عناصر الخطبة
1/أهمية المساجد 2/فضل بناء المساجد وعمارتها 3/نظافة المساجد وتطهيرها 4/من حقوق المساجد علينا 5/من آداب المساجد 6/التحذير من التعدي على أوقاف المساجد.اقتباس
وإن من الأعمال الصالحات: عمارة المساجد الحسية والمعنوية والمساجد هي بيوت الله -تعالى- في الأرض، وهي أحبّ البقاع إلى الله... فالعمارة الحسية تكون ببنائها وصيانتها ونظافتها والعناية بها،...
الخطبةُ الأولَى:
إن الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعدُ: عبادَ الله: اتقوا الله حق التقوى، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التوبة: 18]، وإن من الأعمال الصالحات: عمارة المساجد الحسية والمعنوية والمساجد هي بيوت الله -تعالى- في الأرض، وهي أحبّ البقاع إلى الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا".
فالعمارة الحسية تكون ببنائها وصيانتها ونظافتها والعناية بها، وقد أمر -صلى الله عليه وسلم- ببنائها ونظافتها وتطييبها، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ"
وفي ذلك من الثواب العظيم في جنات النعيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ"، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ".
وجاءت التوجيهات الربانية والنبوية بنظافتها وتطهيرها؛ قال -تعالى-: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[البقرة: 125]، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتنظيفها وتطييبها كما في حديث عائشة الذي سبق، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى نُخَامَةً فِي القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ"، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ، فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: "أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا".
وقد تفقد النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة كانت تكنس المسجد وتُنظّفه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَأَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: "فَهَلَّا آذَنْتُمُونِي، فَأَتَى قَبْرَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا".
ومن حقوق بيوت الله -تعالى- علينا صيانتها من الروائح الكريهة، ومنها رائحة الثوم والبصل وغيرها؛ فإنها تؤذي المصلين والملائكة، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، الثُّومِ -وقَالَ مَرَّةً-: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ".
ومن آداب المساجد: التجمل لها بلبس الملابس النظيفة والتطيب واستعمال السواك؛ قال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31].
ثم اعلموا -أيها المسلمون- أن أراضي المساجد تُعتبر أوقافًا، ولا يجوز شرعًا اسْتِخْدَامُهَا فِي غَيْرِ مَا خُصِّصَتْ لَهُ. كَمَا صَدَرَ بِذَلِكَ الْفَتْوَى عَنِ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ لِلْفَتْوَى وَالَّتِي نَصَّتْ عَلَى أَنَّ: "مَا كَانَ دَاخِلَ أَسْوَارِ الْمَسَاجِدِ سَوَاءً كَانَ مَسْقُوفًا، أَوْ غَيْرَ مَسْقُوفٍ، وَأَسْطُحَهَا، وَمَنَارَاتِهَا، وَالسَّاحَاتِ الْمُهَيَّأَةَ لِلصَّلاَةِ بِجِوَارِهَا؛ لاَ يَنْبَغِي اسْتِغْلاَلُهَا فِي غَيْرِ الْعِبَادَةِ مِنْ صَلاَةٍ، وَحَلَقَاتِ طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تَحْفِيظٍ لِلْقُرْآنِ.
وَبَيَانُ أَنَّ التَّعَدِّي عَلَى الْمَسَاجِدِ وَأَرَاضِيهَا وَمَرَافِقِهَا، بِاسْتِغْلاَلِهَا لِغَيْرِ مَا خُصِّصَتْ لَهُ، أَوْ إِحْدَاثِ أَيِّ إِنْشَاءَاتٍ عَلَيْهَا دُونَ مُوَافَقَةٍ مِنَ الْوَزَارَةِ هُوَ مِنَ التَّعَدِّي عَلَى بُيُوتِ اللهِ وَمِنَ الْفَسَادِ وَالْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى مَنْعِهَا وَالإِبْلاَغِ عَنْهَا.
وَكَذَلِكَ التَّأْكِيدُ عَلَى حُرْمَةِ التَّعَدِّي عَلَى خِدْمَاتِ الْكَهْرَبَاءِ وَالْمِيَاهِ الْخَاصَّةِ بِالْمَسَاجِدِ؛ بِاسْتِغْلاَلِهَا لِغَيْرِ مَا خُصِّصَتْ لَهُ، وَأَنَّ هَذَا مِنَ الاِخْتِلاَسِ الَّذِي يَجِبُ مَنْعُهُ وَالإِبْلاَغُ عَنْهُ، بل إن من الواجب على المسلم أن يحافظ على جميع المرافق العامة للحد مما يؤثر على استفادة أفراد المجتمع منها".
فاتقوا الله -عباد الله-، وتعاونوا مع القائمين على المساجد بما يخدم بيوت الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 3].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: المساجد تعمر معنويًّا كما تعمر حسيًّا، وقد ذكر الله -تعالى- أن ذلك من صفات أهل الإيمان، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التوبة: 18].
بيوت الله -تعالى- هي موطن ذِكْر الله -تعالى- وعبادته، وقد أثنى الله -تعالى- على أهلها ومن عمرها بالطاعات، قال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور: 36- 38].
وقد تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله -تعالى- ينتظرون سماع الأذان والجلوس والبقاء في المسجد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ"... وذكر منهم "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ".
وأعدَّ الله -تعالى- نزلاً وضيافةً في الجنة تكريمًا لمعتادي المساجد والذهاب إليها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ".
هذا وصلوا على مَن أمركم الله -تعالى- بالصلاة والسلام عليه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم