العالم في يوم عاصف

حسان أحمد العماري

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ كثرة الأحداث المأساوية في الآونة الأخيرة 2/ خطورة أمن مكر الله وإمهاله 3/ ضرورة الاعتبار بهلاك الظالمين 4/ بعض أسباب هلاك الأمم والأفراد 5/ موقف المسلم من الظواهر الكونية 6/ خطأ نسبة الكوارث إلى الطبيعة 8/ الريح جند من جنود الله -تعالى-.

اقتباس

اليوم مع فساد البشرية هنا وهناك، ومن مكان إلى آخر، والجرأة على الله بالمعاصي والذنوب، فإن الله -عز وجل- يرسل بالآيات إنذاراً وتخويفاً وعقاباً، ويعيش العالم هذا الزمان في يوم عاصف، في كل المستويات، بمشاكله وصراعاته وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، عند هذا كله، يرسل المولى -سبحانه وتعالى- بعض جنوده، كالريح والأعاصير والفيضانات، تدمِّر كل شيء بأمر ربها، وما يحدث في البحر الكاريبي وسواحل أمريكا من فيضانات وأعاصير لا تُبقِي ولا تذر، إعصار هارفي وإيرما...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله فاطرِ الأرض والسموات، عالم الأسرار والخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمة وحلماً. وقهَر كل مخلوق عزة وحكماً، يعلم ما بين أيديهم وما خلفَهم ولا يحيطون به علماً. لا تدركه الأبصار، ولا تغيِّره الدهور والأعصار، ولا تتوهّمه الظنون والأفكار، وكل شيء عنده بمقدار، خلق الإنسان فكرمه وحذره من الطغيان وفهمه.

 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة من عرف الحق والتزمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صدع بالحق وأسمعه، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسائر من نصره وكرمه، وسلِّم تسليماً كثيراً.

 

أمَّا بَعْـد: عبـاد الله: إن في تقلب الدهر عجائب، وفي تغيُّر الأحوال مواعظ، توالت العقبات، وتكاثرت النكبات، وطغَت الماديات على كثير من الخلق فتنكَّرُوا لربهم ووهنت صلتهم به.. حتى تعلقَ الناسُ بالناسِ، واعتمد الناس على الناس، وذلَّ بعضهم لبعض، وأرضى بعضهم بعضًا ولو سخط الله، وذهبت القِيَم والأخلاق؛ فكان الطغيان في الأرض، ونسي كثيرٌ من الخلق أن لهم ربّاً، وأن بيده كل شيء، وأنه لا يُعتمد إلا عليه، وأنهم فقراء إليه؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15].

 

ولقد دعانا الله -سبحانه وتعالى- إلى التفكر في قوته وعظمته حتى لا نطغى في الأرض؛ فيكون هذا الطغيان سبباً للفساد والظلم والانحراف عن منهجه؛ فقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ -سبحانه وتعالى- عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67].

 

وبيَّن -سبحانه وتعالى- أن سوط عذابه مسلَّط على مَن بغى في الأرض بغير الحق فقال -تعالى-: (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40]..

 

كم من حروب وصراعات، وزلازل وبراكين، وسيول وأمطار، ورياح وأعاصير، وفيضانات دمرت مدناً، وأبادت حضارات، وأزهقت أرواحاً في لحظات معدودة!! وكم من أناس عاشوا حياتهم في ذنوب ومعاصٍ، وكِبْر وعُجب، وظلم وإفساد في الأرض، فكيف كانت نهايتهم قال -تعالى-: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 52].

 

وإنها لرسالة للأمم والدول والشعوب والأفراد أن لا يأمن أحدهم مكر الله وإمهاله؛ فما بين لحظة وأخرى يغار الله على حرماته وحدوده التي تُنتهك، فيرسل جنوده ويحل عليهم عقابه، قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 96 – 99].

 

وهذا قارون أنعم الله عليه بالمال والجاه وكثرة الأتباع، فتكبَّر على الله واغترَّ بقوته وسلطانه قال -تعالى-: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص 76- 77].

 

فكان رد قارون جملة واحدة تحمل شتى معاني الفساد: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)؛ فماذا كانت نتيجة هذا البغي والظلم والاغترار بالقوة والسلطان؟ قال -تعالى-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) [القصص: 81].

 

معاشر المسلمين: اليوم مع فساد البشرية هنا وهناك، ومن مكان إلى آخر، والجرأة على الله بالمعاصي والذنوب، فإن الله -عز وجل- يرسل بالآيات إنذاراً وتخويفاً وعقاباً، ويعيش العالم هذا الزمان في يوم عاصف، في كل المستويات، بمشاكله وصراعاته وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، عند هذا كله، يرسل المولى -سبحانه وتعالى- بعض جنوده، كالريح والأعاصير والفيضانات، تدمِّر كل شيء بأمر ربها، وما يحدث في البحر الكاريبي وسواحل أمريكا من فيضانات وأعاصير لا تُبقِي ولا تذر، إعصار هارفي وإيرما.

 

وهناك فيضانات في الهند والصين وجنوب شرق آسيا، وفي غيرها من المناطق والدول، وهناك جفاف وقحط وارتفاع في درجة الحرارة في دول أخرى، وهناك حروب وصراعات في بلدان شتى، وهكذا غدا العالم في يوم عاصف، (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) [إبراهيم:18].

 

والكفر بالله، كفران، كفر جحود وتكذيب، وكفر نعم بعدم شكر المنعم –سبحانه-، بعدم الحفاظ عليها واستعمالها فيما أمر، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم:28].

 

فمن أسباب هلاك الأمم والأفراد الكفر بنعم الله -عز وجل- وعدم القيام بواجب شكرها؛ قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ  كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ: 15-19].

 

أيها المؤمنون: إن كثيرًا من الدول والأمم والمجتمعات غالبًا ما تعمل لهذه الرياح والأعاصير ألف حساب؛ فتقرأ الأحوال الجوية، وتتنبأ بوقت ومكان حدوثها، وتتخذ من أجلها الاحتياطات، وتشغيل الإنذارات، وتجهيز الملاجئ، ومع هذا كله إلا أنها لا تتجاوزهم إلا بخسائر فادحة في الأرواح والأموال وتلف في الممتلكات والبنية التحتية وتصل هذه الخسائر إلى مليارات من الدولارات، إلى جانب المعاناة والشدة والضيق وسوء الأحوال.. ولقد شاهدنا ورأى العالم، كيف تقتلع هذه الرياح والأعاصير البنايات الشاهقة والأشجار والمطارات والمحطات والطرقات والسدود والحواجز، فلا يقف أمامها شيء؛ فسبحان الله جلت قدرته!!

 

ومن العجيب نسبة هذه الظواهر إلى الطبيعة وغضب الطبيعة، وتغير الأحوال المناخية كما يقول العلمانيون والليبراليون واللادينيون، وهذه القول دفع بعض قساوسة النصارى في أمريكا إلى القول بأن سبب هذه الأعاصير والرياح غضب من الله بسبب زواج المثليين، وهو زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فكيف بالمظالم والذنوب والجرائم الأخرى التي تملأ العالم.

 

عبـــاد الله: إن الريح جند من جنود الله -تعالى- التي لا يقاومها شيء، فإذا خرجت عن سرعتها المعتادة –بإذن ربها– دمَّرت المدن، وهدمت المباني، واقتلعت الأشجار، وصارت عذابًا على مَن حلت بدارهم فلما عتا قوم عاد وقالوا (مَن أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]، أرسل الله عليهم الريح العقيم فقال -جل وعلا-: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات: 41- 42].

 

قال البغوي: "هي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقِّح شجرًا، ولا تحمل مطرًا، ما تذر من شيء أتت عليه من أنفسهم وأنعامهم ومواشيهم وأموالهم إلا جعلته كالرميم، أي كالشيء الهالك البالي، وهو نبات الأرض إذا يبس وديس. قال مجاهد: كالتبن اليابس (تفسير البغوي ج4/ص233).

 

وقد سماها الله -تعالى- (عاتية) في قول: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) [الحاقة: 6]، قال المفسرون: "عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة"، وقيل: "عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب".

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم الريح والغيم، عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر‏.‏ فإذا مطرت، سُرَّ به، وذهب عنه ذلك‏.‏ قالت عائشة‏:‏ فسألته‏.‏ فقال‏:‏ "‏إني خشيت أن يكون عذابًا سُلِّط على أمتي" (رواه مسلم‏‏)‏.

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال‏:‏ "اللهم‏!‏ إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به‏.‏ وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به" (رواه مسلم).

وقد قال الله عن قوم هود عندما أرسل علهم الريح: (فلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الأحقاف: 24].

 

فلم يظنوا في السحابة التي أظلتهم سوى أنها ظاهرة كونية قد تتسبب في نزول المطر، خاصة وأنهم كانوا مُمْحِلين محتاجين إلى المطر. ولكن لم تكن هذه الغمامة سوى العذاب.

 

وكما أن الرياح جند من جنود الله يسلطها على من يشاء؛ فإنها أيضًا خلق من خلق الله يسخرها لمن يشاء من عباده، قال المولى -تبارك وتعالى-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) [الأنبياء:81]، وقال -تعالى-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) [سـبأ: 12]، قال قتادة: "تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار؛ فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين". (زاد المسير – ابن الجوزي ج6/ص 43).

 

كيف لا وهي جند من جنود الله ينصر بها من يشاء من عباده المؤمنين كما حصل في غزوة الخندق؟!

 

قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب: 9]. روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "هي الصبا كفأت قدورهم، ونزعت فساطيطهم –خيامهم- حتى أظعنتهم" (معاني القرآن – النحاس ج5/ص32).

 

وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نُصِرْتُ بالصبا، وأُهْلِكَت عاد بالدَبور"، والصبا هي الريح الشرقية، والدَبور هي الريح الغربية (شرح النووي 6/19).

 

اللهم عاملنا بلطفك ورحمتك، واهدنا بهداك ولا تكلنا لسواك.. قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

 

الخطــبة الثانــية:

 

عبـاد الله: إن الله -تعالى- يرسل الآيات والنذر ويدعو الناس للاعتبار، ذلك أن الله يُملي للظالمين وأعوانهم ويُمهلهم إلى أجل مسمى قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم: 42]. قال ميمون بن مهران -رحمه الله-: "هذه الآية وعيدٌ للظالم وتعزيةٌ للمظلوم. فالظالم ينتظر العقوبة والمظلوم ينتظر الفرج..".

 

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذهُ لم يفلته ثم قرأ قوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]".

 

فلنتذكر قوة الله وشدة سطوته؛ حتى لا نكون ممن يبغون في الأرض ويعيثون فيها فساداً... ورحم الله من قال:

لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم ترجع عقباهُ إلى الندم

تنامُ عـيناك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعينُ الله لم تنم

 

مرَّ أسد بن عبد الله القسري -وكان على خراسان أميراً كريماً- على السجن فإذا رجل يقول له: "إن كنت تعطي لترحم فارحم مَن تظلم، إن السموات تنفرج لدعوة المظلوم فاحذر من ليس له ناصر إلا الله، ولا جُنَّة له إلا الثقة بنزول التغيير، ولا سلاح له إلا الابتهال إلى مَن لا يعجزه شيء.. يا أسد: إن البغي يصرع أهله، والبغي مصرعه وخيم، فلا تغتر بإبطاء الغياث من ناصر متى شاء أن يغيث أغاث، وقد أملى القوم كي يزدادوا إثمًا". (ذم البغي لابن أبي الدنيا ص79).

 

أيهـــا المؤمنــون؛ عبــاد الله: لو أدرك كل إنسان منا أنه ضعيف مهما بلغت قوته وكثرت أمواله، وزاد أتباعه؛ هل يمكن أن يتجرأ على سفك الدماء وهتك الأعراض، وأخذ الأموال؟! إنه لا يمكن أن يفعل ذلك؛ لأن سُنَّة الله له بالمرصاد ولن ينفعه ما في الأرض جميعاً بين يدي الله يوم القيامة قال -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر: 47]، وقال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء: 123 – 124].

 

ولنتذكر الاخرة ولقاء الله بالتوبة والعمل الصالح ورد الحقوق والمظالم إلى أهلها، ولنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولنحافظ على أخوتنا وأخلاقنا وقيمنا؛ لنكون أهلاً لرحمة الله وعفوه ومغفرته...

 

اللهم أصلح ما فسد من أحوالنا، واهدنا سبلنا، وألِّف بين قلوبنا.

 

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، وألف بين قلوبنا، واجمع كلمتنا وخذ بنواصينا إلى كل خير، هذا وصلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

المرفقات

اتباع الهوى وأثره في الحياة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات