عناصر الخطبة
1/ سرعة انقضاء الأيام 2/ اغتنام العشر الأواخر 3/ اجتهاد النبي الكريم في العشر الأواخر 4/ ليلة القدر 5/ الاعتكاف 6/ الصدقة في رمضاناقتباس
إن ما تبقى? من العشر يفتح أمام المجتهدين آفاقاً للكمال، وفنوناً للأعمال، فهيا إلى? بساتينها، وسراعاً إلى? رياحينها، أسوة بالصائم المجتبى?، والحبيب المصطفى?، الذي تقول عنه عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها"، وكان إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله ..
تمر الأيام مراً، وتمضي الشهور ركضا، وتطوينا الأوقات طيَّا؛ نستقبل وجه الصباح فإذا بنا في المساء، ونحيي مطلع الشهر فإذا بنا في آخره، وينتهي العام ونحن في غمرة استقباله! هكذا مضى رمضان، وانقضى شهر الإحسان، في لمح البصر، وسرعة البرق، مضى وبعضنا لا زال يُمنِّي نفسه بالعمل، ويُسَلِّي قعوده بالأمل، ويحدث نفسه بالمبادرة.
ومع كل ذلك فلا زال الباب مشرعاً، والخير متاحاً، والفرصة مواتية، وإنما الأعمال بالخواتيم، فقد بقي في الشهر بقية، وفي الموسم مجالا، ورب متأخر يسبق متقدما.
إن ما تبقى من العشر يفتح أمام المجتهدين آفاقاً للكمال، وفنوناً للأعمال، فهيا إلى بساتينها، وسراعاً إلى رياحينها، أسوة بالصائم المجتبى، والحبيب المصطفى، الذي تقول عنه عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها"، وكان إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.
واجتهاده -صلى الله عليه وسلم- في العشر ليس من باب واحد فقط، بل هو اجتهاد في شتى فنون البر، وصنوف الخير، اجتهاد في الصلاة، اجتهاد في القيام، في القراءة، في الصدقة، في الذكر والتسبيح.
إن أمتع النفحات، وأجل العطاءات التي تزينت بها أيام العشر، وتعاظم فيها الأجر ما يلي:
1- ليلة القدر: حيث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "تحروا ليلة القدر في الوِتر من العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه؛ وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
وليلة القدر هي التي أنزل فيها القرآن؛ فهي ليلة الهدى، ليلة الإشراق، ليلة الهداية: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:1-3]؛ والقدر هو الشرف العظيم، والمنزلة الكبرى، والمكانة السامقة.
وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [الدخان:3]، فهي مبدأ الوحي، وانبثاقة الهدى، وإشراقة الإيمان؛ والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وهي ليلة الحكم والتقدير، يقدر الله فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها في السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان:4].
وقد اشتملت هذه الليلة على فيوض المنافع والخيرات، والبركات والأرزاق، والمباهج الدينية والدنيوية؛ لا تعدلها ليلة، ولا يوازيها زمن، فما بالكم بمن أعرض عنها، وتنكر لها، وتنكب طريقها، وأضاعها مع ما سواها من أيام الشهر؟ وليالي العَشر، وفنون الأجر. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم" أخرجه النسائي وصححه الألباني.
وإن الاجتهاد في ليلة القدر ليس بمعنى القيام فقط؛ فالعمل فيها خير من العمل في ألف شهر غيرها، وذلك في كل شيء، والاجتهاد فيها بالقيام، وبالقراءة، وبالصدقة، وبالذكر والتسبيح، وبإدخال السرور على المسلمين، وبجماع ذلك كله وهو الدعاء واللجوء إلى رب الأرض والسماء، وأفضل ما يدعو به المؤمن: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" أخرجه الترمذي وصححه.
2- الاعتكاف: وهو لحظات إيمانية، وليال ربانية، تكثف فيها وسائل الحب، ويتفرغ فيها القلب، وتصفو الروح، وتتخلص من كل شاغل؛ ما ظنك بمن له حبيب قد تاه به حباً، علق بـه فؤاده، وأضرمَ بنارِ وَجْدِه، يهوى وصاله، ويتمنى لقاءه، ثم أتيحت له فرصة من الزمن يخلو فيها إليه، ويتحدث معه، ويرتمي في أحضانه. ماذا يكون شعوره كلما اقترب ختام الموعد، ودنا وقت الفراق؟ يخفق القلب، ويرجف الفؤاد، وتهمي الدموع، ويصبح اليوم كالساعة، والساعة كالدقيقة، ويحاول أن يتخلى عن كل شيء، ويتفرغ من كل شاغل، ليصرف ما تبقى من الوقت لحبيبه، يتلمس رضاه، وينعم بمسامرته.
هكذا يكون الاعتكاف للمحب الموله، والعاشق المدنف، والطائع الخاشع، الذي يرتمي على أعتاب حبيبه، وينحني في محراب مولاه، يمرغ الجبين، وينثر الدموع، ويعترف بالضعف، ويعتذر عن التقصير، ويرجو المغفرة، ويستغفر من الزلل، ويلح في الدعاء، ويؤكد الحب، ويوثق المودة، ويسأل الرضوان، ويشكو الذنوب، ويتقرب للجنة، ويتعوذ من النار، وينادي حبيبه، ويناجي مولاه، ويترنم بكلامه، ويلهج بقرآنـه.
هجر الفراش الوثير، والمرأة الجميلة، والأبناء المحبين، وعرض الدنيا، ومشاغل الحياة، وباع قلبه وفكره ووجدانه للواحد الحي الملك القيوم، الذي لا يخيب مَن رجاه، ولا يرد من دعاه؛ يا الله! يا بشرى للمعتكفين! يا بشرى للعابدين! يا بشرى للسابقينَ! إنها رحلة إلى الله، فمن يأباها؟ وخلوة مع الله، فمن ينساها؟ وسياحة إلى الله، فمن يفرط فيها؟ ونزهة مع الله، فمن يضيعها؟!.
الاعتكاف هو لزوم المسجد للطاعة، والمكوث فيه للعبادة، وليس شرطاً أن يكون ذلك في الحرم، بل في أي مسجد، وهو مسنون في كل وقت، ولكنه آكَـدُ وأفضل وأجَـلُّ في رمضان، فلا تحرم نفسك لو لم يكن إلا يوماً واحداً، ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله.
وللاعتكاف شروط مهمة، وهي:
1/ النية الصادقة.
2/ أن يكون المسجد الذي تقام فيه الجماعة.
ولا يجوز للمعتكف الخروج من معتكفه إلا لما لا بد منه، ولا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة إلا إذ اشترط ذلك في اعتكافه، كما يحرم على المعتكف مباشرة زوجته، لقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة:187].
ويجوز للمعتكف الحديث مع من يأتيه، وله أن يتطيب، ويغتسل، وما إلى ذلك. ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف، وتغسله عائشة -رضي الله عنها- وهي حائض.
3- الصدقة: كما أحسن الخالق سبحانه إلى عباده، كما جاد عليهم، كما أغدق لهم، كما تفضل، كما أحسن، كما أعطى، فإن عباده المؤمنين، وأولياءه الطائعين، يمتثلون خلق العطاء في رمضان، ويفيضون فنون البذل في شـهر الإحسان، يعطون؛ علّ الله أن يعطيهم، ويحسنون ليحسن إليهم، ويجودون؛ ليجود عليهم، ويتصدقون؛ ليتصدق عليهم بعطائه وعفوه وغفرانه.
فالصدقة والبذل والزكاة في كل وقت، وفي أي زمن، ولكنها في رمضان أكثر أجراً، وأوفر عطاءً، وهي ما يُجتهَد فيه في العشر الأواخر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال" أخرجه مسلم؛ وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل" أخرجه مسلم؛ وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه، فرباها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله؛ وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا" أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وهو بنحوه في الصحيحين.
والصدقة في رمضان نوعان: الواجبة، وهي الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام؛ والمندوبة المؤكدة، وهي فنون العطاء والبذل والإحسان التي أمر الله بها ونبيُّه -صلى الله عليه وسلم-.
ومما يجب التنبيه عليه، والتذكير به للمتصدقين والمتصدقات، والمحسنين والمحسنات، ما يلي:
1/ النية الصادقة، وأن يكون العطاء لله تعالى، لا ليُقال معطاء أو محسن أو غني أو غير ذلك.
2/ أن لا يتبع الإنسان ما أنفق مناً ولا أذى.
3/ وهو أهمها: أن لا يبقى الإنسان يتلمس بصدقته البعيد وينسى القريب، فكم من أناس آباؤهم وأمهاتهم وإخوانهم وأرحامهم في أمسِّ الحاجة وهم يُعرضون عنهم، ولا يلتفتون إليهم، ويصل جودهم للبعيد في وقت يتحرق فيه القريب، مع أنه أولى إحساناً، وأعظم أجراً، وأكمل خلقاً؛ سأل أحد الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَن أُبِرّ؟ قال: "أمك". قال ثم مَن؟ قال: "أمك". قال: ثم مَن؟ قال: "أمك". قال: ثم مَن؟ قال: "ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب" الترمذي وصحَّحه.
واستمعوا -أيها الناس- إلى هذا الوعيد الشديد، والتخويف المهيب لمن منع قريبه، أو حرم رحمه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج الله له من جهنم حية يقال لها شجاع، يتلمظ فيطوق به" أخرجه الطبراني وحسنه الهيثمي؛ ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "أيما رجل أتاه ابن عمه يسأله من فضله فمنعه، منعه الله فضله يوم القيامة" أخرجه الطبراني وحسنه الألباني، فبادروا بالصدقة، وأحسنوا بالإحسان، وجودوا من جود الكريم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم