الصيام والتقوى

محمد أسعد

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/منزلة التقوى ومكانتها 2/المقصود بالتقوى 3/بعض فضائل التقوى وثمراتها 4/بعض صفات المتقين 5/رمضان مدرسة لتحقيق التقوى 6/من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر من رمضان 7/فضل ليلة القدر والحرص على تحريها

اقتباس

هم أهل الفضل، منطقهم صواب وملبسهم في اقتصاد، ومشيهم في تواضع، غضوا أبصارهم عن الحرام، ووقفوا أسماعهم على ما يستفاد، عظم الخالق في نفوسهم فصغر ما دونه في عيونهم، يصفون في الليل أقدامهم، يرتلون قرآنهم، جاثون على الركب، يطلبون النجاة من العطب، لا يرضون من الأعمال الصالحة بالقليل، ولا يستكثرون منها الكثير، من ربهم وجلون، ومن أعمالهم مشفقون، يصبرون في الشدة، ويشكرون على النعمة، قريب أملهم، قليل زللهم، الخير منهم مأمول، والشر منهم مأمون، صبروا أياماً قـ...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ولي من اتقاه، من اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه، أحمده - تعالى- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، وجميع من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فإن المتدبر لكتاب الله -تعالى-، والمتأمل في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدرك ما لتقوى الله -عز وجل- في دين الإسلام من منزلة عظيمة، ومكانة عالية رفيعة.

 

إنها جماع الخيرات والبركات، والغاية التي من أجلها شرع الله الطاعات والقربات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:21].

 

ما من خير عاجل ولا آجل، ولا ظاهر ولا باطن إلا والتقوى وسيلة له، ودليل عليه، وما من شر عاجل ولا آجل، ولا ظاهر ولا باطن، إلا والتقوى حرز منه حصين، ودرع منه مكين.

 

إنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ)[النساء:131].

 

إنها دعوة الأنبياء، ما من نبي إلا وعظ بها قومه قائلا: (أَلاَ تَتَّقُونَ).

 

إنها شعار الصالحين والأولياء، الذين قال الله فيهم: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *  الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ)[يونس: 62-63].

 

أمر الله -تعالى- بالتعاون من أجلها، فقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّقْوَىَ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].

 

التقوى: إحساس في الضمير، ورقابة في الشعور، وخشيةٌ مستمرة، وحذرٌ دائم، من مواقعة الخطايا والذنوب.

 

والله -سبحانه- أحق بالتقوى، هو الأهل وحده أن يعظم ويخشى، وأن يطاع ولا يعصى.

 

التقوى، هي الصفة التي لا يباشر القرآن الكريم القلوب بهداياته إلا بها، يقول -تعالى-: (الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)[البقرة:2].

 

التقوى تكسب صاحبها نورا في قلبه، يميز به بين المشتبهات من الأمور، تريه الحق حقا والباطل باطلا، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الحديد:28].

 

التقوى هي الحارس -بإذن الله- لصاحبها من الزيغ والزلل، والجنوح إلى السوء والضرر، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)[الأعراف:201].

القبول في أهلها محصور، قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].

 

والكرامة شرف لهم في كتاب الله مقصور، يقول سبحانه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات:13].

 

بها تنال المعية الإلهية، والعناية الكريمة الربانية، يقول تعالى: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)[النحل:128].

 

بها الفرج من الضيق، وبها الرزق الحلال الطيب الهنيء، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3].

 

وقال سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4].

 

بها الأمن من المخاوف والنجاة من المهالك، يقول سبحانه: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[الأعراف:35].

 

بها النصر على الأعداء، والقوة في الشدة والبأساء، قال تعالى: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].

 

بها الرقي والازدهار، والصلاح والاستقرار، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)[الأعراف:96].

 

بها تغفر الذنوب، وتعظم الأجور، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق:5].

 

بها الفوز بالآخرة، ونعمها الخالدة الباقية، قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[المرسلات: 41-43].

 

المتقون في كتاب الله هم: (مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة:177].

 

وصفهم علي -رضي الله عنه- فقال: "هم أهل الفضل، منطقهم صواب وملبسهم في اقتصاد، ومشيهم في تواضع، غضوا أبصارهم عن الحرام، ووقفوا أسماعهم على ما يستفاد، عظم الخالق في نفوسهم فصغر ما دونه في عيونهم، يصفون في الليل أقدامهم، يرتلون قرآنهم، جاثون على الركب، يطلبون النجاة من العطب، لا يرضون من الأعمال الصالحة بالقليل، ولا يستكثرون منها الكثير، من ربهم وجلون، ومن أعمالهم مشفقون، يصبرون في الشدة، ويشكرون على النعمة، قريب أملهم، قليل زللهم، الخير منهم مأمول، والشر منهم مأمون، صبروا أياماً قصيرة، فأعقبهم راحة طويلة".

 

عباد الله: أمرنا الله بالتزود من الدنيا للآخرة، فقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة: 197].

 

ورمضان خير زاد من التقوى، رمضان مدرسة تؤهل الدارسين فيها للاندراج في سلك المتقين الأخيار، والرقي إلى مقام الصالحين الأبرار، فالصيامُ الحقُّ يهدي صاحبه إلى تقوى الله، ويرشده إلى طاعة الله، والإنسان لا يكون أميناً على الحياة وعمارتها، إلا إذا كان أمينا على شهواته؛ يمتثل فيها أمر الله، ويقف فيها عند حدود الله، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أياما معدودات)[البقرة: 183].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله....

 

فها هي العشر الأواخر من رمضان حلت بخيرها وفضلها وبركاتها، ها هي علمها قد رفع، فرصة للغنيمة الكبرى، والفوز بالجائزة الكبيرة العظمى.

 

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره[متفق عليه].

 

وكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها[أخرجه مسلم].

 

إنها العشر التي تلتمس فيها ليلة القدر، ليلة فخم الله أمرها وعظم شأنها.

 

ليلة أنزل الله في شأنها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، تعظيما لقدرها وتشريفا.

 

العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر: "مَن قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

 

ليلةٌ مَن حُرِم خيرها فقد حرم، ومن نال ثوابها فقد غنم.

 

تحروها في هذه الليالي العشر، خاصة منها ليالي الوتر، تحروها بكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه؛ من تلاوة للقرآن الكريم وصلاة واستغفار، وذكر وصدقة ودعاء.

 

أكثروا فيها من سؤال الله العفو والعافية لأنفسكم ولجميع المسلمين، داعين بما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء به: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا".

 

أيقظوا أهلكم وأولادكم لالتماسها وتحريها اقتداء بنبينا، واستنانا بهدي حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-، تلمسوا بها لأنفسكم الخير والهناء، والسعادة والرخاء.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحـج:77].

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

 

اللهم أبلغنا ليلة القدر، اللهم أنلنا خيرها وفضلها وبركتها، اللهم جنبنا أن نكون من المحرمين منها.

 

اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، وغفرانك، والعتق من نيرانك.

 

اللهم انصر عبادك المؤمنين بنصرك وأيدهم بتأييدك، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.

 

 

 

 

 

المرفقات

والتقوى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات