اقتباس
والضوابط الشرعية للعلاقة بين الرجل المقررة شرعاً هدفُها ضبطُ العلاقات بين الجنسين، وصيانة المجتمع من المفاسد والفواحش، وصيانة الأعراض وإغلاق طرق الفساد، بناءً على قاعدة سدِّ الذَّرائع.
د. حسام الدين عفانة
أولاً: مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والواتس آب والتويتر واليوتيوب والشبكة العنكبوتية -الإنترنت- من نِتاج التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعيشه العالم اليوم، وليس للمسلمين في إنتاجه دور إلا الا النزر اليسير مع الأسف.
ومواقع التواصل الاجتماعي تلك، عبارةٌ عن أدواتٍ ووسائلَ تستعمل في الخير، وقد تستعمل في الشر، وهو الغالبُ للمطلع على واقعها، ومن المعلوم شرعاً أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام:[للوسائل أحكام المقاصد، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/46.
وقال الإمام القرافي:[اعلم أن الذريعة كما يجب سدُّها يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة، كالسعي للجمعة والحج. وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريمٍ وتحليلٍ، غير أنها أخفض رتبةً من المقاصد في حكمها، والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة. ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلةً الوسيلة] الفروق 2/33.
ثانياً: قرر الشرع الحكيم ضوابط شرعية للعلاقة بين الرجل والمرأة بشكلٍ عامٍ، ويبنى عليها الضوابط الشرعية التي تنظمُ العلاقةَ بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن المرأة من أعظم الفتن للرجل، كما هو معلومٌ ومشاهدٌ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ) رواه مسلم.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرََّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري ومسلم.
ونحن نعيش في زمنٍ تبرجت فيه المرأةُ تبرجاً فاق تبرجَ الجاهلية الأولى، فالعري والاختلاط ومفاسد ذلك لا يخلو منها مكانٌ عامٌ تقريباً والله المستعان.
والضوابط الشرعية للعلاقة بين الرجل المقررة شرعاً هدفُها ضبطُ العلاقات بين الجنسين، وصيانة المجتمع من المفاسد والفواحش، وصيانة الأعراض وإغلاق طرق الفساد، بناءً على قاعدة سدِّ الذَّرائع.
وأهم هذه الضوابط ما يلي:
(1) الأصل في العلاقة بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي المنعُ، لأنها مظنة الفتنة لهما كما سبق في الحديثين النبويين، ولأن في ذلك فتحُ الطريق في اتباع خطوات الشيطان، وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }سورة النور الآية 21.
كما أنه لا يجوز للفتاة أن تحادث رجلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأن ذلك يدخل تحت قوله تعالى:{فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} سورة النساء الآية 25 .
قال الشيخ ابن كثير في تفسير هذه الآية:[وقوله تعالى “محصنات” أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه، ولهذا قال “غير مسافحات” وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة.وقوله تعالى “ولا متخذات أخدان” قال ابن عباس:”المسافحات” هن الزواني المعلنات يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحدا أرادهن بالفاحشة:وقال ابن عباس:ومتخذات أخدان يعني أخلاء، وكذا روي عن أبى هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي قالوا:أخلاء.
وقال الحسن البصري يعني الصّديق. وقال الضحاك أيضا “ولا متخذات أخدان” ذات الخليل الواحد المقرة به نهى الله عن ذلك يعني عن تزويجها ما دامت كذلك ] تفسير ابن كثير 2/262.
وقال تعالى في حقِّ الرجال ناهياً لهم عن اتخاذ الأخدان:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} سورة المائدة الآية 5.
قال الشيخ ابن كثير:[وقوله “محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان” فكما شرط الإحصان في النساء، وهي العفة عن الزنا، كذلك شرطها في الرجال، وهو أن يكون الرجل محصناً عفيفاً، ولهذا قال “غير مسافحين” وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية، ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم. “ولا متخذي أخدان” أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن كما تقدم في سورة النساء سواء.] تفسير ابن كثير 3/41.
(2)أهم ضوابط كلام المرأة للرجل هو عدم الخضوع بالقول، وأن يكون القولُ الذي تقوله المرأة قولاً معروفاً، كما قال تعالى:{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}سورة الأحزاب الآية 32.
وطهارة القلوب أمرٌ مطلوبٌ شرعاً في هذه العلاقة، كما قال الله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}سورة الأحزاب الآية 53.
ولا بد أن يكون كلامُ الرجل مع المرأة في حدود الأدب الشرعي، وعند الحاجةِ فقط، وقد قرر الفقهاء منعَ كلام الرجلِ مع المرأة إذا خُشيت الفتنة، وبالذات إذا كانا شابين[ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز التكلم مع الشابة الأجنبية بلا حاجةٍ، لأنه مظنةُ الفتنة، وقالوا إن المرأة الأجنبية إذا سلَّمت على الرجل إن كانت عجوزاً ردَّ الرجلُ عليها لفظاً، أما إن كانت شابة يُخشى الافتتان بها أو يُخشى افتتانها هي بمن سلَّم عليها، فالسلام عليها وجواب السلام منها حكمه الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة، وذكر الحنفية أن الرجل يردُّ على سلام المرأة في نفسه إن سلَّمت عليه وتردُّ هي في نفسها إن سلَّم عليها، وصرح الشافعية بحرمة ردِّها عليه] الموسوعة الفقهية الكويتية 35/122.
ومن المقرر شرعاً سدُّ الطرق المفضية إلى الفتنة، كما ورد في روايةٍ لحديث الخثعمية التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وفيه (إن أبي شيخٌ كبيرٌ قد أدركته فريضة الله في الحج، أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال حجي عن أبيك.قال ولوى عُنقَ الفضل، فقال العباس يا رسول الله:لم لويت عُنَق ابن عمك؟ قال:رأيت شاباً وشابةً فلم آمن الشيطان عليهما) رواه أحمد والترمذي وقال:حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني.
(3)تمنع المحادثات المصورة بين الجنسين منعاً باتاً، ولا يجوز شرعاً وضع صور النساء على مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر واليوتيوب والشبكة العنكبوتية-الإنترنت-، وخاصةً صور المتبرجات والعاريات وأشباههن، فيحرم شرعاً نشر صور النساء بحالٍ من الأحوال على الشبكة العنكبوتية، لما في ذلك من تعرضٍ لنظر الرجال الأجانب، ولما في ذلك من الفتنة والإعانة على النظر المحرم.ويدخل في ذلك تبادل الصور بين الجنسين بأي شكل من الأشكال.
وبناءً على كل ذلك فإنه يحرمُ شرعاً وضعُ صور النساء المحجبات وغير المحجبات على شبكات التواصل الاجتماعي -الواتس آب والفيس بوك والانستغرام والتويتر- وعلى الشبكة العالمية-الإنترنت– وغيرها، مع قولنا بجواز التصوير الفوتوغرافي بأشكاله المختلفة، فيشترط لجوازه أن لا يَعرض له ما يُحَرِّمُه، ولا شك أن في نشر صور النساء المحجبات وغير المحجبات على شبكات التواصل الاجتماعي أمورٌ كثيرةٌ تُحِّرمُ ذلك منها:
(أ)لأن في نشر صور النساء تعرضٌ للنظر المحرم شرعاً، وخاصةً أن وجه المرأة هو مجمع الحُسْنِ والجمال والفتنة، ويعتبر نشر صور النساء من وسائل التعاون على الإثم، وهو من المحرمات، قال تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2.
وقد أمر اللهُ عز وجل بغض البصر، فقال تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} سورة النور الآيتان 30-31. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حثَّ المسلمَ على أن يصرف بصره إذا وقع على امرأةٍ أجنبيةٍ، فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:(سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رواه مسلم.
وعن بريدة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ)رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه العلامة الألباني.والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سببٍ مشروعٍ كثيرةٌ.
(ب) إن الأصل في المرأة أنها عورة إلا ما استثني، وأَمْرُ المرأة المسلمة مبنيٌ على السِّتْرِ، قال تعالى:{يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} سورة الأحزاب الآية 59.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها فِي قَعْرِ بَيْتِهَا)رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان، وصححه العلامة الألباني.ولا شك أن نشرَ صور النساء فيه منافاةٌ واضحةٌ للستر المأمور به في الكتاب والسنة.
(ت)لا شك لديَّ أن نشر صور النساء على وسائل التواصل الاجتماعي، ما هو إلا شرٌ مستطيرٌ، وفتحٌ لأبواب الفساد، ومدخلٌ من مداخل الشيطان، بل هو أولُ خطوات الشيطان إلى الحرام، وذريعةٌ للفتنة والفساد، ومن المعلوم أن من قواعد الشريعة سدُّ الذرائع المفضية إلى الفساد، وقاعدةُ سدِّ الذرائع من القواعد المقررة شرعاً، وهي قاعدةٌ معتبرةٌ عند أهل العلم، ويدل عليها قوله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}سورة الأنعام الآية 108.
وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} سورة البقرة الآية 104.
وما ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كفَّ عن قتل المنافقين، لأن قتلهم ذريعةٌ لأن يُقال إن محمداً يقتل أصحابَه. رواه البخاري ومسلم.
(ث) إن نشرَ صور النساء على وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون وسيلةً يستعملها بعضُ شياطين الإنس، فيتلاعبون بصور النساء وتركيبها بأشكالٍ وأوضاعٍ جنسية، مما يترتب عليه الفساد وإشاعة الفحشاء والمنكرات، وقد يلحق الضررُ بالمرأة صاحبة الصورة. ومعلوم أن دبلجة الصور من الأمور التي صارت ميسورةً في زماننا مع التقدم العلمي.
(ج) إن نشر صور النساء على وسائل التواصل الاجتماعي يتسبب في وقوع كثيرٍ من المشكلات العائلية، وخاصةً إذا كانت الفتاةُ التي نشرت صورتها متزوجة، فقد يتسبب ذلك في وقوع الطلاق وتشريد الأطفال، لأن بعض الأزواج لديهم غَيْرَةٌ شديدة على زوجاتهم، فيتسرعون في تطليقهن لأدنى سبب، ولا شك أن فالْغَيْرَةَ محمودةٌ بشكلٍ عامٍ، ومنها ما هو مذمومٌ وهو ما كان في غير ريبةٍ، فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ، وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ، عِنْدَ الْقِتَالِ، وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وحسنه العلامة الألباني. والْغَيْرَةُ من غير ريبةٍ نوع من الإفراط، وأما التفريط في الْغَيْرَةِ فهو من لا يغار على زوجته ومحارمه مع وجود الريبة، فهذا ينطبق عليه وصف الديوث، والدياثة من كبائر الذنوب كما قال ابن حجر المكي في الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/109-111.
وقد يكون نشرُ صور النساء على وسائل التواصل الاجتماعي نوعاً من دياثة الآباء والأزواج الذين يرضون برؤية المنكر في أهلهم ويسكتون، وقد وردت الأحاديث التي تحذر من الدياثة، فمنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر الخبث في أهله).
وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ، وَالدَّيُّوثُ) رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقرهما العلامة الألباني.
(ح) ما هي الحاجة لنشر صور النساء على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وما هي الفائدة المترتبة على ذلك؟ مع هذه المفاسد الكثيرة المترتبة على ذلك؟
(4) ورد في الشرع النهي عن خلوة الرجل بالمرأة كما في قوله صلى الله عليه وسلم:(لاَ يَخْلونَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَها ذُو مَحْرَم)رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وسلم :( أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، ورواه أحمد والحاكم وصححه، كما صححه العلامة الألباني.
ولا شك أن الخلوة على مواقع التواصل الاجتماعي لا ينطبق عليها معنى الخلوة الوارد في الحديث ، ولكن المقصد من النهي عن الخلوة متحققٌ في الخلوة الألكترونية، لأنه من باب سد الذريعة بإغلاق الطرق المؤدية إلى الفساد،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يجب سَدُّهَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ ] مجموع الفتاوى 15/419.
وقال الشيخ ابن القيم:[وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية والسفر بها والنظر إليها لغير حاجةٍ حسماً للمادة وسداً للذريعة]إغاثة اللهفان 1/362.
وقال المناوي في شرح الحديث السابق:[(إلا كان الشيطان ثالثهما )بالوسوسة، وتهييج الشهوة، ورفع الحياء، وتسويل المعصية، حتى يجمع بينهما بالجماع، أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه، والنهي للتحريم ] فيض القدير 3/78.
(5) إن المحادثة بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي تغيب عنها رقابةُ الأهل، فينتج عن ذلك ما لا يحمد عقباه من الحديث بينهما وتصوير بعضهما وتبادل القبلات الهوائية والآهات وغير ذلك من المخالفات.
وكل ذلك يدخل في الاستمتاع المحرم شرعاً، فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ)رواه البخاري ومسلم، وورد في رواية عند مسلم:(والأذنان زناهما الاستماع) فهذا الحديث النبوي يدل على أن الاستمتاع بالمرأة الأجنبية والتلذذ بسماع صوتها والنظر إليها يعتبر نوعاً من الزنا. ويقود إلى الزنا الحقيقي كما قال الشاعر:
كُلُّ الْحوَادِثِ مبْدَاهَا مِنْ النَّظَرِ وَمُعْظمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا في أَعيُنِ الْعِيْنِ مَوْقوفٌ عَلَى الْخَطَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا فِعْلَ السِّهَامِ بِلا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ
يَسُرُّ مُقلتَه مَا ضَرّ مُهْجَتَهُ لا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ
(6) واجبٌ شرعاً على الآباء والأمهات أن يفرضوا رقابةً على أولادهم وبالذات الصغار والمراهقين في استعمال الشبكة العنكبوتية-الإنترنت- ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر واليوتيوب والبريد الألكتروني، ولا يجوز تركُ الحبلِ على غاربه لأولادهم ذكوراً وإناثاً ليشاهدوا ويشاركوا فيها باسم الحرية الزائفة، الفاسدة والمفسدة، وعليهم أن يتذكروا قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} سورة التحريم الآية 6.
(7) إذا كان هنالك حاجةٌ ماسةٌ للتواصل بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي كطلب الفتوى أو التعلم والتعليم ونحوها، فلا مانع من التواصل وفق الضوابط الشرعية السابقة.
وخلاصة الأمر:
أن مواقع التواصل الاجتماعي عبارةٌ عن أدواتٍ ووسائلَ تستعمل في الخير، وقد تستعمل في الشر، وهو الغالبُ للمطلع على واقعها، ومن المعلوم شرعاً أن للوسائل أحكام المقاصد.
وأن الشرع الحكيم قرر ضوابط شرعية للعلاقة بين الرجل والمرأة بشكلٍ عامٍ، ويبنى عليها الضوابط الشرعية التي تنظمُ العلاقةَ بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن المرأة من أعظم الفتن للرجل.
وأن الضوابط الشرعية للعلاقة بين الرجل المقررة شرعاً هدفُها ضبطُ العلاقات بين الجنسين، وصيانة المجتمع من المفاسد والفواحش، وصيانة الأعراض وإغلاق طرق الفساد، بناءً على قاعدة سدِّ الذَّرائع.
وأن واجب الآباء والأمهات أن يفرضوا رقابةً على أولادهم وبالذات الصغار والمراهقين في استعمال مواقع التواصل الاجتماعي ولا يجوز تركُ الحبلِ على غاربه لأولادهم ذكوراً وإناثاً ليشاهدوا ويشاركوا فيها باسم الحرية الزائفة، الفاسدة والمفسدة.
وأنه إذا كان هنالك حاجةٌ ماسةٌ للتواصل بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي كطلب الفتوى أو التعلم والتعليم ونحوها، فلا مانع من التواصل وفق الضوابط الشرعية السابقة.
والله الهادي إلى سواء السبيل
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم