عناصر الخطبة
1/ أثر العملية الاستهشادية على اليهود 2/حكم العلميات الاستشهادية 3/ الفرق بين الجهاد والإفساد 4/ الفساد العملي تابع لفساد العقول 5/ خطر معارض الكتاب غير المنضبطة بالشريعةاقتباس
بموجب الشرع، هذه العمليات جهاد مشروع ضد عدو محتل معتدي، بل هي جهاد دفع واجب, وبموجب ما يسمى بالنظام الدولي هي حق مباح ومقاومة مشروعة لأي شعب في العالم تغتصب أرضه وتنتهك حرمته, وبموجب المنطق العقلي هذه العمليات نتيجة منطقية لجرائم القتل وحرب الإبادة التي يقوم بها شرذمة يهود في فلسطين، وهي رد فعل طبيعي انتقامَا للدماء الطاهرة والأنفس الزكية من ..
(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:41-38].
فبعد ظلمات الليالي الحالكة التي عاشها ويعيشها إخواننا في غزة، وبعد مقتل أكثرَ من مائة وخمسة وعشرين مسلم في أربعة أيام، وبعد أن قطعت قلوبنا صور الأطفال والعجائز الذين قتلت آمالهم، وسُحق أبناؤهم وآباؤهم، حتى رأينا الطفلة التي قصفت وتركت تنزف الدم حتى ماتت وإخوانها الصغار يبكون حولها، ورأينا الرضع يغرقون بدمائهم، ورأينا المرأة العجوز تنوح بمرارة، وقد قتل ابنها وزوجته وأطفالهما، ولم يبق لها من بيتها وأسرتها سوى ركام القصف, ومليون ونصف إنسان وليس حيوان، مليون ونصف إنسان مسلم في غزة يواجهون كارثة إنسانية، هي الأسوأ منذ أربعين سنة، حسب تقرير عدد من المنظمات الإنسانية البريطانية والغربية, 80% من سكان القطاع يعيشون على المساعدات الإنسانية، وحياتهم مهددة بسبب الحصار وإغلاق المعابر.
أقول في غمرة هذه الصيحات المبحوحة والدماء المسفوحة، والعالم يتفرج، والأمم المتحدة لا تحرك ساكنًا، والدول العربية والإسلامية تقف مكتوفة الأيدي، جاء الرد من الضعفاء الأبطال، الذين باعوا أنفسهم لله المتعال، ففي صباح الأمس، كانت عملية تفجير سيارة الجيب العسكرية اليهودية الذي قتل فيها جندي يهودي وجرح اثنان أصابتهما خطرة، ثم كانت عملية إطلاق الصواريخ على مغتصبة سديروت، وفي المساء كانت العملية الاستشهادية البطولية، والتي اقتحم فيها بطل من أبطال المقاومة،-أسأل الله أن يتقبله في الشهداء-، اقتحم مدرسة للمتطرفين الصهاينة يعد خريجوها للمشاركة في العمليات العسكرية، وقَتل منهم ثمانية وجَرح قرابة الأربعين، جراح كثير منهم خطيرة وميئوس منها, عمليات مشروعة بموجب الشرع والنظام الدولي والمنطق العقلي.
فبموجب الشرع، هذه العمليات جهاد مشروع ضد عدو محتل معتدي، بل هي جهاد دفع واجب, وبموجب ما يسمى بالنظام الدولي هي حق مباح ومقاومة مشروعة لأي شعب في العالم تغتصب أرضه وتنتهك حرمته, وبموجب المنطق العقلي هذه العمليات نتيجة منطقية لجرائم القتل وحرب الإبادة التي يقوم بها شرذمة يهود في فلسطين، وهي رد فعل طبيعي انتقامَا للدماء الطاهرة والأنفس الزكية من الرجال والنساء والأطفال.
هذه العمليات ترهب القتلة المجرمين، وتشفي صدور قوم مؤمنين، ولن تنفع اليهود قوتهم التي ظنوا أنها مانعتهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، ولن يخفف عنهم إدانة سلطة عباس للعملية، ولن ينفعهم تباكي سيدهم المجرم بوش الذي ظل صامتًا على حرب الإبادة في غزة طيلة الأيام الماضية، ولم تظهر إنسانيته إلا بعد عملية القدس، التي هزت كيانه ليصفها بأنها بربرية!! بربرية؟ وجرائم اليهود في غزة طيلة الأيام الماضية بضوء أخضر من بوش ليست بربرية؟ وجرائم أمريكا في العراق وأفغانستان وغيرها ليست بربرية؟ ليس للهمجي والبربري إلا البربرية، وليس للمحتل القاتل إلا القتل, إن ديننا الإسلام دين رحمة وسلام، أما المعتدون اللئام فليس لهم سلام، ولا يفل الحسام إلا الحسام.
وحتى تعلموا أننا لا نرجو خيرًا من أمريكا ولا من مجلس الأمن الذي تهيمن عليه القوى الكبرى في العالم, كان العالم يتفرج على حرب الإبادة في غزة، وما إن وقعت العملية يوم أمس إلا وهرع المندوب الأمريكي في ساعات لتبني قرار في مجلس الأمن لإدانة عملية القدس، فتعترض على القرار أربع دول من أعضاء المجلس دون أن يضاف له إدانة قتل المدنيين في غزة، فيرفض المجرم الأمريكي بكل وقاحة -أخزاه الله- وإدارته المتطرفة.
إن أملنا بالله –تعالى-، ثم بانتفاضة الأمة وعودتها إلى الله، إن أملنا في فلسطين، بالمجاهدين الشرفاء، وبالشعب الصامد، الذي يقدم الواحد منهم الشهيد تلو الشهيد، ثم يخرج على الهواء، ليقول: لا تعزوني في ولدي بل هنئوني على استشهاده، ولو خيرت لسبقته إلى شرف الشهادة، هؤلاء الضعفاء بل العظماء، أشد على إسرائيل من كل الجيوش العربية, بجب أن لا ننظر فقط إلى رد فعل اليهود على هذه العمليات الاستشهادية، دون النظر إلى آثارها الكبرى على الكيان الصهيوني، لقد أثبتت الدراسات المعاصرة الإسلامية واليهودية أن هذه العمليات هي الأكثر نكاية باليهود، والأشد في إدخال الرعب في قلوبهم، وأنها وإن قل عدد قتلاها، تنذر بسقوط الدولة وزوال ما يسمى إسرائيل، ناهيك عن خسائرها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على اليهود وآثارها على حركة الاستيطان والهجرة.
لم يعد الفلسطينيون يُقتلون ويُقتلون، بل هم الآن يَقتلون ويُقتلون، والأيام دول، وسيأتي اليوم الذي فيه ينصرون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون.
وكنت قد بحثت مسألة العمليات الاستشهادية وأحكامها الفقهية في رسالة الماجستير في الفقه، وذكرت اختلاف العلماء المعاصرين في مسألة تفجير النفس للنكاية بالعدو ما بين مبيح مطلقًا، ومانع مطلقًا، والراجح بعد بحث لأكثر من سنتين، أن هذه الأعمال تجوز عند الضرورة، وأما عند عدم الضرورة فيحرم الإقدام عليها لحرمة دم المسلم.
ومن شروط مشروعية هذه العمليات:
1/ وجود الضرورة كالخوف على الجيش المسلم أو اعتداء العدو على دمائهم وأعراضهم أو احتلال بلادهم كما هو الحال في فلسطين.
2/ أن يغلب على الظن أن النكاية بالعدو لا يمكن تحقيقها بطريقة أخرى تضمن له سلامة نفسه، فلو استطاع المنفذ أن يضع المتفجرات بعيدًا عنه، أو يهرب من المكان، فإنه يحرم عليه قتل نفسه.
3/ أن يترتب على العمل مصلحة ونكاية بالعدو، أعظم من مفاسدها.
4/ أن تكون هذه الأعمال موجهة ضد الحربي من الكفار، فلا تنفذ ضد معاهد أوذمي، ولا ضد من يسمون المدنيين، لكن ينبغي أن نعلم أن المحتل مغتصب الأرض ليس بمدني معصوم.
5/ أن تكون بإذن ولي الأمر إن وجد، فإن لم يوجد فأمير الجماعة المجاهدة.
6/ أن تكون هذه الأعمال في المكان المشروع، فلا يجوز القيام بهذه العمليات في بلاد الإسلام، كما فعلته بعض التيارات الضالة، ولو كانت هذه العمليات موجهة ضد الكفار.
ومن هنا ندرك الخطأ العظيم والضلال المبين الذي وقع فيه أهل التكفير والتفجير في بلاد المسلمين، حينما تبنوا هذه الأعمال الانتحارية في بلاد المسلمين وزعموا أنها أعمال استشهادية.
عباد الله: كيف نميز بين الحق والباطل؟ ونفرق بين الجهاد والإفساد؟ هذا ما سأتحدث عنه بعد الاستراحة.
الخطبة الثانية
الحمد لله...
عباد الله: لقد تحدثنا مرارًا في خطب ماضية، عن ما بليت به بلادنا من فكر ضال يتبنى أعمال التكفير والتفجير والإفساد، بدعوى الجهاد، وهذه الأعمال المحرمة وإن قلت وضعفت مؤخرًا -بحمد الله-، فإن بيان وزارة الداخلية الأخير بالقبض على بعض من يريدون إحياء الفتنة من جديد، بتفويض وتحريض من الظواهري، لهو أمر يدعو إلى التنبه الدائم والتحصين المستمر لشبابنا ضد هذه التيارات.
يجب أن نعلم -عباد الله-، أنه ما من عملية تفجير أو قتل أو تدمير تقع في الميدان، إلا ويسبقها عملية تفخيخ وتفجير في الأذهان, القضية قضية فكر مغسول، وعقل معلول.
أقول: والشيء بالشيء يذكر، ونحن نتحدث عن وقاية عقول أبنائنا من التيارات الفكرية المنحرفة بأنواعها، لا يفوتني أن أحذِّر من الكتب المشبوهة التي تباع –وللأسف- الآن في المعرض الدولي للكتاب في مدينة الرياض.
لقد اشتمل المعرض على كثير من المخالفات الشرعية، ولم يلتفت إلى الهوية الثقافية للبلاد، ولم يرفع رأسًا بعقيدة الإسلام، وفتح القائمون عليه الباب دون رقابة لدور نشر سيئة، تروج للرذيلة، وتنشر ما يعارض العقيدة، ويدعو للأديان المحرفة، أو المذاهب الضالة، أو الانحراف الأخلاقي كالقصص والروايات الماجنة التي تُسوِّق الفاحشة، ولا أريد تسمية هذه الكتب، وأحذر كل غيور من إشاعتها إلا للمسؤولين أوالمصلحين، حتى لا نروج للمنكر من حيث لا نشعر.
على كل مسؤول في وزارة الثقافة والإعلام أو في غيرها، أن يتقي الله في كل ما يجري في ولايته، وعلى المسؤولين عن المعرض أن يعيدوا النظر في سياسة المعرض، وأن ينتقوا من دور النشر ويمنعوا من الكتب ما يضر بالعقائد والأخلاق، ويتفق مع سياسة هذه البلاد المباركة وخصوصيتها.
نسأل الله تعالى أن يوفق ولاة أمرنا، للحفاظِ على الملة وحماية والعقيدة، ومحاسبةِ كل من تسول له نفسه إفساد أفكار المسلمين، وهدم أخلاقهم.
سبحان الله، كيف نرجو رحمة الله، والله تعالى يسب بين أظهرنا، ودينه يتنقص منه في صحفنا ومعارضنا؟
خرجنا أكثر من خمس مرات نستسقي هذا العام، فلم نمطر بقطرة واحدة، ولم ننعم بالأودية الجارية أو الربيع الجميل، لم نر زهرة البابونج، ولم نشم رحيق الأرجوان، وأضحى (لصُمَّان) مغبرًا موحشًا، وروضة (التنهات) بلاقع وترابا.
إنَّ السماء لا تمطر بخروج فئة قليلة من الكهول والعجائز إلى المصليات، -ولو خرجوا كلّ يوم-؛ لأن الله –تعال-ى جعل التوبة والاستغفار سببًا للقطر المدرار، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) [نوح:10-12].
إن طلب التوبة والاستغفار يوجه لنا -معاشرَ المسلمين-، وليس للكفار؛ لأن بعض الجهلة يقول: ما بال الكفار ينعمون بالأمطار والخيرات؟
فنقول: لله الحكمة البالغة، فقد يغدق الله على الكفار المطر والخيرات والجنات تعجيلاً لحظهم وشهواتهم (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) [الاحقاف:20], والدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر, بل قد يبتلي الله بعض المسلمين المعرضين بخيرات الدنيا استدراجًا لهم بسبب إعراضهم (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام:44], أما من أراد الله به خيرًا فهو من منعه بعض نعمه ليرجع إليه ويتوب.
إنّ الحرمان من الغيث والأمطار مصيبة صنعناها بأنفسنا، ونسجناها بأيدينا، وما رفع البلاء وأمطرت السماء بمثل التوبة النصوح وتصحيح ما لا يرضي الله في المجتمع.
ألسنا نتعامل بالربا ونتهاون فيه؟ ألسنا نسمح لمئات القنوات الماجنة بدخول بيوتنا عبر الأطباق الفضائية؟ ألسنا نفسح المجال في معارض الكتاب لكتب إلحادية تسبَّ ربنا وديننا؟ أليس بعض تجارنا قد منعوا الزكاة الواجبة، وآخرون أغلوا الأسعار على الضعفاء، وآخرون أغدقوا الملايين على المحرمات، أو على التفهات والرياضات، والمدربين واللاعبين، وفي بلدهم النساء الأرامل والأطفال اليتامى ممن يعيشون في فقر مدقع؟ ألا نتقي الله، وقد قال الله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [لأعراف:96].
نسأل الله أن يبصرنا بعيوبنا، ولا يفتننا في ديننا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم