العبور على جسر جهنم: اللهم سلم سلم

حسين بن حمزة حسين

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/المقصود بالصراط 2/عبور المؤمنين الصراط إلى الجنة وسوق الكفار إلى النار 3/أول الناس مرورا على الصراط 4/أهوال المرور على الصراط وحال الناس عند المرور عليه 5/وقوف الأمانة والرحم على الصراط 6/من استقام في الدنيا سهل عليه المرور على الصراط في الآخرة

اقتباس

إن لله في الدنيا صراطا، وإن له في الآخرة صراطا، فمن استقام على صراط اللـه في الدنيا بفعل الطاعات، وترك المحرمات؛ ثبّته اللـه في الآخرة على ذلك الصراط، وإلا تخطّفته كلاليب جهنم، وهلك مع...

الخطبة الأولى:

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33]، وإن من أهوال يوم القيامة التي أثبتها الله -تعالى- في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلمَ-: العبور على الصراط، والصراط جسر فوق جهنم ما بين أرض المحشر والجنّة يضربه اللـه -جل وعلا- على ظهر جهنم، يعبر من فوقه المؤمنون إلى الجنة، أما أهل الكفر فيساقون من أرض المحشر إلى النار، ويُدخلون من أبوابها، قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)[الزمر: 71]، فعندها ينتهي أمر الكفرة والمشركين إلى دار البوار: (وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[البقرة: 202]، (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)[إبراهيم: 29]، فيبقى في أرض المحشر أتباع الرسل الموحدون، وفيهم أهل النفاق، وأهل الذنوب والمعاصي، العصاة من أمة الإسلام من ماتوا على الكبائر ولم يتوبوا، الزناة وأهل الخمور والمخدرات، وأكلة الربا، وأشباهُهم؛ فتُلقى عليهم الظّلمة قبل الجسر.

 

فعن عائشة -رضي َالله عنها- قالت: سئل الرسول -صلى الله عليه وسلمَ-: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال: هم في الظلمة دون الجسر"(رواه مسلم)، يقول شارح "الطحاوية": "وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلّفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال بينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم، روى البيهقي بسنده عن مسروق عن عبد الله قال: "يَجْمع الله الناس يوم القيامة إلى أن قال: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره في إبهام قدمه، يضيء مرة ويُطفأ أخرى، إذا أضاء قدّم قدمُه، وإذا أطْفأَ قام، قال: فيمرّ ويمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة، ويقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرجل، يرمل رملاً على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، تَخِرّ يَدْ، وتعلق يد، وتَخِرّ رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون فإذا خلصوا، قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك، بعد أن أراناك، لقد أعطانا ما لم يعط أحد"(والحديث رواه الطبراني، وقال الألباني في شرح العقيدة الطحاوية صحيح).

 

وقال تعالى مثبتا مشهد مرور المؤمنين على الصراط: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[الحديد: 12 - 15]، وقال تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8]، روى مسلم في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون".

 

وأول من يجيز على الصراط: نبينا محمد -صلى الله عليه وسلمَ- معه أمته، وأول أمته فقراء المهاجرين، ثم يتبعه باقي الأمم؛ قال عليه الصلاة والسلام: "ويُضرَبُ الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها"(رواه البخاري: 7437)، حتى جاء في رواية: "أنهم يَفْسَحون الطريق يميناً وشمالاً لمحمد وأمته".

 

ومن هول ذلك اليوم: قال عليه الصلاة والسلام: "ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلّم سلّم"(رواه البخاري: 7437).

 

عند الصراط الصمت والظلام الخوف والرعب، هناك لا تسمع لجهنم إلا تغيظا وزفيرا، عن عبد الله بن مسعود -رَضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "يرد الناس كلهم النار ثم يصدرون منها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق, ثم كمر الريح, ثم كحضر الفرس, ثم كالراكب, ثم كشد الرجال، ثم كمشيهم"(صححه الألباني، وقال: صحيح على شرط مسلم).

 

وهناك من الناس من يزحف على الصراط زحفاً؛ فعن أبي هريرة -رضي َالله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلّم سلّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً"(رواه مسلم)، وفي رواية أبي سعيد الخدري يصف آخر من يمر على الصراط، وفيه يقول النبي -صلى الله عليه وسلمَ-: "حتى يمر آخرهم يسحب سحباً"(رواه مسلم)، وفي رواية ابن مسعود موقوفا: "ثم يمر الرجل سعياً، ثم يمر الرجل ماشياً، ثم يكون آخرهم رجلاً يتلبط على بطنه، يقول: يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: إنما أبطأ بك عملك!"(رواه الحاكم).

 

إخوة الإيمان: تقف الأمانة والرحم على الصراط؛ كما قال صلى الله عليه وسلمَ: "وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً"(رواه مسلم)، وما ذاك إلا لعظيم شأنهما، قال الطيبي "فتح الباري": "ويمكن أن يكون المراد بالأمانة ما في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ)[الأحزاب: 72]، وصلة الرحم ما في قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)[النساء: 1]، فيدخل فيه معنى التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله، فكأنهما اكتنفتا جنبتي الإسلام الذي هو الصراط المستقيم، وفطرتي الإيمان والدين القويم".

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن لله في الدنيا صراطا، وإن له في الآخرة صراطا، فمن استقام على صراط اللـه في الدنيا بفعل الطاعات، وترك المحرمات؛ ثبّته اللـه في الآخرة على ذلك الصراط، وإلا تخطّفته كلاليب جهنم، وهلك مع الهالكين، قال تعالى: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مريم: 71 - 72]، فما هي إلا لحظةٌ واحدة يأذن الله، فتخرج الروح إلى بارئها ومولاها، فإذا العبد أمام الأهوال، وإذا هو في الظلمة بين يدي الصراط، وهو واردٌ لا محالة.

يقول الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "فتفكر الآن فيما بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك، وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض، فضلاً عن حدة الصراط؛ فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته، واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني، والخلائق بين يديك يزلون ويعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب، وأنت تنظر إليهم، كيف يُنكَّسون فتسفل إلى جهة النار رؤوسهم، وتعلو أرجلهم، فيا له من منظرٍ ما أفظعه! ومُرْتَقَىً ما أصعبه! ومجاز ما أضيقه!"(التذكرة).

 

اللهم أنت حسبنا في الدنيا والآخرة، واللهم أنت نعم الوكيل، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك...

 

 

المرفقات

العبور على جسر جهنم.. اللهم سلم سلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
جهانزیب ترابی
31-10-2019

شکرا منکم