الصلاة على النبي فضلها ومعناها

خالد بن عبدالله الشايع

2021-02-19 - 1442/07/07 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

فحكم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: أما في التشهد الأخير فهو ركن من أركان الصلاة - عند الحنابلة, وقيل بوجوبها, وقيل باستحبابها, وأما خارج الصلاة فاختلف أهل العلم في ذلك بين الوجوب والاستحباب...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله حق حمده, وكل نعمة فمن عنده, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً خاتم أنبيائه ورسله، وخيرته من خلقه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

فيا أيها المؤمنون: لقد بعث الله نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمة؛ فشرفها بنبوته, ورفعها بمكانته, وأخرجها به من الظلمات إلى النور, فحق النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأمة عظيم, فما من خير إلا دل الأمة عليه, ولا شر إلا حذرها منه.

 

ولقد جعل الله على الأمة حقوقا لنبيها -صلى الله عليه وسلم-؛  جزاء لما قام به من تبليغ الرسالة ونصح الأمة, ومن تلك الحقوقِ: الصلاةُ والسلام عليه إذا ذكر, بل جعلها من جملة الأذكار التي يثاب عليها العبد, وسنتحدث -بإذن الله- في هذه الخطبة عن الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-, مبينين حكمها, صفتها, فضلها, ومعناها, وبعض فوائدها.

 

فحكم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: أما في التشهد الأخير فهو ركن من أركان الصلاة - عند الحنابلة, وقيل بوجوبها, وقيل باستحبابها, وأما خارج الصلاة فاختلف أهل العلم في ذلك بين الوجوب والاستحباب, قال القاضي أبو بكر بن بكير: "افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا تسليماً، ولم يجعل ذلك لوقت معلوم؛ فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنها".

 

ويتعين الأمر عند ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-, أخرج الترمذي في جامعه من حديث علي -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي".

 

وأما صيغة الصلاة فكما أمر الله -تعالى-: (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56], فتقول: "اللهم صل وسلم على نبينا محمد", فهذه أكمل صيغة لاشتمالها على الصلاة  والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-, إلا ما وردت صيغته في الصلاة, كالصلوات الإبراهيمية في التحيات, فلا بد من الإتيان بها كما ما ورد .

 

ولقد وعد الله قائلها بالأجر العظيم, فاستمع إلى ثوابها وتخيل عظيم الأجر, أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمر قال: سمعت رسول الله يقول: "إذا سمعتم المؤذن؛ فقولوا مثل ما يقول, وصلوا عليّ؛ فإنه من صلّى عليّ مرة واحدة, صلى الله عليه عشراً, ثم سلوا لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة, لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله, وأرجو أن أكون أنا هو, فمن سأل لي الوسيلة؛ حلت عليه الشفاعة".

 

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلّى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً", وأخرج النسائي في سننه من حديث عبدالله بن مسعود عن النبي قال: "إن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام", وأخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة, وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته؛ حلت له الشفاعة يوم القيامة".

 

وأخرج الترمذي في سننه من حيث أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك, فكم أجعل لك من صلاتي؟, فقال: "ما شئت", قال: قلت: الربع، قال: "ما شئت؛ فإن زدت فهو خير لك"، قلت: النصف، قال: "ما شئت؛ فإن زدت فهو خير لك"، قال: قلت: فالثلثين، قال: "ما شئت؛ فإن زدت فهو خير لك"، قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: "إذا تُكْفَى همَّكَ، ويُغْفرُ لك ذنبك", وفي رواية: "إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك".

 

وأحسن ما قيل في معنى هذا الحديث: أن المقصود بالصلاة في الحديث هو الدعاء, وذلك أن أبيا -رضي الله عنه- كان قد خصص وقتا للدعاء, فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- كم أجعل لك في هذا الدعاء, فأخصصه للصلاة عليك؟ .

 

اللهم صل على الهادي البشير, والسراج المنير, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أقول قولي هذا, وأستغفر الله وأتوب إليه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله, والصلاة والسلام على نبيه, وعلى آله وصحبه ومن تبعه.

 

أما بعد: فيا أيها الناس: لا يزال حديثنا موصولا عن الصلاة والسلام على نبي الأمة -عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم-, ولربما يتساءل البعض عن معنى الصلاة والسلام على النبي -صلى الله ليه وسلم-؛ فمعنى الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في قول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]؛ قال ابن كثير -رحمه الله-: "المقصود من هذه الآية أن الله -سبحانه وتعالى- أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى؛ بأنه تصلي عليه الملائكة, ثم أمر الله -تعالى- العالم السفلي بالصلاة والسلام عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً".


قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في جلاء الأفهام: "والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله فصلوا عليه أنتم أيضاً, صلوا عليه وسلموا تسليماً؛ لما نالكم ببركة رسالته, ويمن سفارته، من خير شرف الدنيا والآخرة".


وقد ذُكر في معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أقوال كثيرة، والصواب ما أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً به  من قول أبي العالية: "إن الصلاة من الله ثناؤه على المصلي عليه في الملأ الأعلى"؛ أي: عند الملائكة المقربين, "والسلام: هو السلامة من النقائص والآفات, فإن ضم السلام إلى الصلاة حصل به المطلوب, وزال به المرهوب؛ فبالسلام يزول المرهوب وتنتفي النقائص, وبالصلاة يحصل المطلوب وتثبت الكمالات" قاله الشيخ محمد بن عثيمين.

 

وأما صلاة الملائكة فهو الاستغفار, وصلاة الآدميين عليه هي الدعاء, وهناك مواطن يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-  ويرغب فيها:

أولاً: قبل الدعاء.

ثانياً: عند ذكره وسماع اسمه أو كتابته.

ثالثا: الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة؛ أخرج أبو داود في سننه من حديث أوس بن أوس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة, فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ".


الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه كثيرة جدا, عدَّ منها ابن القيم  تسعاً وثلاثين فائدة في كتابه جلاء الأفهام.

 

المرفقات

الصلاة على النبي فضلها ومعناها.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات