العين حق

خالد بن محمد الشهري

2021-10-01 - 1443/02/24 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/تقدم علم الطب وكثرة الأمراض في العصر الحاضر 2/العين حق لا شك فيها 3/كيفية الوقاية من العين قبل وقوعها وعلاجها بعد وقوعها 4/وجوب التوكل على الله

اقتباس

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لْنَعْلَمْ أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ تَجْعَلُ السَّلِيمَ سَقِيمًا، وَالصَّحِيحَ مَرِيضًا، وَقد يُبْتَلَى الْمُعَافَى بِأَمْرَاضٍ وَعِلَلٍ دُونَ أَسْبَابٍ مَعْرُوفَةٍ وَلَا مُقَدِّمَاتٍ طَبِيعِيَّةٍ. ولِتَعْلَمُوا أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ بَلْ هِيَ السَّبَبُ الْغَالِبُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِ النَّاسِ دُونَ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْجَمَالِ وَالْجَلَالِ، يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدًا يَمْلَأُ أَرْضَهُ وَسَمَاهُ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى سَوَابِغِ نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ نَصَرَهُ وَآوَاهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ وَاتَّبَعَ هُدَاهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-، فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِمَا يُرْضِيهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

 

عِبَادَ اللَّهِ: نَحْنُ فِي زَمَنٍ تَقَدَّمَ فِيهِ الطِّبُّ تَقَدُّمًا وَاضِحًا، حَتَّى أَصْبَحَ مِنْ عُلَمَاءِ الطِّبِّ وَخُبَرَائِهِ مَنْ هُوَ عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنَ الْمَهَارَةِ وَالتَّخَصُّصِ الدَّقِيقِ مِمَّا أَهَّلَهُمْ -بَعْدَ حَوْلِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ- لِإِجْرَاءِ أَدَقِّ الْعَمَلِيَّاتِ فَفَتَحُوا الرُّؤُوسَ وَالصُّدُورَ، وَشَقُّوا الْبُطُونَ وَالْقُلُوبَ، وَفَصَلُوا التَّوَائِمَ وَتَعَامَلُوا مَعَ الْأَجِنَّةِ، وَمَعَ كُلِّ هَذَا التَّطَوُّرِ فِي مَجَالِ الطِّبِّ إِلَّا أَنَّهُ ظَلَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَشْكُونَ أَمْرَاضًا مُزْمِنَةً، وَأَعْرَاضًا مُقْلِقَةً حَارَ الْأَطِبَّاءُ فِي دَوَائِهَا، وَعَجَزَ الطِّبُّ عَنْ عِلَاجِهَا.

 

وَلِهَذَا -عِبَادَ اللَّهِ-: أَحْبَبْتُ أَنْ أُورِدَ عَلَى أَسْمَاعِكُمْ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ حَدِيثًا صَرِيحًا يَتَبَيَّنُ مِنْ خِلَالِهِ السَّبَبُ لِمُعْظَمِ الْأَوْجَاعِ الْمُضْنِيَةِ، وَالْعِلَاجُ مِنْ تِلْكَ الْآلَامِ الَّتِي أَقَضَّتِ الْمَضَاجِعَ فَحَرَمَتْ أَصْحَابَهَا مِنَ التَّمَتُّعِ بِحَيَاتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ؛ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: "اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ، فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ" قَالَ: "وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ" قَالَ: "فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلَا جِلْدَ عَذْرَاءَ، قَالَ: فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ، وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلًا وُعِكَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! أَلَّا بَرَّكْتَ، إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، تَوَضَّأْ لَهُ" فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: خُطْبَةُ الْيَوْمِ عَنِ الْعَيْنِ الَّتِي انْتَشَرَ ضَرَرُهَا، وَعَمَّ خَطَرُهَا، وَلَعَلِّي أَخْتَصِرُ أَهَمَّ مَا فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، وَأَصِلُ بِكُمُ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْ خِلَالَ ثَلَاثِ وَقَفَاتٍ: أَمَّا الْوَقْفَةُ الْأُولَى: فَلْنَعْلَمْ أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ تَجْعَلُ السَّلِيمَ سَقِيمًا، وَالصَّحِيحَ مَرِيضًا، وَقد يُبْتَلَى الْمُعَافَى بِأَمْرَاضٍ وَعِلَلٍ دُونَ أَسْبَابٍ مَعْرُوفَةٍ وَلَا مُقَدِّمَاتٍ طَبِيعِيَّةٍ، وَهَذَا مَا حَدَثَ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حِينَ عَانَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- كَمَا سَمِعْتُمْ فِي الْحَدِيثِ، فَمَا كَادَ عَامِرٌ يُكْمِلُ جُمْلَةَ كَلَامِهِ حَتَّى وَقَعَ سَهْلٌ صَرِيعًا فِي مَكَانِهِ، وإِنَّ مِنْ خَطَرِ الْعَيْنِ: أَنَّهَا قَدْ تَصْرَعُ وَتَقْتُلُ، وَتُورِدُ الرَّجُلَ حِيَاضَ الْمَنِيَّةِ، إِذَا شَاءَ اللَّهُ، وكَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ: "الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ".

 

عِبَادَ اللَّهِ: ولِتَعْلَمُوا أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ بَلْ هِيَ السَّبَبُ الْغَالِبُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِ النَّاسِ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ، وتَأَمَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ يَقُولُ نَبِيُّكُمْ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بِالْعَيْنِ"، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولَعُ بِالرَّجُلِ بِإِذْنِ اللَّهِ -تَعَالَى- حَتَّى يَصْعَدَ حَالِقًا ثُمَّ يَتَرَدَّى مِنْهُ"، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"، وَفِي هَذَه النصوص إِثْبَاتُ مَا يُنْكِرُهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقِرُّونُ أَنَّ لِلْعَيْنِ أَثَرًا، وَلَا يُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْخَبَر.

 

وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى عِنْدَ النَّاسِ مَا قَدْ يُعْجِبُهُ أَنْ يَمْتَثِلَ أَمْرَ رَسُولِ الْهُدَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَمَا قَالَ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ".

 

أَمَّا الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: فَكَيْفَ تُتَّقَى الْعَيْنُ قَبْلَ وُقُوعِهَا؟ وَبِمَ تُعَالَجُ إِذَا وَقَعَتْ؟ أَمَّا قَبْلَ وُقُوعِهَا فَإِنَّ خَيْرَ مَا يَتَّقِي الْعَبْدُ بِهِ مِنَ الْعَيْنِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْعَيْنِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ"، والمحَافِظَة عَلَى أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَمِنْهَا مَا ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ".

 

وَأَمَّا عِلَاجُ الْعَيْنِ بَعْدَ وُقُوعِهَا: أَوَّلًا: إِنْ عَرَفَ الْعَائِنَ أَوْ شَكَّ فِيهِ، فَلْيُؤْمَرْ بِالِاغْتِسَالِ لِلْمَعْيُونِ، وَلْيُؤْخَذْ مِنْ أَثَرِهِ، ثُمَّ يُؤْخَذِ الْمَاءُ وَيُصَبَّ عَلَى الْمَعْيُونِ؛ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامِرًا أَنْ يَغْتَسِلَ لِسَهْلٍ، وَكَمَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْعَائِنَ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعْيُونُ؛ وَلِذَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ عَنِ الِاغْتِسَالِ إِذَا طَلَبَهُ أَهْلُ الْمَعْيُونِ أَوْ أَحَسَّ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ عَانَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْتَسِلُوا".

 

ثَانِيًا: مِنْ عِلَاجِ الْعَيْنِ بَعْدَ وُقُوعِهَا: الرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ أَنْ نَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ، وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعَ صَوْتَ صَبِيٍّ يَبْكِي فَقَالَ: "مَا لِصَبِيِّكُمْ هَذَا يَبْكِي؟ فَهَلَّا اسْتَرْقَيْتُمْ لَهُ مِنَ الْعَيْنِ؟".

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ: "اسْتَرْقُوا لَهَا؛ فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ".

 

وَمَنِ أَنْفَعِ الْعِلَاجِ لِمَنْ أَصَابَتْهُ الْعَيْنُ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْأَمْرَاضِ: أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِيَّةِ الشِّفَاءِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ الْقَادِرُ عَلَى رَفْعِ الْبَلَاء.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الأنعام: 17].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَشْكُرُهُ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ الْخَيْرَ كُلَّهُ، هُوَ أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَتُوبُوا إِلَيْهِ، وَفَوِّضُوا أُمُورَكُمْ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101].

 

عِبَادَ اللَّهِ: أَمَّا الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَخِيرَةُ، فَتَقَدَّمَ مَعَنَا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ مُسْلِمٌ يُؤْمِنُ بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَكِنْ أَقُولُ: وَمَعَ ثُبُوتِ الْعَيْنِ وَأَثَرِهَا -بِإِذْنِ اللَّهِ-، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْإِفْرَاطُ وَلَا التَّفْرِيطُ بِشَأْنِهَا، وَكَمَا لَا يَسُوغُ إِنْكَارُهَا فَلَا يَسُوغُ الْإِسْرَافُ بِشَأْنِهَا، فَيُنْسَبُ لَهَا كُلُّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّنَا أَصْبَحْنَا نَسْمَعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِمَّنْ تُطَارِدُهُمُ الْأَوْهَامُ، وَمِمَّنْ ضَعُفَ عِنْدَهُمُ الْيَقِينُ وَاخْتَلَّ مِيزَانُ التَّوَكُّلِ فِي حَيَاتِهِمْ أَصْبَحُوا يُرْجِعُونَ كُلَّ إِخْفَاقٍ وَفَشَلٍ وَمُصِيبَةٍ إِلَى الْعَيْنِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ حُسْنُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، وَمُرَاجَعَةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مِنَ الْأَوَامِرِ وَامْتِثَالُهَا، وَالنَّوَاهِي وَاجْتِنَابُهَا، وَلَرُبَّمَا كَانَ السَّبَبُ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْهُمُومِ وَالْمَصَائِبِ وَالْأَحْزَانِ لَيْسَ بِسَبَبِ الْعَيْنِ كَمَا يَظُنُّ، بَلْ هُوَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ، كَيْفَ لَا وَالْحَقُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30].

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى سَيِّدِ الْبَشَرِ، وَخَيْرِ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

العين حق.doc

العين حق.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات