العشر الأواخر

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-03-29 - 1445/09/19 2024-03-24 - 1445/09/14
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/أهمية العشر الأواخر 2/فضائل ليلة القدر 3/اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر 4/اعتكاف العشر الأواخر 5/إخفاء ليلة القدر.

اقتباس

اعلموا أن هذه العبادات تُودَع لكم في صحائفكم، وتُحفَظ لكم عند ربكم، فاللهَ الله، أروا الله من أنفسكم خيرًا، واحمدوا الله أن مكَّنكم وأمتعكم حتى بلَّغكم هذه الأيام والليالي الفاضلة، فلا تفوتنكم، ولا يسرقنها منكم اللصوص، حتى تغدو عليكم وبالاً....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي أعاد مواسم الخيرات على عباده، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخر مرةً بعد أخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها النجاة والفلاح في الدنيا والأخرى. وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبد كما الرسولُ لا يُكذّب، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أولي النهى.

 

 أما بعد عباد الله: فاتقوا الله حق التقوى؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى.

 

عباد الله: مضى من الشهر ما مضى، مضى من رمضان ما يقارب الثلثين، وبقيت أيامٌ معدودة، وفيها خير الليالي؛ ليلة القدر التي عبادةٌ فيها خيرٌ من عبادة ألف شهر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا لله -عَزَّ وَجَلَّ-.

 

نعم، يا عباد الله، هذه الليلة التي نحن مقبلون عليها هي ليلة التاسع عشر من رمضان، قف مع نفسك أيها المؤمن فحاسبها واسألها وأْطُرها على الحق أطرًا؛ ماذا أودعت فيما مضى من أيام شهرك؟ وما أنت صانعٌ فيما بقي من أيامه ولياله؟

 

ولنا في رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أسوةٌ حسنة، كيف لا وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أتدرون ما شأنه يا عباد الله؟ إذا أقبلت العشر الأخير من رمضان إن شأنه فيها الشأن العجيب، لَخَّصته أمكم أم المؤمنين عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: "كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل العشرُ أيقظ أهله وأحيا ليله وشدَّ مئزره".

 

هذه الجمل الثلاث لخصت حال نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مع نفسه، ثم حاله مع أهله في العشر الأخير من رمضان، كل ذلك يتعرض لنفحات الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ويستغل هذه المواسم الخيرة.

 

إن ليالي العشر الأخير من رمضان –يا عباد الله- هي أفضل وأشرف ليالي العام على الإطلاق؛ لأن فيها الليلة الشريفة التي أبانها الله أولاً لرسوله، ثم أخفاها عن هذه الأمة؛ ليجتهدوا ويبذلوا، ويستفرغوا وسعهم في استغلالها.

 

هذه الليلة ليلةُ القدر التي أنزل الله فيها سورةً في القرآن تبين عن شرفها، وتُبين عن فضلها، أحيا ليله فلم يحيه على مشاهدة المسلسلات والمشاهد، ولا اللعب واللهو، وإنما أحيا ليله بالصلاة والدعاء والقيام والقنوت، وأيقظ أهله ولم يكن يوقظ أهله قبل ذلك؛ يوقظهم ليستعدوا لهذه الليالي ويحيوها، ويقيمونها لله -عَزَّ وَجَلَّ- تواصيًا معهم على البر والتقوى؛ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)[طه: 132].

 

وشد مئزره -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وهو كنايةٌ عن أمرين –يا عباد الله-، أولهما: من شدة القيام وطول القنوت والعبادة؛ فهو عملٌ بدني يحتاج إلى شد وسط الإنسان، وكذلك شد مئزره فلم يكن يأتي أهله في العشر الأواخر من رمضان، لا لأن إتيان الأهل في العشر الأواخر محرم، ولكن لأنه كان يعتكفها في المسجد خلوةً بربه، تعرضًا لنفحاته وفضله، والمعتكف لا يجوز له أن يباشر أهله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)[البقرة: 187].

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بربوبيته، وإيمانًا بألوهيته، واعترافًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عاند به أو جحد وكفر، ونصلّي ونسلم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

 

أما بعد؛ عباد الله: إن من أحكام هذه العشر أن الله -جَلَّ وَعَلا- أخفى عنا فيها ليلة القدر، وهي في العشر الأخير من رمضان؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من كان منكم متحريها -أي ليلة القدر- فليتحرها في العشر الأواخر من رمضان".

 

وكان -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- يعتكف؛ والاعتكاف هو لزوم المسجد طاعةً لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان.

 

ولا اعتكاف في البيوت كما يكثر السؤال عنه؛ لأن الاعتكاف في البيوت ليس بطاعة، وإنما البيوت تُحيا بالصلاة صلاة الليل بالتهجد، وتُحيا بقراءة القرآن والدعاء، والابتهال والضراعة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

 

ثم اعلموا -أيها المؤمنون- أن هذه العبادات تُودَع لكم في صحائفكم، وتُحفَظ لكم عند ربكم، فاللهَ الله، أروا الله من أنفسكم خيرًا، واحمدوا الله أن مكَّنكم وأمتعكم حتى بلَّغكم هذه الأيام والليالي الفاضلة، فلا تفوتنكم، ولا يسرقنها منكم اللصوص، حتى تغدو عليكم وبالاً، فإن في آخر ليلةٍ من رمضان ليلة الجوائز وتُقسم يوم العيد، فالفائز من أودع في رمضان عملاً صالحًا يرضي ربه -سبحانه وَتَعَالى-، والخاسر من كان دون ذلك.

 

ثم اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم عزًا تُعز به أولياءك، وذلاً تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، وبُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم من ضرنا وضر المؤمنين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد علينا فكِد عليهِ يا خير الماكرين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم من أراد بلادنا أو أراد أمننا أو أراد ولاتنا وعلماءنا وأراد شعبنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيرهُ تدميرًا عليه، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا، اللهم تقبَّل صيامنا وصلاتنا وركوعنا وسجودنا.

 

اللهم تقبَّل منا الصيام يا رب العالمين، اللهم كن للمُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، كن لنا ولهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم ارحم المُسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقاك يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى، والعفاف والغنى، ونسألك عزًا للإسلام وأهله وذلاً للكفر وأهلهِ يا ذا الجلال والإكرام.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

العشر الأواخر.doc

العشر الأواخر.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات