أ. د. عمر بن عبدالعزيز قريشي
تأتي الصهيونية على رأس القائمة للمنظمات اليهودية، وعلى رأس قائمة البنات غير الشرعيات للماسونية العالمية، أو "القوة الخفية"، ففي سنة 1869م عُقِد في مدينة "براغ" اجتماع يهودي سري، على قبر الحاخام الأكبر "سيمون بن يهوذا"؛ وذلك بقصد تطوير مخططات اليهود.
لقد قام الحاخام "ريشورون" خطيبًا في هذا الاجتماع، ومما جاء في خطبته قوله: "لقد وكَّل آباؤنا للنُّخْبة من قادة "يهوه" أمرًا للاجتماع مرة - على الأقل - في كل قرنٍ، حول قبر حبرِنا الأعظم "سيمون يهوذا"، الذي تعطي تعاليمُه للصفوة من كل جيل سيطرةً على جميع العالم، وسلطةً على نسل يهوذا، وها قد مضى ثمانية عشر قرنًا على حرب يهوذا، من أجل تلك السيطرة، التي وعد بها أبونا "إبرام"، والتي اغتصبها الصليبُ منا، وداسَها بالأقدام، وكان شعبنا على الدوام مهددًا بالموت والاضطهاد والاغتصاب.
وإذا كنا قد انتشرنا في جميع أنحاء العالم؛ وذلك لأن العالم كله ملكٌ لنا.. ومنذ قرونٍ عديدة حارب حكماؤنا الصليبَ بشجاعة وعزيمة لا تغلبان.
إن شعبنا يخطو شيئًا فشيئًا نحو القمَّة، وفي كل يوم تزداد قوَّتنا، نحن نمتلك آلهة هذا العصر، تلك الآلهة التي نصبها لنا "هارون" في الصحراء، إنها العجل الذهبي الذي عندنا، والذي يعتبر اليوم إلهَ العالم أجمع، ومنذ اللحظة التي نُصبِح فيها المالِكين الوَحِيدين للذَّهَب في العالم، فإن القوة الحقيقية تُصبِح ملك أيدينا، وعندئذٍ نحقِّق الوعود التي قدمت "لإبرام".
كانت القرون الماضية لأعدائنا، ولكن القرن الحالي والقرون المُقبِلة ستكون لنا، إن عصور العذاب والاضطهاد - التي تحمَّلها الشعب اليهودي بصبر وشجاعة - قد ولَّت، وشكرًا لتطور المدنية بين المسيحيين وتقدُّمها، إن هذا التقدُّم هو الدِّرْع الواقي الذي نختبئ وراءه، لنعمل بثبات وسرعة خاطفة من أجل إزالة الفجوة التي ما زالت تفصلنا عن غاياتنا النهائية.
دَعُونا ننظر في الحالة المادية لأوروبا، نجد اليهود في كل مكان هم سادة المال؛ لأنهم يملكونه، ويتحكمون فيه"؛ [إسرائيل والتلمود، دراسة تحليلية، ص 110، د/ إبراهيم خليل أحمد، والمخططات الماسونية العالمية، ص 98، 99، بتصرف].
إن قول الحاخام "ريشورون": "وها قد مضى ثمانية عشر قرنًا على حرب يهوذا"، وقوله: "والتي اغتصبها الصليب منا"؛ يدلاَّن على أن القوة الخفية تضرب في الأرض جذورًا عميقة، إلى الفترة التي ظهر فيها المسيح، على الأقل، ومقاومة اليهود لدعوته، كما يدلاَّن أيضًا على موقفِها من المسيح والمسيحية.
وبينما تجاهدُ الصهيونية - في اندفاع - لتنفيذ خطَّتها، فإنها تأخذُ عُدَّتَها، وتستعد للمعركة، معركة "ارميا صيدون"، أو "هرمجدون"، وهي معركةٌ حاسمة للجميع، عندما يقوم أعداء المسيح بضربتهم الأخيرة للسيطرة على العالم، ومحور المسيحية وغيرها؛ ولهذا فعلى الكنيسة المسيحية أن تختار بين الله ويهوه، وعلى هذا الاختيار يتوقَّف مصير العالم كله؛ [القوى الخفية، لليهودية العالمية "الماسونية" ص11، وخطر اليهودية العالمية، عبدالله التل، ص 236 - 238، بتصرف].
فما هي الصهيونية؟
لا يخلو تحديدُ مفهومِ الصهيونية العالمية من اختلافٍ في وجهات النظر، بل تناقض وتعارض في أحيان كثيرة، وهذا نابعٌ من التوجُّه الفكري المختلف في أسسه ومضمونه لدى متتبِّعي هذه الحركة؛ [الصهيونية العالمية: نشأتها وطبيعتها (أحمد رياض) ص 73، ط/ الدار العلمية، بيروت، 1973م].
لذلك لا نجد مبررًا للخوض في هذا الخلاف حتى يستقيمَ المقام هنا، فهدفنا الأساسي هو تحديد بعض ملامح مفهوم هذه الحركة الصهيونية باختصار شديد؛ حتى نتمكَّن من استنتاج الدلالات والمعاني العنصرية التي تَكشِف الحركة الصهيونية العالمية.
فمفهوم الصهيونية:
حركة يهودية سياسية، اشتق اسمها من صهيون، وهو جبل في جنوب القدس - جاء ذكره في مواضع متعدِّدة من التوراة - وتَهدِف هذه الحركة الصهيونية إلى إعادة مجد إسرائيل، بإقامة دولة صهيونية في فلسطين العربية"؛ [المرجع السابق، ص 23 - 24 بتصرف].
وهو تعريف مثله مثل العديد من التعريفات الأخرى، لا يخلو من نقص، ويمكن تعريفها - كذلك - باختصار بأنها: "حركة سياسية عنصرية يهودية، ذات أهداف عدوانية، وهذا ما تؤكِّده الوقائع التاريخية التي تخصُّ هذه الحركة، وهي حركة يهودية؛ لأنها تضمُّ اليهود فقط، على أساس الرأي القائل: "كل صهيوني يهودي، وليس كل يهودي صهيونيًّا"؛ [المرجع السابق، ص25].
"لذلك وصفتْها الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها "شكلٌ من أشكال العنصرية، والتمييز العنصري"، في قرارها رقم 3379 الصادر في تاريخ 10 نوفمبر عام 1975م"؛ [الصهيونية غير اليهودية: جذورها في التاريخ العربي، ترجمة/ أحمد عبدالعزيز، عالم المعرفة، 1985م، العدد: 96، ص 7، بتصرف].
وهذه الملامح الأساسية لمفهوم الصهيونية، هي ما نستطيع استخلاصه من تتبعِنا المختصر لنشأة الحركة الصهيونية وتطورها عبر سنوات طويلة، كانت أهدافها العدوانية والاستعمارية محدَّدة المعالِم وواضحة من قِبَل مفكِّريها منذ مراحلها المبكرة، واستمرَّت في النمو والتبلور خلال تاريخها اللاحق، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من عدوان، وقهر، وظلم، واستبداد، وكبرياء، وغرور، ولا مبالاة بصرخات العالَم للظلم الذي تمارسه، والقهر الذي تفرضه على الأبرياء في فلسطين والعرب في كل مكان؛ [الاتجاهات التعصبية، د/ معز سيد عبدالله، ص 234، 235، بتصرف].
والمُتَابِع لتاريخ نشأة الحركة الصهيونية يجدُ أنها امتدَّت عبر ثلاث مراحل، يمكن عرضها باختصار على النحو التالي:
1- مرحلة ما قبل مؤتمر "بازل":
وتمثَّلت هذه المرحلة في بروز الروَّاد الأوائل الذين أسهموا إسهامات فعَّالة في نشوء هذا الفكر وإنضاجه، وتحويله إلى حركة عنصرية شَغَلت العالَم بأساليبها العدوانيةِ التي اتبعتْها لتهيمنَ على مقدرات الشعوب، وتوسع سلطانها على أكبر بقعة من الأرض؛ لتثبت دعائم دولتها العنصرية، على أسس أفصحت عنها معطيات هذه المرحلة والمراحل التي أعقبتها.
فقد ظهرت الحركة الصهيونية إلى الوجود في منتصف القرن التاسع عشر على شكل مقالات وخطابات وكتب، ألقاها وحرَّرها زعماء ومفكرو الحركة الأوائل؛ حتى تثبت دعائم هذا الفكر في نهاية ذلك القرن.
ومن أهم دعاة الحركة الصهيونية العنصرية في هذه المرحلة من مراحل تطوُّرها - على سبيل المثال لا الحصر - الحاخام "يهود المالي"، و"موسى هس"، و"موشية لايب ليلنبلوم"، و"تيودور هيرتزيل" مؤسِّس الصهيونية الحديثة.
وقد نشأتْ خلال هذه المرحلة جمعياتٌ، وحركات، ومنظمات يهودية بارزة، كان هدفها الترويج والتمهيد للحركة الصهيونية، وإقامة مشاريع الاستيطان في فلسطين.
ومن أهم هذه الجمعيات على سبيل المثال:
أ- جمعية رعاية الاستيطان اليهودي في فلسطين، وتأسَّست عام 1860م.
ب- حركة الإصلاح اليهودي، وتأسَّست عام 1884م.
جـ- منظمة أحباء صهيون، وتأسَّست عام 1882م.
2- مرحلة المؤتمر التأسيسي للحركة الصهيونية:
إن مؤتمر "بازل" الشهير، الذي عقد في سويسرا عام 1897م، لم يكن البداية الحقيقة للحركة الصهيونية وفكرها الأساسي، وإنما كان إحدى الحلقات الرئيسية للمخطط المرسوم من قِبَل المفكرين الصهاينة - كما أشرنا في البداية - وعلى رأسهم المؤسِّس الرسمي لتلك الحركة "تيودور هيرتزل"، ورئيس مؤتمرها الأول، والذي احتفظ بهذا المنصب حتى المؤتمر السادس، والمطَّلِع على الأفكار الصهيونية للمفكِّرين الصهاينة الذين برزوا قبل انعقاد المؤتمر الأول يجدُ أن الكثير منها يتطابق مع ما جاء به المؤتمر الأول من مقررات؛ [الاتجاهات التعصبية، ص 235 - 236].
وهو ما يوضِّح وجودَ مخطَّط مرسوم للأفكار العنصرية الصهيونية يَسِير في اتِّجاه النمو والتطور، ويتضح من خلال نتائج ومقررات هذا المؤتمر التي تحدَّدت على النحو التالي:
أ) المقررات العلنية:
1- تشكيل "لجنة العمل"، ومهمتها تبنِّي المفاوضات، وعقد الاتفاقات، وكل المساعي الممكنة لفرض إقامة دولة يهودية.
2- تأليف "المصرف الاستعماري اليهودي"، برأس مال قدره مليون جنيه إنجليزي، ويوضع تحت تصرف لجنة العمل، وهناك مقررات سياسية أخرى تضمَّنت الوسائل الكفيلة بتجميع يهود العالم "الشتات" في الوطن المزعوم، وتنظيم العلاقة مع الشعب اليهودي.
ب) المقررات السرية:
1- استعمال كافة الوسائل - "دول، وشخصيات" - بهدف إقامة دولة صهيون على أرض فلسطين.
2- ربط الجمعيات اليهودية بكافة المنظمات الدولية والسياسية؛ لاستغلالها في الغرض ذاته.
3- التظاهر في المجتمعات التي تحتقر اليهود بالشخصية المسيحية، مع الإيمان السري بأن المسيحية هي عدوة اليهودية.
4- تدعيم النظام السري في كل بلد من العالم، حتى يأتي يوم تسيطر فيه الدولة اليهودية على الدول الأخرى.
5- السعي الحثيث لإضعاف الدول السياسية القائمة بنقل أسرارها إلى أعدائها، وببذر بذور التفرقة والشقاق بين حكَّامها بواسطة الجمعيات السرية.
6- إن على اليهود اعتبارَ الجماعات الأخرى قطعانًا من الماشية، يجب أن يكونوا لُعَبًا في أيدي حكام صهيون.
7- اللجوء إلى التملُّق والتهديد والمال، في سبيل إفساد الحكَّام والسيطرة عليهم.
8- يجب أن يكون ذَهَبُ الأرض في أيدي اليهود؛ حتى يمكن السيطرة على الصحافة، والمسرح، والمضاربة، والعلم، والشريعة؛ لإثارة الرأي العام، وإفساد الأخلاق، والتهييج للرذيلة، ولملاقاة كل ميل إلى التهذيب المسيحي، ولتشديد عبادة المال والشهوة.
هذه هي المقررات السرية والعلنية التي صدرت عن المؤتمر الأول، والتي عملت الصهيونية جاهدةً على تحقيقها، وبالفعل طبقت الأكثرية منها، وتعتبر المقررات السرية أشد خطرًا على الإنسانية جمعاء؛ لما فيها من مطامع وأحلام بغيضة؛ [الاتجاهات التعصبية، ص 236، 237].
3- مرحلة ما بعد المؤتمر التأسيسي:
تميَّزت هذه المرحلة بنشاط مكثَّف لترسيخ الأسس النظرية للصهيونية العالمية، وبالنشاط العلمي الدؤوب من قِبَل روَّادها، وعلى رأسهم "تيودر هرتزل"، وكذلك بروز جمعيات ومنظمات انبعث بعضُها من المؤتمر الأول، والأخرى تأسَّست لخدمة الأهداف التي تبنَّاها المؤتمر ذاته، دون أن يوصي بتأسيسها.
وكان لهذا النشاط أثره في صدور اتفاقية "سايكس بيكو" عام 1916م، التي مزَّقت الوطن العربي شر تمزيق، وكذلك الحصول على وعد "بلفور" عام 1917م؛ [الصهيونية العالمية، ص 45 - 54، بتصرف].
وذلك بإقامة وطن قومي "للصهيونيين" في فلسطين، وبدأ توطين اليهود في فلسطين حتى عام 1948م، عندما أعلنت دولة إسرائيل في وقت لم يكن عددُ اليهود أثناءه يتجاوز 629 ألف نسمة، مقابل 319,1000 نسمة من العرب.
وقد فضَّلت الحركة الصهيونية إطلاقَ اسم إسرائيل على هذه الدولة مفضِّلة ذلك على الاسم الذي كان "هرتزل" قد اختاره وهو "دولة اليهود"، والأسباب التي دعتْهم إلى ذلك يبدو أنها كثيرة؛ من أهمها:
أ) إيجاد تناسق بين اسم الدولة والاسم العبري لفلسطين، وهو أرض إسرائيل.
ب) إيثار الصفة العنصرية الكامنة في اسم إسرائيل، على الصفة الدينية في لفظة اليهود.
ج) عدم الرغبة في التذكير بالحدود القديمة لمملكة اليهود البائدة، التي لم تكن تشمل إلا القسم الجنوبي من فلسطين من دون البحر، بما يمثل قيدًا تاريخيًّا للمطامع التوسعية الاستعمارية للصهاينة، الذين يريدون أن يضعوا تحت قبضتهم أوسعَ رقعة ممكنة من الوطن العربي"؛ [الشخصية الإسرائيلية، حسن ظاظا، ص 19، بتصرف].
هذه هي أهم مراحل تطوُّر ونمو الفكر الصهيوني، على مدار أكثر من قرن من الزمان، قدَّمناها باختصار مع إبراز أهم خصائصها، والنتائج التي أسفرت عن نمو هذا الفكر؛ [الاتجاهات التعصبية، ص238].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم