عناصر الخطبة
1/الغاية من الخلق 2/أهمية العبادة في أوقات الفتن 3/التحذير من تهويل الفتن 4/وجوب الابتعاد عن الإحباط واليأس 5/المداومة على الطاعة في أزمان البلاء.اقتباس
الذي يجمع قلبه على ربه -تعالى- في أزمان البلاء؛ يهتم بصلاته ويحافظ عليها، يحافظ على الأذكار وتلاوة القرآن، يحافظ على حُسْن الخلق وعلى الصلة؛ فكأنه هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعلوم أجر الهجرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-....
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب:70].
عباد الله: خلقنا الله لعبادته وطاعته وحده لا شريك له؛ عبادة نعيشها بقلوبنا وجوارحنا، نعيشها حضرًا وسفرًا، برًّا وبحرًا وجوًّا، أمنًا وسلمًا، وحربًا وخوفًا.
بل إن الله -تبارك وتعالى- جعل العبادة في أوقات الفتن، أوقات الحرب والحروب والفتن والشائعات من أعظم العبادات وأجلّها قدرًا وأجرًا؛ لأن الناس في أوقات الفتن وأوقات الهرج وأوقات الحرب ينشغلون عن العبادة بما يدور حولهم؛ ينسون الذِّكر يتركون تلاوة القرآن، وربما تركوا صلاة الجماعة، يوسوسون في الصلاة وينقرونها نقر الغراب للدم.
ينشغلون بالإرجاف والشائعات التي تنهال عليهم كل ساعة من الداخل والخارج؛ ولذلك جعل الله -تعالى- مَن يحافظ على عبادته، جعل مَن يحافظ على دينه ممن يُعظِّم أجرهم ويزيد إحسانهم وقربهم منه -سبحانه-.
وتأملوا هذا الحديث العظيم الذي رواه الصحابي الجليل معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ"(صحيح مسلم)، والهرج كما قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرح الحديث: "الفتنة وأيام الفتن واختلاط أمور الناس، وكذلك في حال الحرب والقتال، وكذلك في حال الخوف والذعر، في حال الفوضى الاقتصادية أو الفوضى الاجتماعية أو فوضى الفتوى؛ فالناس في أمر مريج".
فالذي يجمع قلبه على ربه -تعالى- في أزمان البلاء؛ يهتم بصلاته ويحافظ عليها، يحافظ على الأذكار وتلاوة القرآن، يحافظ على حُسْن الخلق وعلى الصلة؛ فكأنه هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعلوم أجر الهجرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ما هو أجر المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم وأهليهم، الذين تركوا البلاد والأهل والمال من أجل الله، من أجل الفرار بالدين، من أجل اللحاق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أولئك لا يصل إلى درجتهم أحد ممن جاء بعدهم؛ قال -تعالى-: (لَا يَسْتَوِي مِنكُمْ مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[سورة الحديد: 10].
فالناس -أيها الناس- في زمن الفتن يبتعدون عن الدين أو يغفلون، وسبب ذلك انشغالهم بالأحداث الجارية، يشغلون بها تفكيرهم وألسنتهم ومجالسهم وأسواقهم واجتماعاتهم ومناسباتهم إلا من رحم الله، الجميع -إلا مَن قلَّ- مشغولون عن الله وعن عبادته؛ فالعابد المتمسك بدينه في مثل هذه الشواغل له أجر المهاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فالله الله -أيها الناس-، تمسكوا بدينكم في زمن الفتن، أقبلوا على الله -تعالى-، تقلدوا الحكمة، كونوا حكماء فيما ترسلون وفيما تسمعون وفيما ترون، ألحّوا على الله -تعالى- في الدعاء بأن ينصرنا على أهل الباطل بأن يسدد ولي أمرنا، بأن يهدي شبابنا ويحفظهم من أهل الغواية والانحراف، بأن يخذل النصارى واليهود والمجوس والمنافقين ويرد كيدهم عنا وعن ديننا وبلادنا.
لا ينبغي أن تلهينا الأحداث عن الله، فالله ناصرنا، والله كافينا، والله هادينا، والله مولانا ولا مولى لهم، أكثروا من ذِكْر الله، حافظوا على الصلوات في المساجد، أقبلوا على تلاوة القرآن، أكثروا من النوافل، الجأوا الله في الشدائد، ادعوا الله أن ينصرنا على المجوس، وأن يرد كيدهم في نحورهم.
اللهم يا مقلب القلوب ثبِّت قلوبنا على طاعتك، اللهم ثبِّتنا على دينك وعلى سُنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله: لا تسيطر الأحداث على عقولنا وتصرفاتنا ثم نقصر في علاقتنا بربنا -تعالى-، نقصر في الصلاة وفي الدعاء نصبح من الغافلين، لنحذر من هذا، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم"؛ قالوا: يا نبيَّ اللهِ أو منهم؟ قال: "بل منْكم"(السلسلة الصحيحة للألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ ورائِكم زمان صبرٍ، لِلْمُتَمَسِّكِ فيه أجرُ خمسينَ شهيدًا منكم"(صحيح الجامع للألباني).
بل إن المحافظين على طاعتهم في مثل هذه الفتن قد يدفع الله به البلاء عن البلاد والعباد، قال بعض السلف: "ذاكِر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة، لولا مَن يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس؛ إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله".
نحذر -أيها الناس- أن يصيبنا الإحباط واليأس والقنوط عندما نرى الأحداث وغلبة أهل الباطل لا نيأس لا نقنط لا نُحبط؛ فـ(إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[سورة يوسف: 87].
نحذر -أيها الأحبة- من التهويل والتكبير للأمور، لا نعطيها أكثر مما تستحق، لا نخيف الناس والجهلة والصغار والنساء، نحذر أن نكون ممن قال الله فيهم: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ...)[سورة النساء: 83]، أناس مثل الإذاعات ووكالات الأنباء يسمعون الخبر ويزيدون عليه مثلهُ عشر مرات، أشغلوا الناس وخوفوهم.
لنصبر، لنثبت، لنقبل على الله -تعالى- ونتمسك بدينه وكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولنعلم أن المؤمن مبتلى فلنصبر على البلوى، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[سورة النور: 55].
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[سورة العنكبوت: 2-3]، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)[سورة آل عمران: 142].
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة أن تخذل المجوس أينما كانوا ومن يريد بنا وبديننا وبلادنا سوء، اللهم أعم بصائرهم وأبصارهم، اللهم انصر جنودنا، اللهم سدِّد ولي أمرنا.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم