العنايةُ بالأسرة المسلمة

صلاح بن محمد البدير

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ أهمية الأسرة المسلمة 2/ وجوب العناية بالأسرة والاهتمام بها 3/ وجوب تربية الأبناء تربيةً صالِحةً 4/ نصائِح وتوجيهات تربوية.

اقتباس

الأُسرةُ هي الدِّرعُ الحصينة، والقلعةُ الأمينة. وأسرةُ الرجل أهلُ بيته وقرابتُه، ورهطُه وعشيرتُه. والطفولةُ جمالُ الأُسَر وحلواؤُها، تعيشُ في كلاءَتها وحِرزِها وحفظِها، بها تحترِس ومنها تقتبِس. ومن حُسن الولاية: تعليمُ الأطفال والصِّغار، وتأديبُهم على السَّدَى والنَّدَى، والقِيَم والشِّيَم، والآدابِ والحِكَم، وحملُهم على جليلِ المكارِم والصفات، وتهذيبُ سُلوكهم من النقائِصِ والعيوبِ والآفات. وكم من أزهارٍ ذبَلَت .. وأغصانٍ جفَّت .. وأشجارٍ يبِسَت حين أُهمِلَ سقيُها ورِيُّها! فيا أيها الأبُ والوليُّ! كم سِقيُ ولدِك من نَميرِ أدبِك؟ وكم شِربُه من حنانِك وحدَبِك؟!

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) [النحل: 72]، أحمدُه حمدَ من أصلحَ الله له أهلَه وأدَّبَ له ولدَه، وأشكرُه شُكرَ من هداه ربُّه وأرشدَه.

 

 وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةَ عبدٍ وافقَ قلبُه مِذوَدَه، فعظَّم ربَّه ومجَّده ووحَّده، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، ولعنَ الله من أبغضَ الصحابةَ وأبعدَه.

 

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

اتَّقوا الله في السرِّ والعلانية؛ فالسرائرُ له بادِية، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون:

الأُسرةُ هي الدِّرعُ الحصينة، والقلعةُ الأمينة. وأسرةُ الرجل أهلُ بيته وقرابتُه، ورهطُه وعشيرتُه.

 

والطفولةُ جمالُ الأُسَر وحلواؤُها، تعيشُ في كلاءَتها وحِرزِها وحفظِها، بها تحترِس ومنها تقتبِس. ومن حُسن الولاية: تعليمُ الأطفال والصِّغار، وتأديبُهم على السَّدَى والنَّدَى، والقِيَم والشِّيَم، والآدابِ والحِكَم، وحملُهم على جليلِ المكارِم والصفات، وتهذيبُ سُلوكهم من النقائِصِ والعيوبِ والآفات.

 

فعن عُمر ابن أبي سلَمَة - رضي الله عنهما - قال: "كنتُ غلامًا في حَجر رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت يدِي تطيشُ في الصحفَة، فقال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا غُلام! سمِّ الله، وكُل بيمينِك، وكُل مما يلِيك»، فما زالَت تلك طِعمَتي بعدُ" (متفق عليه).

 

واكتِسابُ الآداب في الصِّغَر منهَاةٌ عن النَّزَقِ والطَّيش في الكِبَر، وكم جالَت فتنٌ وأخطارٌ ببعضِ الصِّبيةِ واليَفَعَة والشَّبَبة! كما تجولُ الرِّيحُ بحُطامِ النَّبتِ وسواقِط ورقِ الشجر، وذلك بسبب الغفلَة والتساهُل والتشاغُل عن تأديبِهم في الصِّغَر.

 

وكم من أزهارٍ ذبَلَت .. وأغصانٍ جفَّت .. وأشجارٍ يبِسَت حين أُهمِلَ سقيُها ورِيُّها!

فيا أيها الأبُ والوليُّ! كم سِقيُ ولدِك من نَميرِ أدبِك؟ وكم شِربُه من حنانِك وحدَبِك؟!

 

ومن أهملَ تربيةَ صِغارِه وعِيالِه، كان وِزرُ التفريط عليه، ووبالُ الإهمالِ إليه، وألمُ الحسرةِ بين عينَيه. ومن تركَ ولدَه يسقُط في وَهدَة الفسقِ والفُجور، ويسوقُه الأنذالُ والسِّفلَةُ والسواقِطُ حين شاءُوا، فقد باعَه وأضاعَه.

 

وابنُك ابنُ بُوحِك، يشربُ من صَبُوحِك، ويرتوِي من مَنُوحِك. فليكُن أولَ إصلاحِك له إصلاحُك لنفسِك؛ فإن عينَه معقُودةٌ بعينِك، والحسنُ عنده ما فعلتَ، والقبيحُ ما تركتَ.

 

وعلى أعراقِها تجري الجِياد، وعلى أصولِها تنبُتُ الشجرُ، وما أشبهَ حجَلَ الجِبالِ بألوانِ صَخرها.

 

يا مَن يرُومُ صلاحَ ولدِه! الزوجةُ بيتُك وسكَنُك، تُهدهِدُ ولدَكَ وتُناغِيه، وتُلاعِبُه وتُفدِّيه، وتُلاطِفُه وتُهادِيه. صوتُها ماءُ رُوحِه، وقلبُها دواءُ جُروحِه، ورِضاها مُنتهَى طُمُوحِه، ولا أدعَى لضياعِ العيالِ من كسرِها وقهرِها، وإذلالِها وظُلمِها والنَّيل من مقامِها.

 

إن الترفُّق والتلطُّف في خِطابها، واجتِنابَ اللفظِ الخَسيسِ المُفحِشِ المُستقبَحِ عند ندائِها، وإكرامَها وتبجيلَها، والتجاوُزَ عن تقصيرِها سكَنٌ للدار، وصلاحٌ للعيالِ والصِّغار.

 

يا مَن ترومُ إصلاحَ أولادِها، وسعادةَ بيتها! الزوجُ ربيعُ المحْلِ، وجمالُ الوعْر والسَّهْل .. اعمَدي إلى إسعادِه، واملئي القلوبَ من وِدادِه، وعظِّمِيه عند أولادِه.

 

أيها المسلمون:

والحِدَّةُ والشدَّةُ في التوجيه والنصيحة يُورِثُ التباعُد والتجافِيَ والنفور، ولا أشفَى للنفوسِ العاصِية، والأرواحِ القاصِية، والقلوبِ القاسِية من الرِّفقِ واللِّين والبِرِّ، والمُلاطَفَة والتَّكرِمة، والتحفّي والتروِّي.

 

فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أرادَ الله - عز وجل - بأهلِ بيتٍ خيرًا أدخلَ عليهم الرِّفقَ» (أخرجه أحمد).

 

وما من بيتٍ يُحرَمون الرِّفقَ إلا حُرِموا الهناءَ والصفاءَ، وحلَّ بدارِهم الخِصامُ والعناءُ، والعُنفُ والحِقدُ والبلاءُ.

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].

 

أقولُ ما تسمَعون، وأستغفِرُ الله فاستغفِرُوه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا يُوافِي جزيلَ النِّعَم، وأشكرُه على ما أولَى من الفضلِ والكرَم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصِمُ من الزَّيغ وتدفعُ النِّقَم، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالَمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه صلواتٍ زاكِياتٍ مُتضاعِفاتٍ مُتعاقِباتٍ دائِماتٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

اتَّقوا الله وراقِبُوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أيها الشابُّ المُسترسِلُ في هواه! احذَر صاحبَ السوء الذي يختِلُك، ويُداوِرُك ليطعنَك في شَرَفِك وعِرضِك من حيثُ لا تشعُر. فنفسَك أحرِز فإن الحُتوفَ ينبأْنَ بالمرءِ في كل وادِي، والعدوُّ قد كمَن في مضايِقِ الوادِي، ومعاطِفِه وأحنائِه.

فلا يصدُقنَّ عليك ما قالَت العربُ قديمًا: "حتْفَها تحمِلُ ضأنٌ بأظلافِها".

 

وأصلُه: أن رجلاً كان جائِعًا بالفلاةِ القَفْر، فوجدَ شاةً ولم يكُن معه ما يذبَحُها به، فبحَثَت الشاةُ الأرضَ فظهَرَت فيها سِكِّينٌ، فذبَحَها بها. فصارَ مثلاً لكل من أعانَ على نفسِه بسُوءِ تدبيرِه.

 

وكم من لذَّةٍ رحلَت وأبقَت ندمًا .. وكم من شهوةٍ ذهبَت وأورثَت ألَمًا .. وكم من صُحبةٍ نكَّسَت رأسًا وأزلَّت قدَمًا.

 

يا عبدَ الله:

هذا نداءُ التوبة، ويا فوزَ من أجابَ .. وهذا صوتُ الأوْبَة، ويا نجاةَ من أنابَ.

 

وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ الورَى.

للخلقِ أُرسِلَ رحمةً ورحيمًا *** صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة، أصحابِ السنَّة المُتَّبعة، وعن سائر الآلِ والأصحاب، وعنَّا معهم يا كريمُ يا وهَّاب.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المُسلمين.

 

اللهم ادفَع عنَّا وعن بلاد المُسلمين الشُّرورَ والفتنَ، اللهم ارفَع عن بلادِ المُسلمين الحروبِ والنِّزاعاتِ والمِحَن يا ربَّ العالمين.

 

اللهم ارفَع الغُمَّة، اللهم ارفَع الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم ارفَع الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم ارفَع الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم ارحَم لوعةَ الشاكِي، ودمعةَ الباكِي، اللهم نكِّس رايةَ من يُحادُّك ويُضادُّك، ويُحارِبُ دينكَ وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اللهم عليك بمن يُحارِبُ أهل السنة والجماعة يا رب العالمين.

 

اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحَم موتانا، وانصُرنا على من عادانا.

 

اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا.

اللهم اجعَل دعاءَنا مسمُوعًا، ونداءَنا مرفوعًا، يا كريمُ يا عظيمُ يا رحيمُ.

 

 

 

المرفقات

بالأسرة المسلمة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات