عناصر الخطبة
1/ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء 2/العين حقيقة دل على ذلك الكتاب والسنة والواقع 3/أقسام الناس من حيث نظرتهم للعين 4/قصة عجيبة عن العين 5/وسائل الاتقاء من العين قبل وقوعها وعلاجها بعد وقوعهااقتباس
النَّاسُ مَعَ حَقِيقَةِ العينِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ عَدْلٌ، فَقِسْمٌ: ضَعُفَ عِندَهُم التَّصدِيقُ بِها، حَيثُ لا يُصَدِّقُونَ إِلاَّ ما يُشاهِدُونَهُ ويُحِسُّونَ بِهِ. وَقِسْمٌ أَسْرَفوا بِأَمْرِ العَينِ فَطَارَدَتُهم الأَوهَامُ، وَحَاصَرَهُم القَلَقُ، وَضَعُفَ عِندَهُم اليَقِينُ، واخْتَلَّ لَديهم مِيزَانُ التَّوَكُّلِ على اللهِ -تَعَالى-، فَكَرِهُوا النَّاسَ واتَّهَمُوهُمْ في كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَهَؤُلاءِ قَدْ اسْتَدَرَجَهُمُ الشَّيطَانُ فَأَمْرَضَهُم وَأَقعَدَهُم...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ على نِعَمٍ لا تُعَدُّ، وَإحْسَانٍ لا يُحدُّ، أَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له عَوَّذَ نَبِيَّهُ مِن شَرِّ النَّفَاثَاتِ في العُقَدِ، ومِن شَرِّ حَاسِدٍ إذا حَسَدَ، وَأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنا مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ وَحَّدَ الفَرْدَ الصَّمَدَ، الَّلهم صَلِّ وسَلِّم وبارِك عليهِ وعلى آلِهِ وَصحبِهِ والتَّابِعينَ لَهمِ، ومَنْ تَبِعَهُم بِإحسَانٍ في سَلامَةِ الصَّدْرِ وَصِدْقِ التَّوكُّلِ والمُعتَقَدِ.
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكم -يا مُسلِمونَ- وَنفْسِي بِتقوى اللهِ -تَعَالى-، وَصِدْقِ التَّوَكُّلِ عليهِ.
عِبَادَ اللهِ: في وَقتِنا بِحمدِ اللهِ تَقَدَّمَ الطِّبُّ، وَصَارَ الأَطِبَّاءُ على قَدْرٍ مِنَ المَهَارَةِ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَعَ كُلِّ هَذَا التَّقَدُّمِ ظَلَّ أُناسٌ يَشتَكُونَ أَمرَاضًا مُزمِنَةً وَأَعرَاضًا مُقلِقَةً، لم يَعرِفْ لها الأَطِبَّاءُ أَسبَابًا ولم يجِدُوا لها عِلاجًا، فَكَانَ لا بُدَّ مِنَ الرُّجُوعِ إلى الأَصْلَينِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِنَتَبَيَّنَ الأسبَابَ، ولِنَتَعَرَّفَ على العِلاجِ، فَقَدْ قَالَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"(رواه البخاري)، فَكَانَ لِزَامَاً أنْ نُذَكِّرَ بِحقِيقَةِ وُقُوعِ العَينِ أَو ما يُسمَّى بِالحَسَدِ، فَفِي القُرَآنِ الكَريمِ، وَالسُّنَّةِ النَّبويَّةِ جَاءَ ذِكرُهُمَا وعِلاجُهُمَا، فَيَعقُوبُ -عليهِ السَّلامُ- قَالَ لأبْنَائِهِ: (يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ)[يوسف: 67]، قالَ الشيخُ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وذَلِكَ أَنَّهُ خَافَ عليهم العَينَ، لِكثرَتِهم وَبَهَاءِ مَنظَرِهِم، وَلِكَونِهم أَبنَاءَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَخْبَرَ اللهُ -تَعَالى- عَن حَسَدِ الكَافِرينَ لِرَسُولِهِ، فقالَ: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ)[القلم: 51] أيْ: يَعِينُونَكَ بِأبصَارِهِم، بِمعنى يَحسُدُونَكَ، قال ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفسِيرِهِ: "وفي الآيَةِ دَلِيلٌ على أنَّ العَينَ إصَابَتُها، وَتَأْثِيرُها حَقٌّ بِأَمْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".
أَمَّا السُّنَّةُ النَّبويَّةُ فَقد أَثْبَتَتِ العَينَ، وَأَنَّها تَقَعُ بِحَقٍّ بِأَمْرِ اللهِ وَقَدَرِهِ، ففي صحيح مُسلمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قَالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا".
وفي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنَّهً قَالَ: "أَكثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِن أُمَّتِي بَعدَ قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ بِالعَينِ"، وفي حَدِيثٍ عن جَابِرٍ -رضيَ اللهُ عنه- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "العَينُ حَقٌّ، لَتُورِدُ الرَّجُلَ القَبرَ، والجَمَلَ القِدرَ".
اللهُ أَكْبرُ -عِبَادَ اللهِ-: واللهِ إنَّنَا لَمُؤمِنُونَ بأنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، وأنَّها تَقَعُ بِأَمرِ اللهِ وَقَدَرِهِ، ولِذلِكَ النَّاسُ مَعَ حَقِيقَةِ العينِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ عَدْلٌ، فَقِسْمٌ: ضَعُفَ عِندَهُم التَّصدِيقُ بِها، حَيثُ لا يُصَدِّقُونَ إِلاَّ ما يُشاهِدُونَهُ ويُحِسُّونَ بِهِ.
وَقِسْمٌ أَسْرَفوا بِأَمْرِ العَينِ فَطَارَدَتُهم الأَوهَامُ، وَحَاصَرَهُم القَلَقُ، وَضَعُفَ عِندَهُم اليَقِينُ، واخْتَلَّ لَديهم مِيزَانُ التَّوَكُّلِ على اللهِ -تَعَالى-، فَكَرِهُوا النَّاسَ واتَّهَمُوهُمْ في كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَهَؤُلاءِ قَدْ اسْتَدَرَجَهُمُ الشَّيطَانُ فَأَمْرَضَهُم وَأَقعَدَهُم، ونَسُوا قولَ اللهِ -سُبحَانَهُ-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[الحديد: 22].
عبادَ اللهِ: وبينَ القِسمَينِ نَقِفُ جَمِيعاً -بِإذْنِ اللهِ تَعالى- مَوقِفَ الوَسَطِ المُتَّزِنِ المُعتَدِلِ، فَنُؤمِنُ بِوقُوعِ العَينِ ونُصَدِّقُ بِتَأْثِيرِها وَمَضَارِّها بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ وَأَمْرِهِ، مُنطلِقينَ مِن قَولِ اللهِ -تَعَالى-: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطلاق: 3].
عبادَ اللهِ: فِي حادِثَةٍ عَجِيبَةٍ! تَغَيَّظَ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وغَضِبَ، فَفِي مُسندِ الإمامِ أحمدَ -رَحِمَهُ اللهُ- وغَيرُهِ عن سَهلِ بنِ حنيفٍ: "أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نحوَ مَكةَ، حتى إِذَا كانوا بِشِعْبِ الخَرَّارِ مِنَ الجُحفَةِ اغتَسَلَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ، وَكانَ رَجُلاً أَبيَضَ حَسَنَ الجِسمِ وَالجِلدِ، فَنَظَرَ إِلَيهِ عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ وهو يَغتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيتُ كَاليَومِ وَلا جِلدَ مُخَبَّأَةٍ (أي الفَتَاةُ فِي خِدْرٍ لَم تَأتِها الشَّمسُ) فَلُبِطَ سَهلٌ (أي صُرِعَ وَسَقَطَ على الأَرضِ) فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ؟ وَاللهِ مَا يَرفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ، فَقَالَ: "هَل تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِن أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَظَرَ إِلَيهِ عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيهِ، وقَالَ: "عَلامَ يَقتُلُ أَحدُكُم أَخَاهُ؟! هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ (أي قُلتَ ما شَاءَ اللهُ -تَبَارَكَ اللهُ-) ثُمَّ قَالَ: "اغتَسِلْ لَهُ" فَغَسَلَ وَجهَهُ وَيَدَيهِ وَمِرفَقَيهِ وَرُكبَتَيهِ وَأَطرَافَ رِجلَيهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ في قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذلكَ المَاءُ على رَأْسِهِ وَظَهرِهِ مِن خَلْفِهِ، ثُمَّ يُكفِئُ القَدَحَ وَرَاءَهُ، فَفُعِلَ بِهِ ذلك، فَرَاحَ سَهلٌ مَعَ النَّاسِ لَيسَ بِهِ بَأسٌ.
اللهُ أكبَرُ -عبادَ اللهِ-: في الحديثِ بَيَانٌ لِقُوَّةِ تَأثِيرِ العَينِ وَبَالِغِ ضَرَرِها، حَيثُ جَعَلَتِ السَّلِيمَ سَقِيمًا فِي لَحَظَاتٍ، ثُمَّ شُفِيَ سَهْلٌ بِدُونِ أدوِيَةٍ ولا عَقَاقِيرَ طِبِيَّةٍ فِي لَحَظَاتٍ.
نَعُوذُ باللهِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، كمَا نَسأَلُهُ سُبْحَانَهُ أنْ يُبطِلَ عَينَ العَائِنِ، وأنْ يَشفيَ مَرضانا ومَرضى المُسلمينَ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ باللهِ العظيمِ، وأستَغفِرُ اللهَ فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانيةُ:
الحَمْدُ للهِ أَسْبَغَ عَلَينَا النِّعَمَ، أَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ ذُو الفَضْلِ الكَرَمِ، وَأَشهَدُ أَنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ في الْمَحْشَر، صلَّى الله وسلَّم وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الغُرَرِ، وَالتَّابِعِينَ ومَنْ تبعَهُم بإحْسَانٍ وإيمَانِ إلى يَومِ الْمُستَقَرْ.
أمَّا بعدُ: فَاتَّقوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- كَمَا أَوصَى وَأمَرَ، وصُونُوا عَقِيدَتَكُم عَنْ كُلِّ ثَلْمٍ وكَدَرٍ.
أيُّها المُؤمنونَ: فِي هَذا المَقَامِ النُّصحُ والتَّوجيهُ واجِبٌ لِلعَائِنِينَ مِمَّن ابتُليَ بِحَسَدِ النَّاسِ، نَقُولُ لَهُ: اتقِ اللهَ في نَفسِكَ وإخوانِكَ، ولا تَضُرَّ مُسْلِماً، فَتِلكَ صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ، وإيذَاءٌ لا مُبِرِّرَ لَهُ، فَأينَ تفِرُّ مِن قَولِ اللهِ -سُبحانَهُ-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 58]؟
وَقَولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :"لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ"؛ لِذا فإنَّ مِن أعظمِ الوَصَايَا لِلعَائِنِ: أنْ يُكثِرَ مِن ذِكرِ اللهِ -تعالى-، وإذا رَأَى شَيئاً يُعجِبُهُ أنْ يَقُولَ: ما شَاءَ اللهُ -تَبَارَكَ اللهُ-، فَقد أمَرَنا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إذَا رَأَى أَحَدُكُم مِنْ نَفسِهِ أو مَالِهِ أو مِن أَخِيهِ مَا يُعجِبُه فَليدْعُ لَهُ بِالبَرَكَةِ، فِإنَّ العَينَ حَقٌّ"(صَحِيحُ الجَامِعِ)، وَالنُّفُوسُ المُؤمِنَةُ لا يُفَارِقُها الذِّكرُ، وَلا تَغْفُلُ عن الدُّعاءِ.
أيُّها الكِرامُ: لَقَدْ أَمَرَنَا نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّعَوُّذِ بِاللهِ مِنَ العَينِ، فَقَالَ: "استَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ العَينِ؛ فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ"(صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ).
وَهُنَا تَنْبِيهٌ لَطِيفٌ أنَّ المَشرُوعَ للإنْسَانِ أَنْ يَستُرَ عَنْ النَّاسِ مَا يَخَافُ أَنْ يَحْسُدُوهُمُ عَلَيهِ، فَيَعقُوبٌ -عَلَيهِ السلامُ- قَالَ لِبَنِيِهِ: (وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ)[يوسف: 67].
ورُويَ أَنَّ عُثمَانَ -رَضِيَ اللهُ عنه- رَأَى صَبِيًّا مَلِيحًا، فَقَالَ: "دَسِّمُوا نُونَتَهُ لِئَلا تُصِيبَهُ العَينُ"، وَمَعناه: سَوِّدُوا النُّقرَةَ التي في ذَقَنِهِ.
وإنَّكَ لَتَعجَبُ مِنْ تَفَسُّخِ بَعضِ النِّسَاءِ في المُناسبَاتِ وَتَبَاهِيهِنَّ مَعَ كَثْرَةِ إصابَةِ بَناتِ جِنسِهِنَّ بالعَينِ والحَسَدِ، فَهلاَّ خَافُوا مِن العَينِ إذْ لَم يَخَافُوا مِن اللهِ -تعالى-؟!
ولِسَائِلٍ أنْ يَقُولَ: وكَيفَ أتَّقِي العَينَ قَبلَ وُقُوعِهَا؟ وَبِمَ تُعَالَجُ إِذَا وَقَعَتْ؟
أَمَّا قَبلَ وُقُوعِها فَإِنَّ خَيرَ ما يُتَّقَى بِهِ: الاستِعَاذَةُ بِاللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، وَالمُحَافَظَةُ على الأَورَادِ صبَاحاً وَمَسَاءً، وَقِرَاءَةُ آيَةِ الكُرسِيِّ عِندَ النَّومِ، فَإِنَّكَ لَن يَزَالَ عَلَيكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، ومَن قَرَأَ الآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيلَةٍ كَفَتَاهُ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَالمُعَوِّذَتَينِ حِينَ تُصبِحُ وَحِينَ تُمسِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكفِيكَ مِن كُلِّ شَيءٍ؛ كُلُّ ذلِكَ ثَبَتَ عن نَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
ويُسَنُّ كذلِكَ أَنْ يُحَصِّنَ أَبنَاءَهُ ويُعَوِّذَهُم، فقد كان النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَينَ، وَيَقُولُ: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن كُلِّ شَيطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِن كُلِّ عَينٍ لامَّةٍ".
وَإِذَا أَصَابَتِ العَينُ وَوَقَعَتْ فَإِنَّ مِن عِلاجِها إِذَا عُرِفَ العَائِنُ أَن يُؤمَرَ بِالاغتِسَالِ لِلمَعِينِ، وَيُصَبَّ عَلَيهِ المَاءُ، أو يَتَوَضَّأُ العَائِنُ ثُمَّ يَغتَسِلُ مِنهُ المَعِينُ.
وَمِن عِلاجِ العَينِ بَعدَ وُقُوعِها: الرُّقيَةُ الشَّرعِيَّةُ بِالآيَاتِ القُرآنِيَّةِ وَالأَدعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ.
إخوة الإيمان: ومِمَّا يَنبَغِي التَّنَبُّهَ لَهُ: أن لا تَتَشَاءَمَ ولا تَتَطَيَّرَ، وَأَنْ تُحسِنَ الظَّنَّ باللهِ وَتُقَوِّيَ جَانَبَ التَّوَكُّلِ عليهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَاللهُ -تَعالى- يَقولُ: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3].
ثُمَّ لِنَحْذَرَ مِن تَعلِيقِ التَّمَائِمِ والعَزَائِمِ والأَسَاوِرِ والرُّسومَاتِ التي يَعتَقَدُونَ أنَّها تَقِي العَينَ، فقد قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ"، كَمَا نُحَذِّرُ مِن الذَّهَابِ لِلسَّحَرَةِ والدَّجَالِينَ، فَقد قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَن أَتَى عَرَّافًا أَو كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بما يَقُولُ فَقَد كَفَرَ بما أُنزِلَ على محمدٍ".
عبادَ اللهِ: احتَسِبُوا مَا يُقدِّرُهُ اللهُ ويَكتُبُهُ، واستَغفِرُوا ربَّكم واشكُرُوهُ على ما عافَاكُم مِمَّا ابتَلى بِهِ كثيراً من النَّاسِ، (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[غافر: 14]، فاللهم اجعلِ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قُلوبِنَا، ونورَ صدُرِناَ، وجلاءَ أحزانِنَا، وذهابَ همومِنَا. اللهم اشرح صدورَنا بالإيمانِ، واعمرْهَا الإحسانِ، ولا تجعل فيها غِلاًّ وحَسَدَاً يا رحيمُ يا رحمنُ.
اللهم إنَّا نسأَلُكَ باسمِكَ الأعظَمْ أنْ تُنَفِّسَ كَرْبَ المَكرُوبِينَ من المسلمين، وأن تَشْفِي مَرضَاهُمْ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم