العدل وذم الظلم

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/فضل العدل وأهميته 2/العدل مع الأعداء 3/مفاسد الظلم 4/عقوبات الظالمين في الدنيا والآخرة 5/ظلم العمال والأجراء

اقتباس

عباد الله: إن من أعظم الطاعات، وأجلّ القربات العدلُ ونبذ الظلم, فبالعدل يسود الأمن والطمأنينة في المجتمعات، ويشعر صاحبه براحة الضمير، وقُرْبه من العزيز القدير. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا قيل: إنَّ الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت...

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً)[الأحزاب: 7071].

 

عباد الله: إن من أعظم الطاعات، وأجلّ القربات العدلُ ونبذ الظلم, فبالعدل يسود الأمن والطمأنينة في المجتمعات، ويشعر صاحبه براحة الضمير، وقُرْبه من العزيز القدير.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا قيل: إنَّ الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.

 

ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.

 

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس ذنب أسرع عقوبةً من البغي وقطيعة الرحم".

 

فالباغي يُصرع في الدنيا، وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة...

 

وذلك أنَّ العدل نظامُ كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بالعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة[الاستقامة 474-475].

 

وقد حث الإسلام على العدل حتى مع الكفار والأعداء، قال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

 

وهذا عبد الله ابن رواحة، أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى يهود خيبر؛ ليأخذ الخراج والجزية مما في أرَاضِيهم، فحاولوا إعطاءه رشوة؛ ليخفف عنهم الخراج، فقال لهم: "يا أعداء الله تُطعِمونِي السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليّ ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير, ولا يحملني بغضي إياكم, وحبي إياه على أن لا أعدل بينكم" فقالوا: بهذا قامت السماوات.

 

والظُلمُ حرمه الله على نفسه, قَالَ تعالى في الحديث القدسي: "يَا عبادي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نفسي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا "[رواه مسلم].

 

والظُلمُ ظلماتٌ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "[متفق عليه].

 

والظالم في الدنيا لابُدَّ أن يقتصَّ منه يوم القيامة, قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ، أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فطرح في النار"[رواه البخاري].

 

والظُلمُ مُحرم ولو كان شيئا يسيرا، قال عليه الصلاة والسلام: "مَن اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار" فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا؟ فقال: "وإن قضيبا من أراك".

 

وقد توعد الله تعالى الظالمَ بعقوبات كثيرة:

 

قال تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ)[غافر:18].

 

وقال تعالى: (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)[الزمر:24].

 

والله تعالى يمهل ولا يهمل، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود:102].

 

ولا تعجل على أحدٍ بظلمٍ *** فإنَّ الظلمَ مَرْتَعُهُ وخيمُ

 

فالظَّالمَ خصمهُ الله تعالى يوم القيامة، قَالَ اللهُ تعالى في الحديث القدسي: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ".

 

أما والله إن الظلمَ لُؤمٌ *** وما زال المسيءُ هو الظلوم

إلى ديَّانِ يومِ الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصوم

ستعلم في الحساب إذا التقينا *** غدا عند الإله مَن الملوم

 

نعم، سيعلم الظالم وقاحة ظلمه، وشناعة جرمه؛ يوم أن يقف بين يدي الله الحكم العدل، ويُوضعَ ميزانُ العدالة، سيعلم الظالم قُبح فعله, يومَ يجمعُ اللهُ الأولين والآخرين، ويقول: "أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ وعزتي وجلالي! لا تنصرفون اليوم ولأحدٍ عندَ أحدٍ مظلمة، وعزتي وجلالي! لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم".

 

لن يجاوز جسر جهنم أحدٌ وهو ظالم، حتى يقتصّ الله تبارك وتعالى منه.

 

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].

 

قال الفضيلُ بن عياض: "والله ما يَحِلُّ لك أن تؤذيَ كلباً ولا خنزيراً بغير حقٍّ، فكيف تُؤذي مسلماً"[السير(تهذيبه) 2/774)].

 

وقال الشافعي: "بئسَ الزادُ إلى المَعَادِ العدوانُ على العباد"[السير(تهذيبه) 2/849)].

 

وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: "إن أبغض الناس إلي أن أظلمه من لا يستعين علي إلا بالله عز وجل"[الحلية (تهذيبه) 177/1)].

 

وكان معاوية يقول: "إني لأستحيي أن أَظلِم من لا يجد عليّ ناصراً إلا الله"[عيون الأخبار 115/ 1)].

 

وكتب أمير المؤمنين عُمرُ بنُ عبد العزيز إلى بعض أمرائه, فقال: أمَّا بعدُ، فإذا دَعَتْكَ قُدْرَتُك على النَّاس إلى ظُلمِهمْ، فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونَفَادَ ما تَأتِي إليهم، وبَقَاء ما يأَتُونَ إليك[السير(تهذيبه) 2/589)].

 

أي: أن ظلمك لهم سينتهي ويزول بموتك أو مرضك, وتبقى عواقب الظلم وحسراته, فلن تضيع يوم القيامة.

 

وكان رحمه لله إذا أراد أن يُعاقِبَ رجلاً حبسه ثلاثاً، ثم عاقبه بعد ذلك كراهية أن يعجلَ في أوَّل غضبه[السير (تهذيبه) 2/590)].

 

وعن يحيى الغساني قال: لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل، قدمتها فوجدتها من أكبر البلاد سرقةً وجريمة، فكتبت إلى عمر أُخبره حال البلد، وأسأله: هل آخذ من الناس بالمظنة؟، وأضربهم على التهمة؟ أو آخذهم بالبينة والدليل وما جرت عليه عادة الناس؟ فكتب إلي أن آخذ الناس بالبينة وما حكم به القرآن والسنة، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله قال يحيى: ففعلت ذلك فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد، وأقله سرقةً وجريمة [الحلية (تهذيبه) 2/204)].

 

هكذا ينبغي أن يقوم به من تولى شيئاً من أمور المسلمين, كإدارة أو رئاسة ونحوها، يجب عليه أن يتجنب الظنّ السيئ بالآخرين، أو التجسس على من تحت يده من موظفين وغيرهم، وليحذر من التّسلُّط عليهم وبخسهم حقهم، قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم من وليي من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه " [رواه مسلم].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا.

 

عباد الله: ومن الظلم ما يفعله بعض الناس، حيث يستأجر أجيراً أو عاملاً, فلا يعطيهم أجورهم وحقوقهم، أو يماطل في ذلك.

 

ألا فليتق الله في هؤلاء الضعفاء, الذين ألجأهم الفقر وضيق العيش, إلى أن يقطعوا المسافات البعيدة, ويتركوا أهلهم وأبنائهم, ليحِصِّلوا على لقمة العيش.

 

فإذا كان هذا المسكين لا يستطيع أخذ حقه، والإدلاء بحجته؛ فليعلم أن حجيجه وخصمه هو الله تبارك وتعالى, روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى في الحديث القدسي: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمَه خصمته" وذكر منهم: "ورجل استأجر أجيراً فاستوفى من العمل ولم يعطه حقه". 

 

 

 

 

 

المرفقات

وذم الظلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات