العاقبة للمتقين .. حصار دماج

محمد بن عبد الله الإمام

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ العاقبة للمؤمنين 2/ ابتلاء المؤمنين بالفتن وتأخر النصر لتمحيصهم 3/ تأييد الله ونصره للمؤمنين المخلصين الصادقين 4/ الغاية من ابتلاء المؤمن بالمكروه 5/ محاصرة الحوثيين الظالمة لأهل دماج 6/ دعوة الحوثيين لإزالة هذه السوءة الكبيرة والفضح التاريخي 7/ وجوب تعاون الجميع وتمسكهم بالإسلام لإزالة هذه المنكرات

اقتباس

لو كان الحوثيون أهل عدل وأهل صدق وأهل أمانة وأهل رحمة لما بقيت هذه الحراسة، ولكن قد عرفوا -دائما وتاريخيا- بأنهم أرباب المكر وأرباب الغدر وأرباب المكائد بأهل الإسلام، فكانت هذه الحراسة من باب الدفاع، وهم يريدون أن يبقى الناس لا يدافعون عن أنفسهم، يريدون أن يكون الناس تاركين لأنفسهم لينالوا غرضهم في الوقت الذي يريدون ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المسلمين: إن لله -عز وجل- سنناً كونية لا تتغير ولا تتبدل، ألا وإن من هذه السنن أنه جعل العداوة من الكافرين والمجرمين للأنبياء والمرسلين وأتباع الأنبياء والمرسلين، قال -سبحانه وتعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) [الفرقان:31]، وقال كذلك: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام:112].

فهذه من سنن الله -عز وجل-، العداوة الحاصلة بين الأنبياء والرسل وبين المجرمين والكافرين، ولله -عز وجل- في ذلك حكمة بالغة، وجعل العاقبة لأنبيائه، العاقبة المحمودة لأنبيائه ورسله ولأتباع الأنبياء والرسل، العاقبة المحمودة في الدنيا والآخرة.

وكذلك أيضا من سنن الله -عز وجل- أن الله يبتلي المؤمنين بما يبتليهم به من أجل أن يميز بينهم، فقد قال سبحانه: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران:179]، فاللهُ يبتلي المؤمنين بالسراء والضراء، أو بأنواع السراء وأنواع الضراء؛ حتى يتميز الصادق من الكاذب، والقوي من الضعيف، والمـُحِقّ من المبطل، والسُّنِّيّ من البِدْعِي، والمتمسك بالكتاب والسنة من المتهتك.

وحتى يتميز مَن يوالي الله -سبحانه- ويوالي رسوله وأولياءه المؤمنين ومن يوالي الكافرين، ومن يتوكل على الله ومن يلتجئ ويركن إلى غير الله، فالله -عز وجل- جعل هذا الابتلاء من سُننه التي يفعلها -سبحانه- ليبتلي الله المؤمنين؛ لأن المؤمنين ليسوا على مرتبة واحدة في الإيمان، بل على مراتب متفاوتة، والله يريد من المؤمنين أن يكونوا أهلاً للإيمان، وأهلاً للصدق والإخلاص، وأهلاً للثبات على الحق، وأهلاً لنصرة دينه ونصرة عباده وأوليائه، وأهلاً للإقبال عليه، والرضا بشرعه، والتسليم لحكمه، فهذا الصنف لا يضعف، ولا يُظْهِر الضعف، وهذا الصنف يتميز عن غيره بالصبر لدى الابتلاءات والامتحانات التي يأتي بها الله -عز وجل-، فلقد جعل الله هذه الحياة ميدان ابتلاء وامتحان بأنواع الابتلاءات والامتحانات للمؤمنين؛ من أجل حِكَمٍ عظيمة تتحقق لهم في الدنيا والآخرة.

ألا وإنه إذا حصل هذا الابتلاء تميز عباد الرحمان من عباد الشيطان، وتميز المتمسكون بدينهم من المتهتكين، والثابتون على الحق من المنحرفين، يتميز هذا عن ذاك، ويظهر هذا عن ذاك؛ فلهذا إذا حصل هذا التميز فإن الله -عز وجل- يجعل النصر والتأييد والدفاع للمؤمنين المتميزين بالصدق والثبات على الحق، وللمؤمنين الموالين له -سبحانه- ولدينه ولأوليائه ورسله، يجعل لهم من النصر ما لا يجعله لغيرهم، ومن التثبت ما لا يجعله لغيرهم، ومن التأييد ما لا يجعله لغيرهم، ومن الدفاع ما لا يجعله لغيرهم.

فهذا الصنف الذي يتميز بالثبات على الحق يقف في وجهه أصناف كثيرون في محاربته، وفي معاداته، وفي أذيَّته، وفي السعي للقضاء عليه، ومع هذا كله يبقى -بإذن الله- محفوظا منصورا مؤيدا بإذنه -سبحانه-؛ لأنه نصر الله، ولأنه عبد الله، كما أراد -سبحانه-.

قال الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، فالمطلوب من الصنف الذي تميز بالثبات على الحق أن يدوم على ذلك فإن نصر الله يأتي إليه حسب الاستمرار وحسب الديومة على نصرة الحق وعلى الثبات عليه وعلى السير عليه، قال سبحانه (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج:40]، فهذا وعده، وقال ربنا (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47].

وليس المراد بالمؤمنين هنا الذين لا يتحقق فيهم ما سمعتم من صفات أهل الإيمان، وإنما المراد بهم مَن تحقَّقَتْ فيهم صفات أهل الإيمان، الصفات العظيمة، من خشية الله، ومراقبته، ومن الخوف منه، ومن الإخلاص له، والصدق معه، والثبات على دينه، هؤلاء هم الذين جعل الله نصرهم خاصاً به، وجعل سبحانه تفريجه عنهم وكشف الضر عنهم بإذنه -سبحانه وتعالى-، فكلما كان المؤمن أكثر نصرا لدين الله، وتمسكا بشرع الله، وثباتاً على الحق عند الفتن، كان النصر له من الله أكثر، وكان الدفاع من قِبل الله عنه أعظم، فليبشر المؤمن الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسول -عليه الصلاة والسلام- رسولاً.

ربنا -جل شأنه- جعل ما سمعتم خاصاً بأوليائه وعباده، ينصرهم ويؤيدهم ويدفع عنهم في كل مراحل هذه الحياة، وأيضا لا ينسى أهل الإيمان وأهل التمسك بالكتاب والسنة أن الله -عز وجل- جعل النصر تارة معجَّلا، وقد يكون متأخرا، قال سبحانه في كتابه الكريم (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا) [يوسف:110].

فنصر الله ليس على ما يريد الناس، وليس على ما يريده أهل الإيمان، فالأمر إليه -سبحانه-، والنصر من عنده -سبحانه-، متى شاء، وكيف شاء، وبما شاء، فله الأمر كله، وبيده الخير كله، وله جنود السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-.

والنصر الثاني يوم القيامة، قال -سبحانه- في كتابه الكريم: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]، وجعل نصره سبحانه كلما اشتدت على المؤمنين الفتن وكلما كان أعدائهم أكثر مكرا بهم وسعيا في مأذاتهم وفي القضاء عليهم كان نصره -سبحانه وتعالى-، وهذا كله يتحقق مع وجود الصبر والتوكل عليه سبحانه ، فقد قال سبحانه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]، أي يكفيه.

وقال -سبحانه-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر:36]، الجواب: بلى؛ يكفي العباد شر كل ذي شر بقدر ما يكونون في طاعته ومرضاته؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فما أحوج أهل الإيمان وأهل التمسك بشريعة الرحمان وأهل الاتباع لسيد ولد عدنان، بل لسيد الخلق والأنام -عليه الصلاة والسلام- إلى أن يداوموا على الثقة بالله، والتوكل على الله! وانتظار الفرج والمخرج من الهل! وعلى تحقيق تقوى الله، قال -سبحانه-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق:2].

فلكما كان المؤمنون أكثر إقامة للتقوى، وتحقيقا لها، كان التفريج عنهم أكثر وأكثر، فيُفَرِّج الله عنهم ما لا يفرج عن غيرهم مثل ما يفرج عنهم، ويُيَسِّر لهم من العسير ما لا ييسر به لغيرهم، ويسهل لهم من البعيد ما ليس لغيرهم، فالله عنده كل خير، وعنده كل بر وإحسان؛ ولكنه -سبحانه- حكيم يفعل ذلك بمقتضى حِكَمِهِ الكثيرة العظيمة.

كذلك من حكمة الله العظيمة أن الله -عز وجل- يجعلها بين الحين والآخر الهزائم تكون لاحقة بأهل الإيمان وبأهل التمسك وهذا كله لحكم عظيمة، قال سبحانه (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، هذه الآية يدعو الله فيها أهل الإيمان إلى الثبات والتمسك وقوة العزائم في طاعته ومرضاته وفي المضي والإقدام على التمسك بشرع الله ونصرة دين الله.

ثم قال بعدها: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140]، قوله سبحانه: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140]، بيَّن الله أنه يجعل النصر للمؤمنين تارة، ويجعل الهزيمة عليهم تارة أخرى، هذا أمر اقتضته حكمته -سبحانه وتعالى-.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: لو أن الله نصَر المؤمنين ولم تحصل لهم هزيمة، ولم يحصل كسر، لأصيبوا بالعجب والفخر، وأصيبوا بالغرور، ولَدَخَلَ الإيمانَ مَن ليس من أهل الإيمان. اهـ.

يعني: يدخل في ذلك من يدخل من أصحاب الأمراض والنفاق، ومن أصحاب الأطماع الدنيوية الذين يريدون المال والجاه فيدخلون من أجل هذا، والله يريد من المؤمنين قلوبهم وأعمالهم الصالحة، فاقتضت حكمة الله أن الله -عز وجل- يبتلي أوليائه المتقين وعباده المخلصين بأنواع من الفتن والمحن ليكون هذا أنفع لهم في دينهم ودنياهم وأخراهم، فقال -سبحانه-: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140]، فهذه من سُنَنِهِ -سبحانه وتعالى- مما اقتضتها حكمته -سبحانه وتعالى-.

وقد بين الله شيئاً من هذه الحكمة الإلهية، قال: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا) [آل عمران:140]، يعني: الحكمة في أن يسلط الكفار أو المنافقين على أهل الإيمان ليعلم الله المؤمنين، أي الصادقين الصابرين الثابتين على الحق، المتوكلين عليه سبحانه، قال: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا)، والحكمة الأخرى: (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) [آل عمران:140]، فالله -عز وجل- يريد أن ينال الشهادة مَن ينالها من أهل الإيمان؛ لأنها درجة عالية عند الله -عز وجل-، قال (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140]، بماذا؟ إذا سُلط الظلَمة على أهل الإيمان فالله لا يحبهم ولا يرفعهم ولا يكرمهم، بل هم أعداؤه؛ ولكن هذه حكمته، فهو محب لأهل الإيمان لا يريد هلاكهم، ولا يريد خسرانهم؛ بل يريد أن يزدادوا خيرا، وأن يزدادوا رفعة وكرامة من قِبله -سبحانه- في الدنيا والآخرة.

ثم قال: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:141]، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا: أي حصول الأذى للمؤمنين من قِبل الكافرين ومن قبل المنافقين ومن قبل الضالين والظالمين، هذا من أجل تمحيص المؤمنين؛ ليعلم من يصبر من أجل الله، ومَن يبيع الدين، قال الله في بائع الدين: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11].

الله يريد من المؤمنين أن تتصل قلوبهم به -سبحانه وتعالى-، أن تكون قلوبهم متصلة بخالقها وبارئها لا متصلة بالمخلوق، لا تنتظر النصر من المخلوق، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:10]، لا تنتظر الفرج والمخرج من قِبل المخلوق بل من قبل الله، فالمخلوق سبب لما يجعله الله -عز وجل-، فهذا من تعليمات القرآن الكريم.

لقد كان الصحابة رضي الله عنهم وهم هم في الخيرية والصدق والإخلاص والتوكل على الله والثبات، لقد كانوا في غزوة أحد في أولها منصورين بنصر الله، قال ربنا في ذلك، (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) [آل عمران:152]، فكان هذا هو النصر: (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) أي: تستأصلونهم بإذنه؛ ثم لما حصل خطأ من بعض الذين كانوا على الجبل حصل ما حصل أن قُتِلَ سبعون من الصحابة، وأصيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- بما أصيب.

أريد من هذا أن أبين -كما قال ابن القيم رحمه الله- أن: المؤمن يصاب بالمكروه إما بذنب ارتكبه، وإما لينال درجة عند الله لا ينالها إلا بالإصابة بالمكروه. اهـ. فربُّ العالمين عندما يصيب أهل الإيمان بما يكرهون ذلك، كما سمعت، فتطهير لهم من الذنوب التي يقعون فيها، فالصحابة استغربوا لما حصل لهم ما حصل في آخر معركة أُحد، فقال -سبحانه وتعالى- لهم في كتابه الكريم: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:165]، أي: قلتم كيف هذا؟ كيف هزمنا؟ قال ربنا: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)، أي: بتلك المعصية التي حصلت من بعض الرماة الذين كانوا في الجبل.

معاشر المسلمين: إن لله حكماً بالغة في كل ما يقدره، وفي كل ما يقضيه، فعلى المؤمنين أن يعوِّدوا أنفسهم على التسليم لله في قضائه وقدَره، وأن يبذلوا الأسباب التي تجعلهم أكثر قبولا عند الله -سبحانه وتعالى-، فمن سنته أن يبتلي المؤمنين بالسراء والضراء، قال: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].

أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: لقد سمعتم ما حصل من اعتداء عظيم، وارتكابِ منكَرٍ جسيم، ألا وهو محاصرة إخواننا في دماج -حرسها الله-، محاصرتهم من قِبل الحوثيين ومَن مع الحوثيين، تمت محاصرتهم ومنع عنهم الغذاء والقوت الضروري والدواء الضروري وغير ذلك.

لقد كانت هذه المحاصرة في الأشهر الحرم، والله دعا المؤمنين في الأشهر الحرم إلى أن يتوبوا إليه أكثر، وإلى أن يبتعدوا عن الظلم والبغي أكثر وأكثر، وهؤلاء ارتكبوا هذا المنكر العظيم في آخر شهر ذي القعدة، واستمر إلى ساعتنا هذه.

وليس لهم سلف في هذا الإجرام إلا كفار قريش عندما حاصروا سيد الأولين والآخرين ومَن معه من أصحابه في شِعْبِ أبي طالب، ثم فرَّجَ اللهُ عن الرسول وعن الصحابة، فجاء بعضُ المشركين، وقطع تلك الصحيفة التي وضعتها قريش لغرض المقاطعة التامة للرسول والصحابة حتى ينبذوهم كليا، وحتى يهلكوا ويتضرروا الضرر العظيم، فجاء الفرج لله -عز وجل- من قِبل بعض المشركين.

إن الرحمة لا تنزع من شخص إلا لشقوته، فهذه المحاصرة إنما تنبئ عن عدم وجود رحمة بالأطفال وبالنساء والمرضى والفقراء إلى غير ذلك، فهذا الصنف، أعني الحوثيين، تظاهروا في صعدة بأنهم في هذه الأيام أهل العدل وأنهم أهل الرحمة، والناس لا يقرون لهم بهذا، ولا يعترفون لهم بهذا؛ ولكن فضحهم الله بهذه المعاملة التي سمعتموها والتي ليس لهم قدوة فيها إلا شر خلق الله -عز وجل-، وعلَى ماذا؟ وبسبب ماذا يتعاملون مع إخواننا في دماج بهذه المعاملة؟ ما ذنب أهل دماج؟ ما ذنب الطلاب في دماج في دار الحديث؟.

وهكذا؛ ساكنو دماج، ما ذنبهم حتى يتعامل معهم بهذه المعاملة؟ ليس لهم ذنب إلا أنهم معهم حراسة على رأس الجبل، حراسة للدار ومَن حول الدار، حراسة ممن؟ من المعتدين، وأول المعتدين هم الرافضة والحوثيين، فهذه الحراسة لا تشكل خطراً على أحد، وإنما هي دفاع وحراسة للمركز ومن حوله، ومعلوم أن كل من دبّ فيه خوف من أشخاص من جهات من كذا... أن له أن يحرس نفسه، وأن يجعل له حراسا، وأن يدافع عن نفسه، وألا يسلم نفسه.

لو كان الحوثيون أهل عدل وأهل صدق وأهل أمانة وأهل رحمة لما بقيت هذه الحراسة، ولكن قد عرفوا -دائما وتاريخيا- بأنهم أرباب المكر وأرباب الغدر وأرباب المكائد بأهل الإسلام، فكانت هذه الحراسة من باب الدفاع، وهم يريدون أن يبقى الناس لا يدافعون عن أنفسهم، يريدون أن يكون الناس تاركين لأنفسهم؛ لينالوا غرضهم في الوقت الذي يريدون.

فعلى كل هذا البغي العظيم، وهذا البون الكبير، إنما فضح الرافضة في اليمن أكثر وأكثر، فهي تريد أن تقيم دولة! فعلى ماذا ستقام هذه الدولة إن وصلوا إليها؟ ها هم الآن ما قد وصلوا إلى شيء كبير، لا تزال محافظة صعدة للدولة فيها نفوذ وتمكّن، ما صار لهم إلا بعض النفوذ، إذا كانت معاملتهم هذه مع الناس، فكيف لو صارت لهم دولة؟ إنه الإفلاس، إنه الإفلاس من الرحمة، من العدل، من حسن المعاملة، من الشفقة بالناس؛ إنه السعي في فرض الدَّيْوَلَة بالقوة والقهر والإبادة، فماذا عمل أهل السنة، أهل دماج، حتى يتعامل معهم بهذه المعاملة؟.

أيها الإخوة الكرام: هذا الحصار استمر إلى الآن، ويعِدون ويخلفون، ويوافقون وينقضون، وهذا كله يعطينا دلالات واضحة على أنه لا أمانة لرافضي، وأن الرافضي لو أظهر ما أظهر من حسن القول وإلى المبادرة إلى شيء تنتفع به فلا تأمنه، وقد قال الإمام الشوكاني: إنه لا أمانة لرافضي، ولو أعطاك المال فلا تصدق يا عبد الله. اهـ. فهذه الفتن تربي الناس، وتوقظ الناس، وتعرفهم بالدعاة إلى الشر والفتن، فكم شقي اليمانيون بسبب هذا الصنف!.

فعلى كل، ندعو من الرافضة مَن كان فيه شيء من الرحمة في إزالة هذه السوءة الكبيرة عليهم، إنه فضح تاريخي عليهم، أما دعوة أهل السنة فالله ناصرها، والله مؤيدها، والله معها، فلن يستطيعوا -بإذن الله- أن يعملوا ما يريدون، فالأمر كله لله، فقد انتشرت دعوة أهل السنة على رغم أنوفهم؛ لأنها دعوة الله، ولأن الله ناصرها، فكونهم سعَوا في هذه المؤاذاة فلا يعني أنهم سيقضون على دعوة أهل السنة؛ فالدعوة باقية بإذن رب العالمين -سبحانه وتعالى-.

كذلك -أيضا- قد سعى مَن سعى في فك الحصار، فجزى الله كل من سعى في ذلك خير الجزاء، من مشايخ قبائل، ومن قبائل، ومن مشايخ السنة، ومن غيرهم ممن سعى في ذلك، والمطلوب مواصلة السعي لإخواننا في دار الحديث بدماج -حرسها الله-، وكذلك إخواننا في دماج، الباقين من الساكنين، جزاهم الله خيرا على ما هم عليه من الصبر العظيم، يُشكرون على ذلك، يشكرون على هذا الصبر، وعلى التوكل على الله، وعلى الثقة بالله -عز وجل-، فإن هذا أنفع لهم من أن يعطى لهم ملء الأرض ذهباً، فهذه فيها من المنافع الدينية والأخروية ما لم يحصِ إلا الله -عز وجل-.

فنوصيهم بأن يستمروا على ذلك، والفرج آتٍ بإذن الله، والمخرج آتٍ بإذن الله -سبحانه وتعالى-، وإذا اشتدت انفرجت بإذن الله، فاللجوء إلى الله مطلوب مِن كل من يجد ما يتضرر منه وما يؤذى بسببه، يلتجئ إلى الله ويُقبل على الله، فإن أمورنا جميعا بيد الله -عز وجل-، فله الأمر كله، وبيده الخير كله.

كذلك -أيضا- المطلوب استمرارية التعاون معهم، كلٌّ بحسب ما يحسن، وكل بحسب ما يقدر على ذلك، ومن أهم ذلك السعي في فك هذا الحصار الغاشم الظالم، فكل مَن يقدر على السعي فيما فيه النفع، وكذلك أيضا الإعانة، فليسعَ في ذلك، ونسأل الله لهم بإيصال الأرزاق والأقوات إليهم، فهنالك حصار شديد، هذا يكاد أن يكون حاصلا، لربما كان أشد من حصار قريش للرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة.

ونقول لهؤلاء: الإسلام حرم أن يحبس الطعام عن الحيوان، قال -عليه الصلاة والسلام-: "دخلت النار امرأة في هرة، حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، فنبشرهم بما يغشى عليهم من غضب الله وسخطه وعذابه في الدنيا والآخرة، لا نراهم إلا قد جنَوا جناية عظيمة على أنفسهم، لا يُحمَد مَن يسعى في البغي، فكيف إذا كان البغي إلى هذا الحد؟ الإسلام يمنع مَن حبس القوت عن الحيوان حتى عن هر، وحتى عن كلب، وهؤلاء لا ينكرون عما عزموا عليه وعما رأوه، فهذه من الأمور التي تدل دلالة واضحة على شر عظيم في هؤلاء.

أيها المسلمون: المطلوب التمسك بالإسلام، الاعتزاز بالدين، والله ما يزداد أهل السنة إلا ثباتاً على دينهم، فهنالك جهات تريد أن تنال من أهل السنة، ولكن لن تنال بإذن الله، هذا رجاؤنا في الله، المحاربة والمؤامرة لأهل السنة في اليمن وفي غيرها جارية ومستمرة، من سابق ومن لاحق والآن، وكم يدفع الله عنهم! وكم يكف الله عنهم من شرور ومن مؤامرات!.

قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ...) [المائدة:11]، إلى غير ذلك من الآيات، فالثباتَ على الدين! فالثباتُ على الدين هو السعادة في هذه الحياة، عش سعيدا، ومت حميداً متمسكا بدينك.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى...

 

 

 

 

 

 

المرفقات

للمتقين .. حصار دماج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات