الصلاة في موعدها

الشيخ خالد الكناني

2025-01-17 - 1446/07/17 2025-01-23 - 1446/07/23
عناصر الخطبة
1/موقف عجيب من معركة تُستَر 2/تعظيم الصحابة والسلف الصالح لأمر الصلاة 3/خطورة تضييع صلاة الفجر 4/بشارات لأهل الفجر 5/فضائل شهود صلاة الفجر 6/مكانة وفضل راتبة الفجر القبلية.

اقتباس

يتألمون على صلاة فجر واحدة أخَّروها بسبب الجهاد في سبيل الله، في لحظة تبرق السيوف فوق الرؤوس وتتطاير الأرواح من حولهم. فكيف بمن يتنعمون بالأمن والأمان والخيرات الوافرة والنعيم، ثم ينام ويتأخر عن الصلوات، ثم لا يحدث ذلك في نفسه أيّ تأثُّر أو ندم أو أسف...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله ربّ العالمين؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أما بعدُ: أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- في السر والعلن، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون: تأملوا لهؤلاء الرجال وحالهم مع الصلاة؛ ففي يوم من أيام النصر والفتوحات تأخروا عن فريضة الفجر يومًا بسبب انشغالهم بالقتال والجهاد في فتح "تُستَر"، فلم يصلوا الفجر إلا بعد طلوع الشمس؛ أي بعد خروج وقتها.

 

والسؤال لماذا تأخروا عن أدائها في وقتها، هل بسبب النوم، أم السهر؟ أم تضييعًا للوقت، ما هو السبب إذًا؟ السبب هو أنه التحم المسلمون مع الفرس في معركة من أعنف المعارك في الفتوحات الفارسية وكان قتالاً رهيبًا، فكَبَّر المسلمون ودخلوا البلد، وذلك في وقت الفجر إلى أن تعالى النهار، ولم يصلوا الصبح يومئذ إلا بعد طلوع الشمس؛ بسبب ذلك القتال العنيف في تلك الليلة.

 

فماذا قال أولئك الأبطال الذين شاركوا في القتال في معركة تُستَر؟!

هذا أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- كان يقول بعد موقعة تُستَر: "والله لقد ضُيّعت علينا صلاة الصبح، لصلاةُ الصبح عندي خيرٌ من ألفِ فتحٍ".

 

وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- إذا تذكر فتح تستر حَزنَ حزنًا عظيمًا، يقول: "شهدت فتح تستر، وذلك عند صلاة الفجر فاشتغلَ الناس بالفتح، فما صلَّوا الصبح إلا بعد طلوعِ الشمسِ، قال أنس -رضي الله عنه-: فصليناها ونحن مع أبي موسى فَفُتح لنا. وقال أنس: وما يَسُرُّني بتلك الصلاة الدُّنيا وما فيها"، يعني ما يسرني أن يكون لي بدل هذه الصلاة الدنيا وما فيها.

 

الله أكبر! يتألمون على صلاة فجر واحدة أخَّروها بسبب الجهاد في سبيل الله، في لحظة تبرق السيوف فوق الرؤوس وتتطاير الأرواح من حولهم.

 

فكيف بمن يتنعمون بالأمن والأمان والخيرات الوافرة والنعيم، ثم ينام ويتأخر عن الصلوات، ثم لا يحدث ذلك في نفسه أيّ تأثُّر أو ندم أو أسف، يا الله!

 

أيها المسلمون: بشارات الفجر كثيرة وجليلة، ومن هذه البشارات:

أن صلاة الفجر طريق إلى الجنة وسبب للنجاة من النار، فقد بشَّرنا بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، والبردان هما الفجر والعصر. وعَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ الثَّقَفِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا؛ يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ".

 

ومن البشارات: أن صلاة الفجر سبب للتنعُّم برؤية الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة؛ فيا له من نعيم عظيم! فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"؛ يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ. ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)[طه: 103].

 

أيها الأحبة: ومن البشارات في صلاة الفجر، أنك تدخل في حمى الملك -سبحانه وتعالى-، وفي حفظه -جل في علاه-، فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ  -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحَ، فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ".

 

ومن البشارات: أنَّ مَن صلى الصبح في جماعة فقد نال فضل شهود الملائكة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فَضْلُ صَلاَةِ الجَمِيعِ عَلَى صَلاَةِ الوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ"، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء: 78].

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"؛ فنعمت الشهادة والشهود.

 

 هذه الفضائل والبشارات عن فريضة الفجر؛ فهل يحق لمن متَّعه الله -تعالى- بالصحة والعافية والأمن والأمان أن يتخلف عنها أو يتهاون بها ويتكاسل؟! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا".

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: لقد بيَّن لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكانة وفضل راتبة الفجر القبلية، وحثّ على الحرص عليها؛ فعَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".

 

وفي رواية أخرى أنهما أحب إليه من الدنيا جميعًا؛ فعَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: "لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا".

 

ولذلك حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على راتبة الفجر، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ".

 

فإذا كان هذا اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بالنافلة، فكيف بالفريضة؟

 

فالله الله! احرصوا وحافظوا على الصلوات المفروضة، وتزودوا من النوافل؛ لتنالوا رضى ربكم ومحبته والفوز بجنته.

 

هذا، وصلوا على من أمركم الله -تعالى- بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 

المرفقات

الصلاة في موعدها.doc

الصلاة في موعدها.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات