذلك والده أو ولده أو صديقه وزميله.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الحكيم العليم، كل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وكل شيء خلقه بقدر، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [سبأ:34].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده النفع والضر، وأشهد أن نبينا محمداً رسولُ الله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها الناس، فقد مضى في الجمعة الماضية الحديث عن تعرض الإنسان للإصابة بالجن وتلبسهم فيه، وأن الأولى بالرقاة أن يحرصوا على تعميم الانتفاع بهداية القرآن، فيعرضوا دعوتهم على الجن ويرغبوهم في الإسلام، وإن كان الجني المتلبس مسلماً فيخوف من عقاب الله ونقمته.

 

ومضى -أيضاً- توهم فريق من الناس حينما يصاب أحدُ أفراد أسرته أن به مساً من الجن، لكن هذا المسلك ليس صحيحاً؛ فهناك أمراض تصيب الروح غير الجن.

 

كما ذكرت شروطاً استنبطها العلماء لا بد من توفرها بالراقي. وشمل الحديث الإصابة بالعين، وأنها حق، وكثرةَ ادعاء المشعوذين، لذلك؛ فإذا أعيتهم الحيلة عن تشخيص مرضاهم، قالوا: إنك مصاب بنفس.

 

غير أن ثمت أمرا آخر له صلة بالعين عباد الله، ألا وهو كثرة تلازم الحسد مع العين، وليس دائماً، وكثير من العائنين هم حُسَّاد، وليس العكس، فليس كل حاسد يصيب بالعين، ولكل منهما سهام تخرج من نفس الحاسد أو العائن نحو المسحود أو المعين، قد تصيبه وقد تخطئه، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية دونه من الأوراد والأذكار المشروعة أثرت فيه ولا بد، وإن صادفته حذراً شاكي السلاح من الأوراد والأذكار الثابتة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا منفذ لها إليه، ولا تؤثر فيه، بل ربما رُدت السهام على صاحبها.

 

أيها المسلمون: وكيف يكون العلاج من العين؟ إنه ذو شقين: التحصن بالأوراد الشرعية، والتبريك بالدعاء.

 

ومعنى التبريك بالدعاء: إذا رأيت شيئاً أعجبك من أخيك المسلم فادع له بالبركة، نحو: ما شاء الله، تبارك الله، ولا قوة إلا بالله، اللهم بارك له.

 

روى مالك في الموطأ، وابن حبان في صحيحه أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حنيف وهو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغتسل فقال عامر: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة [والمخبأة هي المستورة في الخيمة، كنَّى بها عن العذراء، يعني كأن سهل بن حنيف من جماله وبياضه بنتٌ عذراء] قال: فَلُبِط، [أي صُرع وسقط إلى الأرض] سهل، فأُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل بن حنيف لا يرفع رأسه! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل تتهمون من أحد؟"، قالوا: نعم، عامر بن ربيعة رآه يغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامر بن ربيعة فتغيظ عليه، وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه، ألا تُبِّرك؟[أي: تدعو له بالبركة]، اغتسل له"، فغسل له عامرٌ وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح سهل من الناس ليس به بأس.

 

ونفوس الناس تختلف حينما ترى شيئاً يعجبها، فبعضٌ يبادر فوراً إلى التبريك والدعاء وذكرِ الله حينما يرى خيراً على أخيه المسلم أيا كان الخير، وأياً كان صاحبه.

 

بل إن آخرين لَيُسرُّون ويفرحون حينما يرون نعمة الله على مسلم، ويدعون له بظهر الغيب أن يبارك الله له ويحفظه ويوزعَه شكر نعمة الله عليه.

 

وفريق ثالث -نسأل الله العافية- انطوت نفوسهم على حسد، وكأنه إذا وُسِّع على مسلم في رزقه أو ولده أو زوجه أو وظيفته أو منزله، كأن ذلك مقتطع منه، فتتغلب نزعات الشر داخل نفسه نحو أخيه لتقذف حِمماً تصيب بقدر الله أخاه المسلم ليبقى بعدها المصاب متألماً دهراً طويلاً، وربما ظل حياته كلها يعاني من عين ذلك، أو كانت وفاته بسببها؛ وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن العين لتورد الرجل القبر".

 

فاتقوا الله عباد الله، وقدموا لأنفسكم خيراً، وحذار -أيها المسلم- أن تَقْدُم على ربك غداً وصحيفتك مليئة بأذية الخلق!.

 

ثم اعلموا -عباد الله- أن حكم العائن كما ذهب إلى ذلك فقهاء الحنابلة وجمع من غيرهم أن من عُرف بالعين حبسه الإمام، وأجرى له ما يُنفق عليه إلى الموت، وما ذلك إلا لشدة ضرره على العباد.

 

معاشر المسلمين: قد يقول قائل: أنا لا أصيب بعيني، ونيتي حسنة، ولا أجد في قلبي على مسلم شراً. فنقول له: الحمد لله، إن كان كذلك فهو فضل من الله، واشكر ربك على ذلك واسأله المزيد، ولكن اعلم أن ذكرك لله -سبحانه- حينما ترى شيئاً يعجبك إنما يكون للوقاية من الشيطان الحاضر، فمثلاً: قد تدخل بيت صاحب لك أو قريب، فتصفه بأنه كقصر فلان من الكبراء، من باب المزاح والإعجاب، أو يسرد عليك وقائع حدث معين، فتقول له مداعباً: كأنك كمبيوتر ما تركت شيئاً إلا ذكرته، ونحو ذلك، فإذا لم تذكر الله، وصاحبك لم يتحصن بالأوراد الشرعية، فقد يستغل الشيطان هذه الفرصة فينفذ، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العين حق ويحضرها الشيطان". والشيطان عدو، وشأن العدو التربص دائماً.

 

وقاناً الله كل سوء ومكروه، وأعاذنا من نزغات الشيطان وتوهيمه. اللهم إنا نسألك قلوباً سليمة، ونفوساً طاهرة من الغل والحسد، اللهم تقبل منا ولا تجعلنا من القانطين.

 

بارك الله لنا في القرآن العظيم، ونفعنا بسنة سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة، (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم:34]، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه.

 

وبعد: معاشر المسلمين، ألا وإن من العلاجات النافعة لمن أصيب بالعين قراءة القرآن عليه، يقرأ المصاب على نفسه، ويدعو ربه، ويتضرع إليه، ويظهر حاجته وفقره إليه، وليثق أن ملك السماوات والأرض لله، وأنه على كل شيء قدير، وليقرأ عليه كذلك والده أو ولده أو صديقه وزميله.

 

وقد ذكر بعض أهل العلم أن من هَجْر القرآن هَجر التداوي به.

 

ولا يحرص على الذهاب إلى القراء، فإن كثيرا منهم -كما سبق الإشارة إليه- مرتزقة، وجمعٌ منهم مشعوذون، يذهب المريض ليقرؤوا عليه ويدعوا له فإذا بهم يسألونه عن اسم أمه وجدته، ويحددوا له وقتاً لرقيته بحجة أنه أجدى، ولو كان ذلك خلاف السنة.

 

بل ربما جنح بعضهم ومال ميلاً عظيماً بأن يطلب من المصاب أشياء توقعه في الشرك، كالذبح لغير الله.

 

ومن القرائن الدالة على الشعوذة قولُ بعض الرقاة للمريض بعد رقيته: هذه قراءة خاصة، أو مركزة، أو ربما يطيل وقت القراءة، وكل ذلك لأجل تحصيل مالٍ أوفر.

 

ومما يدل على شعوذة القارئ -أيضاً- وجود سلاسل أو روائح كريهة في غرفة الرقية، أو يطلب الراقي من المصاب أن يشم بخوراً له رائحة كريهة، وبعض الرقاة لديه جرأة فيصرح للمريض أن فلاناً أصابك بالعين ويذكر اسمه دون معرفة سابقة له.

 

وتنبيه يتعلق بهذه المسألة ألفت الأنظار إليه: النفث يكفي منه أن يقع على موضع الإصابة ولو من وراء حائل، وأما اعتقاد البعض أنه لا بد أن يقع على الجسد مباشرة فهذا غير صحيح، وإذا كان المصاب امرأة يسبب النفث على جسدها مباشرة فتنة للقارئ، خاصة إذا دجل الراقي على وليها، وخلا بها.

 

أيها المسلمون: وهناك موانع تقف دون الانتفاع بالرقية، أُجملها فيما يلي: الأول: ضعف الراقي. الثاني: ضعف يقين المرقي له. الثالث: عدم اتباع السنة في الرقية. الرابع: التخييل، وهو الاستعانة بالجن، وهذا محرم، أما الاتهام فمشروع للحديث السابق حين قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من تتهمون؟". الخامس: التقصير في الطاعات والواجبات من قبل المريض، كأن يفرِّط في أداء الصلوات والأذكار وقراءة القرآن. السادس: من موانع الانتفاع بالرقية: الذنوب والمعاصي. السابع: وقد يبتلي الله عبده ويختبرُه أيصبر أم يتضجر والله حكيم عليم. الثامن: أن أجل المريض قد حان، وأيامه قد انطوت، وعند ذاك لا تدفع الرقية أجلاً.

 

عباد الله: أمرٌ مهمٌ له صلة وثيقة بالموضوع: كيف نواجه الشعوذة؟ وما الوسائل المجدية في ذلك؟.

 

الجواب على ذلك: أولاً: إن إذاعة القرآن الكريم لها جهود مشكورة، وقبول واسع في الداخل والخارج والحمد لله، سواءً في عمق برامجها، أو شموليتها، أو حسن الإخراج، وهذا لا يعني أنها وصلت درجة الكمال. فحبذا لو وضعت برامج رقيةٍ موجهة للمرضى في المستشفيات؛ تشمل القراءة على المريض وتعليمه كيف يرقى نفسه، وتذكره في الوقت نفسه وتعلمه الحذر من المشعوذين الذين يبتزون ماله ولا ينفعونه.

 

ثانياً: ومن الوسائل إقامة محاضرات يحييها طلبة العلم الشرعي ممن لهم باع في الرقية، واشتهر عنهم العفة والصلاح؛ حتى يتم نشر وعي الرقية الشرعية ليؤخذ بها وبقطع الطريق على تجار الشعوذة.

 

ثالثاً: إقامة دورات تشرف عليها هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو وزارة الشؤون الإسلامية مثلاً، للتدريب على الرقية، وتعليمها للراغبين في ذلك من المحتسبين.

 

رابعاً: تفريغ الرقاة المحتسبين ممن عرف عنهم الفضل والعلم والعفة لأنْ يقوموا بعمل الرقية، وهذا ليس كثيراً، فكم تنفق وزارة الصحة ومستشفيات وزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني -مشكورة- من المليارات على المرضى؟.

 

خامساً: فتح مكاتب في المستشفيات للرقية الشرعية تحت إشراف الهيئات أو وزارة الشؤون الإسلامية.

 

سادساً: تشكيل لجان من الجهات المعنية بالأمر للإشراف على الرقاة، وتتبع أحوالهم واستماع شكاوى المرضى بشأنهم، ووضع حدٍ للرقاة المغالين في أجورهم، المستغلين حاجة المرضى.

 

سابعاً: إصدار نشرات ومطويات تبين كيفية الرقية الشرعية.

 

اللهم...

 

 

المرفقات

.. والشعوذة (2)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات