العلم هو السبيل لمآربنا

الشيخ عايد بن علي القزلان التميمي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ فضائل العلم وعظم منزلة العلماء 2/ حاجة الناس كلهم للعلم في دينهم ودنياهم 3/ سمات العلم النافع 4/ العلم النافع يرفع أهله والعاملين به 5/ الحث على تعلم العلم النافع 6/ الفرق بين علوم الدين وعلوم الدنيا.

اقتباس

وليس المهم - في نظر الإسلام - هو العلم والسعي في التحصيل، وإنما يراد من وراء ذلك ما هو أهم، وهو العمل بالعلم، وتحويله إلى سلوك واقعي، يهيمن على تفكير المتعلِّم وتصرفاته. وقد يُؤتَى الإنسان من قِبَل جهله، ويؤكد ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين حذَّر من فتنة الخوارج، وأمر بقتلهم، بيَّن أنهم إنما أُتوا من قبل جهلهم، وقلة فقههم، فجنوا على أنفسهم وعلى أمتهم، ولم يشفع لهم حُسن نيتهم، وسلامة قصدهم، وكثرة عبادتهم...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل العلم ضياءً والقرآن نورًا، ورفع الذين أوتوا العلم درجات عليّة، وكان ذلك في الكتاب مسطورًا، وجعل العلماء ورثة الأنبياء، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.

 

نحمده تعالى حمدًا كثيرًا، ونشكره عز وجل وهو القائل: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط، لا إله إلا الله العزيز الحكيم، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله المعلم العظيم، بشر به المسيح والكليم، واستجيبت به دعوة إبراهيم: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة: 129].

 

اللهم فصلِّ وسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة ومنة، بخير كتاب وأفضل سنة، والقائل: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة"، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه القائمين بالحق والدعاة إليه بالألسنة والأسنة، وعلى التابعين لهم بإحسان في التعلم والتعليم.

 

أما بعد فيا عباد الله: إن العلم أصل كلِّ شيء، يحرِّر العقول من القيود، يحرِّر العقول من الأوهام، يُدِير حركة الإنتاج، يُدِير عجلة النهضة، يَقضِي على الكساد والفساد، يقضي على أمنيات الشيطان.

 

العلم أساس كل عبادة؛ فلا يمكن أن نصلِّي دون علم، فالصلاة تحتاج إلى عالِم يعلِّمنا كيف صلَّى رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - وما يقال فيها وأركانها،  ولا يمكن الصيام دون علم، فلا صلاة، ولا صيام، ولا زكاة، ولا جهاد، ولا حج دون علم؛ فالعلم هو الأساس؛ لأن كل شيء يُبنَى عليه.

 

ولكن الإشكالية هنا في الذين يأخذون من فروعِ العلم، ويتركون الأصول؛ فيحدث هدمٌ في الدين؛ لأن بناءه غيرُ مكتمل، فتقع مصائب باسم الدين، كما يحدث الآن من قتل للأبرياء، ويتوهم قاتلوهم أنهم على حق، ويرضون الله -تعالى-، وهذا ما حدث في قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وأيضًا قتل الخليفة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

 

وكذا ما حدث من فتنٍ كانتْ سببًا في حدوث انشقاقات بين المسلمين مزَّقت الأمة وفرقتها؛ فاستغلها الغرب واليهود، وانتصروا علينا؛ لأنهم لم يجدوا أمة قوية تواجههم، وعلى ذلك؛ فإن العلم لا يؤخذ إلا من العلماء الربانيين؛ حتى لا تحدث فتن وفوضى بسبب أنصاف العلماء، فالعلم الصحيح يأخذنا إلى النصر، فلا نصر بدون علم.

 

عباد الله: أعداؤنا هزمونا بالعلم؛ فقد وصلوا إلى اختراعات ساعدتْهم في كسر شوكتنا، فالعلم الدنيوي أوصلهم إلى النصر؛ فما بالنا بالعلم الشرعي الذي أُنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند الله -تعالى- الذي يعلم طبيعة خلقه، ويعلم ما يفيده، وما يضره، وما يوصله إلى الخير؟! ومن الخير أن تنتصر على عدوك، فشريعة الله سبيل إلى النصر.

 

عباد الله: وللأسف فإن الشعوب المسلمة اهتمَّت بأعراض من الدنيا لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوع، وتركوا علوم الآخرة، فتركوا الآخرة مع أن الآخرة هي الباقية، قال - تعالى -: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: 7].

 

إن الأمر خطير جدًّا، وهذا لا يعني ألاَّ نهتم بعلوم الدنيا، بل الأولى أن نهتم بالعلم الشرعي، ثم العلم الدنيوي؛ لأن الشرع هو الأصل.

 

إن العلم هو السلاح القوي الذي يعيد لنا ديننا وأرضنا وثقافتنا وعزَّتنا، العلم أرضٌ خصبة لإنباتِ رجال يعرفون ما لهم وما عليهم، من خلال أحكامٍ، وحدودٍ، وأوامرَ، ونواهٍ، هؤلاء الرجال سيكونون قادرين على تغيير هذا الواقع الأليم، وإعادة الانتصارات من جديد؛ كما كان الإسلام أيام العزة.

 

هؤلاء الرجال لديهم القدرة على مواجهة الأفكار الفاسدة، والثقافات الضالة التي تأتي من الأعداء من خلال العلم الصحيح الذي يساعد على تصحيح العقول الفاسدة، وهداية القلوب الضالة، ويمد الإنسان بدلائل الخير والإرشاد، ويفتح لنا مجالات النعيم في الدنيا قبل الآخرة، ويعيننا على قضاء حوائجنا دون إفراط أو تفريط، ويوجِّهنا إلى الطريق المستقيم والقوة المستديمة.

 

عباد الله: فإن العلم هو السبيل لمآربِنا، والتاريخُ خيرُ شاهد على ذلك؛ فعندما كان الإسلام يُطبَّق على أرض الواقع حقيقةً لا شعارًا؛ كنا أعز الأمم وأقواها وأشرفها، فالعودة إلى الأمجاد لن تأتي إلا بالاهتمام بالعلم الشرعي أولاً، ومن ثَمَّ العلم الدنيوي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، وجميع الناس محتاجون للعلم.

 

وليس المهم - في نظر الإسلام - هو العلم والسعي في التحصيل، وإنما يراد من وراء ذلك ما هو أهم، وهو العمل بالعلم، وتحويله إلى سلوك واقعي، يهيمن على تفكير المتعلِّم وتصرفاته.

 

عباد الله:

وقد يُؤتَى الإنسان من قِبَل جهله، ويؤكد ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين حذَّر من فتنة الخوارج، وأمر بقتلهم، بيَّن أنهم إنما أُتوا من قبل جهلهم، وقلة فقههم، فجنوا على أنفسهم وعلى أمتهم، ولم يشفع لهم حُسن نيتهم، وسلامة قصدهم، وكثرة عبادتهم، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (أخرجه أبو داود).

 

بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

 الحمد لله، أحمده سبحانه على ما فضَّلنا به من العقول لنعقل أوامره ونواهيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ندّ ولا مثيل يضاهيه.

 

 وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أنزل عليه القرآن رحمة للناس وليبين لهم الذي اختلفوا فيه. اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في الهدى في حاضر الزمان وماضيه..

 

أما بعد: فيا عباد الله.. أوصيكم وإياي بتقوى الله –تعالى-، وتعلُّم هذا العلم الذي يرفع الله أهله درجات، فقد أشهد الله على توحيده نفسه الكريمة والملائكة وأولي العلم، وما ذاك إلا لفضلهم وشرفهم، قال الله فيهم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].

 

 وقد ميَّز الله أهل العلم عن غيرهم بقوله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9]، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن العلماء: "العلماء ورثة الأنبياء".

 

 فمعلوم أن الأنبياء لم يُوَرَّثُوا أموالًا تُورَثُ من بعدهم، وإنما تُراثهم الذي يُورَث من بعدِهم العلم الذي خصهم الله به من علمه ليدعو الناس إليه وليعرفوا به كيف يعبدون الله، ألا وهو معرفة الله ومعرفة ما يأتون وما يذرون. قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]، فخص تبارك وتعالى مهمة الرسل التي بعثهم الله من أجلها في تعليم الناس عبادته واجتناب عبادة الطاغوت.

 

 فالواجب على كل مسلم تعلُّم ما يصلح به عبادة ربه ليعرف كيف يُصلي، وكيف يصوم، وكيف يحج وكيف يُزكي ماله، وكيف يُجاهد أعداءه وكيف يصل رحمه وكيف يكسب المال، وكيف يُنفقه وكيف يحسن إلى جاره وكيف يأكل ويشرب، فإن علم الكتاب والسنة قد أوضحا جميع ما يجب على العبد وما يُستحب وما يَحْرُم عليه وما يَكْره فإن الله تعالى يقول: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38].

 

 ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"، ألا وهي سنته -صلى الله عليه وسلم- التي هي أقواله وأفعاله وتقريراته، فعليكم يا عباد الله بتعلم كتاب الله وتعليمه أبناءكم، فإن فيه الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فجعل -صلى الله عليه وسلم- الخير في تعلم القرآن والتفقه في الدين، فإن هذا هو العلم الذي يرفع الله أهله درجات.

 

 وما عدا علم الكتاب والسنة فإن فائدته العائدة منه لقمة العيش التي ضمنها الله لكل مخلوق بقوله: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6] فلا ينبغي للمسلم أن يذهب وقته كله في تعلم علوم الدنيا فيضيع وقته و شبابه في تحصيل علم يُؤَمِّنُ لقمة العيش، ويرغب عن تعلم علم الكتاب والسنة الذي فيه الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة والذي به يكون من ورثة الأنبياء.

 

 

المرفقات

هو السبيل لمآربنا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات