عناصر الخطبة
1/ مكانة فعل الخير ونفع الناس 2/ الحث على فعل الخير وإغاثة الملهوف 3/ سورة الكهف وما فيها من الدعوة إلى رفع المعاناة عن المستضعفين في الأرضاقتباس
إننا لنقرأ سورة الكهف في كل جمعة وفيها من العظات والعبر ما يرشدنا إلى رفع المعاناة عن المستضعفين في الأرض وإغاثة الملهوفين فهذا صاحب موسى عليه السلام بنى جدار مهدوما لأيتام في القرية، وهذا ذي القرنين بنى سدا منيعا بين السدين وهذا الخضر مع موسى يزيل قطعة خشب من السفينة إنقاذا لهم من ..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: إن الله تبارك وتعالى فطر الناس على فعل الخير ونفع الناس.. والسعي لمساعدة الآخرين، وإيصال الخير للغير من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله -عز وجل-؛ فالإنسان قد يحتاج في هذه الحياة لمد يد العون له لاسيما بالقيام بعمارة الأرض، ورفع المشقة، ودفع الحرج، وتفريج الكربة عنه فيما يواجه من نكبات أو ضيق أو حرج أو كربة أو وقوع كارثة أو تقلب حال، هذا من شيم الكمل من الرجال.
قد كان -عليه الصلاة والسلام- معروف بذلك حتى قالت أم المؤمنين خديجة -رضي الله تعالى عنها-: "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ". وهكذا قيل عن الصديق -رضي الله عنه-
وإعانة الغير، وإيصال الخير في كل وقت لاسيما في وقت الضيق من شيم الكبار من الرجال، وهو الموافق لفطرة الله التي قال الله عنها: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم:30].
إن إيصال الخير للغير من صبغة الله التي صبغ الناس عليها (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ) [البقرة:138].
يشهد العالم كوارث وحروب ونكبات تحولت بسببها دول ومجتمعات من آمنة إلى خائفة ومن غنية إلى فقيرة ومن مستقرة إلى مضطربة.
ولقد أثنى الله -عز وجل- على الساعين لفعل الخيرات ومد يد العون للناس لاسيما في الضائقات قال -سبحانه-: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:73].
وأمر -سبحانه وتعالى- بذلك فقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].
بل لم يتوقف الأمر عند الأمر بالخيرات بل أمر الله تبارك وتعالى بالمسارعة والمسابقة في الصالحات فقال -عز من قائل-: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:148].
وليست الخيرات مقصورة على العبادات النفسية، بل إن من أعظم الخيرات إيصال الخير للغير قال -تعالى-: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة:48].
وتتجسد صور التعاون على البر والتقوى في مساعدة المنكوبين واللاجئين والضعفاء والمهجرين والفقراء والمعوزين في العالم أجمع عملا بقوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، ويقول -جل وعلا-: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة:158].
ويقول الله -جل وعلا- مبينا صفات المؤمنين أنهم يطعمون ويطعمون من؟ يطعمون الكفار ومع ذلك يقول: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:9].
هذا دأب الصالحين المصلحين وأصحاب القلوب الرحيمة من المسلمين تجدهم دائما يسعون لنفع الناس والبشرية، وبذل الخير ما استطاعوا لذلك سبيلا بين البرية يقول -جل وعلا-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].
ولقد حث نبينا -صلى الله عليه وسلم- على فعل الخير، وإغاثة الملهوف، وإعانة المكروب، وقضاء الحوائج، والسعي في تخفيف المعانة؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال، قال -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".
وعن أبي مرة أنه قال لمعاوية -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره" (رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح).
وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله عند أقوام نعماً، أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين، ما لم يملوهم، فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم" (رواه الطبراني وصححه الألباني).
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال "لا يزال الله بحاجة العبد ما دام في حاجة أخيه" (رواه الطبراني بسند جيد).
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "على كل مسلم صدقة" قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: "يَعْتَمِلُ بيديه فينفع نفسه ويتصدق"، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف"، قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يأمر بالمعروف أو الخير"، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يمسك عن الشر فإنها صدقة". (رواه البخاري ومسلم).
وعن عمر -رضي الله عنه- مرفوعا: "أفضل الأعمال إدخال السرور على المسلم كستر عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت له حاجة" (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
ومن منن الله على هذه البلاد أن الله تعالى جبلهم على مساعدة المنكوبين في العالم الإسلامي بل وفي العالم أجمع وأصبحت هذه الخصلة مما يمتازون به ويتحلون بها يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وقائم الليل الصائم النهار" متفق عليه
فيا فوز من كان في هذه القافلة التي تسعى على حوائج المسلمين وتقضي لهم وتكشف عنهم الكرب يقول -صلى الله عليه وسلم- "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (رواه مسلم).
نسأل الله الكريم أن يتقبل منا ومنكم جميعا..
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وإكرامه وإنعامه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وجميع خلانه
أما بعد:
أيها المسلمون: إننا لنقرأ سورة الكهف في كل جمعة وفيها من العظات والعبر ما يرشدنا إلى رفع المعاناة عن المستضعفين في الأرض وإغاثة الملهوفين فهذا صاحب موسى عليه السلام بنى جدار مهدوما لأيتام في القرية، وهذا ذي القرنين بنى سدا منيعا بين السدين وهذا الخضر مع موسى يزيل قطعة خشب من السفينة إنقاذا لهم من ملك ظالم.
فهذا موسى عليه السلام يأتي إلى مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا..) [القصص:23-24].
ويقول الله -جل وعلا- مخاطبا من أنعم عليهم بنعمة الملك والسلطان (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13].
وفي السنة المطهرة أحاديث كثيرة توجب على المسلمين وتندب لهم أن يسارعوا إلى إغاثة الملهوفين ومساعدة المحتاجين ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال "كل سلامى –أي كل مفصل من مفاصل الجسد- من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة"
وعن مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "خلق ابن آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن ذكر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، وعزل حجرا عن طريق المسلمين، أو عزل شوكة، أو عزل عظما، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى أمسى من يومه وقد زحزح نفسه عن النار"
حديث أَبي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ: "إِيمانٌ بِاللهِ وَجِهادٌ في سَبيلِهِ قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقابِ أَفْضَلُ قَالَ: أَغْلاها ثَمَنًا وَأَنْفَسُها عِنْدَ أَهْلِهَا قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا أو تَصْنَعُ لأخْرَقَ قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ فَإِنَّها صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِها عَلى نَفْسِكَ" ومعنى "الأخرق هو الرجل الذي لا يحسن الصنعة"
ووعد الله تبارك وتعالى أهل الإيمان المتطوعين بالأعمال الحسنة والبر والمسارعين في الخير وإغاثة المحتاجين بجنة عرضها السماوات والأرض من المؤمنين قال سبحانه (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]. ما صفاتهم؟ (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].
فزيدوا في العمل الخيري مهما تقدرون وتعاونوا على البر والتقوى وكونوا خير عون للمحتاجين، اكشفوا كربهم اقضوا حوائجهم كونوا مع المحتاجين والمعوزين فهذه من نعم الله علينا أن مكننا من ذلك فالحمد لله سبحانه على نعمه وتوفيقه أن استعملكم في طاعته سبحانه ولم يعوزنكم كإياهم وذلك حتى يبتليكم بالسراء كما ابتلاهم بالضراء.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم