عناصر الخطبة
1/ منزلة الصلاة في الدين 2/ من فضائل الصلوات الخمس 3/ أحب الأعمال إلى الله 4/ خير عون على أمور الدنيا والدين 5/ من أسباب مرافقة النبي -عليه السلام- 6/ ميزان بين الإسلام والكفر 7/ وجوب أدائها في جماعة 8/ روح الصلاة الخشوعاقتباس
الصلاة خير عون على أمور الدنيا والدين؛ تجمل المرء بمكارم الأخلاق وتنهاه عن الفحشاء والمنكرات، ماحية للخطايا مكفرة للسيئات، شبهها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنهر الجاري المزيل للأدران، تحفظ العبد من الشرور ومهالك الردى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله حتى يمسي". رواه مسلم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
أيها المسلمون: أمر الله -عز وجل- خلقه بإفراده بالعبادة؛ فلا يُقبل عمل بلا توحيد، وثنى بعبادة بعد توحيده -سبحانه- وأكثر من ذكرها، وأمر الرسل بها فقال لموسى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 14]، وقال عيسى -عليه السلام-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً) [مريم: 31]، ودعا إبراهيم ربه أن يكون هو وذريته من المؤدِّين لها: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا...) [إبراهيم: 40]، وأثنى على إسماعيل لأمره أهله بها: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ...)، وهي من الميثاق الذي أُخذ على الأمم السابقة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ...) [البقرة: 83]، وهي من وصايا لقمان: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ...) [لقمان: 17]، وأمرت هذه الأمة بالمحافظة عليها: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238]، وأُمر بها النساء: (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ)، وهي من أسس الإيمان؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لوفد عبد القيس: "هل تدرون ما الإيمان بالله؟! شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة"؛ متفق عليه.
منزلتها في الدين بعد الشهادتين، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بها في أوائل دعوته، قال هرقلُ لأبي سفيانَ: بم يأمركم به؟! يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: بالصلاة والزكاة، والعفاف والصلة. متفق عليه.
وهي أحب الأعمال إلى الله؛ سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله؟! قال: "الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين". متفق عليه.
وخُصَّت من بين سائر العبادات بفرضيتها في السماء، فلم ينزل بها ملك إلى الأرض، بل كلّم الله نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بفرضيتها من غير واسطة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة". متفق عليه.
عظمت منزلتها ففرضت خمسين صلاة، ثم خُفِّفت إلى خمس في العدد وبقيت خمسين في الثواب، أحبها الصحابة -رضي الله عنهم-، فكانوا يؤدونها في أشد المواطن؛ قال جابر -رضي الله عنه-: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومًا، فقاتلونا قتالاً شديدًا، فقال المشركون: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من أولادهم. رواه مسلم.
وبايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها؛ قال جرير -رضي الله عنه-: بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. متفق عليه.
خير عون على أمور الدنيا والدين؛ تجمل المرء بمكارم الأخلاق وتنهاه عن الفحشاء والمنكرات، ماحية للخطايا مكفرة للسيئات، شبهها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنهر الجاري المزيل للأدران، تحفظ العبد من الشرور ومهالك الردى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله حتى يمسي". رواه مسلم. ترفع عن العبد المصائب والفتن، والآفات والمعايب؛ قال -سبحانه وتعالى-: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) [البقرة: 45]، قال ابن كثير -رحمه الله-: الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر؛ تفتح أبواب الرزق وتيسره.
قال -سبحانه- عن زكريا: (فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى) [آل عمران: 39]، وقال عن مريم: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً) [آل عمران: 37]، تقوِّي البدن وتشرح الصدر، إذا استيقظ العبد فذكر الله، ثم توضأ وصلى ركعتين أصبح يومه نشيطًا طيب النفس. رواه البخاري.
وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها نور، فقال: "والصلاة نور". رواه مسلم. وهي من موجبات دخول الجنة والرفعة فيها؛ سأل ثوبان -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: بأحب الأعمال إلى الله، قال: "عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة". رواه مسلم.
والصلاة من أسباب مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة؛ قال ربيعةُ بن كعب -رضي الله عنه-: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سل"، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أوَغير ذلك؟!"، قلت: هو ذاك، قال: "فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود". رواه مسلم.
كانت قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجعلها آخر وصيته في حياته لأمته؛ قال أنس -رضي الله عنه-: كان عامة وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت: "الصلاةَ وما ملكت أيمانكم".
فضائلها جمة، ومنافعها متعدية، قال عنها -عليه الصلاة والسلام-: "لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا" ؛ أي زحفا على الأيدي والركب. متفق عليه. فرض على كل مسلم أداؤها في كل مكان وعلى أي حال؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجلٍ أدركته الصلاة صلى حيث كان". متفق عليه.
جعلها الإسلام ميزانًا بين الإسلام والكفر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بين الرجل وبين الشرك أو الكفر تركُ الصلاة". رواه مسلم. قال عمر -رضي الله عنه-: لا إسلام لمن لم يصلِّ. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: من ترك الصلاة فلا دين له.
وواجبٌ فعلها في وقتها؛ قال -جل شأنه-: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم: 59]، قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: لم تكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا وقتها. قال إسحاق بن راهويه -رحمه الله-: رأي أهل العلم من لدن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا أن ترك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها أنه كافر.
والله أوجب أداءها جماعة في بيوت الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر". رواه مسلم. بل لم يعذر النبي -صلى الله عليه وسلم- فاقدَ البصر من الإتيان إليها؛ جاء رجل أعمى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إني رجل أعمى، وليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل تسمع النداء للصلاة؟!"، قال: نعم، قال: "فأجب". رواه مسلم.
وقد هم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريق بيوت أُناس لا يشهدون الصلاة في المساجد لولا ما فيها من النساء والذرية. متفق عليه. قال ابن حجر -رحمه الله-: هذا الحديث ظاهر في كون صلاة الجماعة فرضَ عينٍ؛ لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن معه.
والتفريط في صلاة الجماعة من أسباب استحواذ الشيطان على العبد، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان". رواه أبو داود. قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق". وشهودها أمارة على الإيمان، قال -جل شأنه-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ) [التوبة: 18]، وكان الصحابة يؤدونها جماعة -ولو مع المشقة- قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: لقد رأيت الرجل يؤتى به يُهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف. قال الربيع بن خيثمة -رحمه الله-: إن استطعتم أن تاتوها فأتوها ولو حبوًا.
وآخر ما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- من صحابته قبل وفاته رآهم وهم يصلون جماعة، قال أنس -رضي الله عنه-: كشف النبي -صلى الله عليه وسلم- ستر حجرته في مرضه الذي مات فيه، فنظر إلى الناس صفوفًا يصلون فتبسم ضاحكًا، قال أنس: فكانت آخر نظرة نظرها إلى صحابته. متفق عليه.
والله قِبَلَ وجه المصلي، والخشوع هو روح الصلاة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي ولصدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها. قال الكرمي -رحمه الله-: كان شيخ الإسلام -رحمه اله:- إذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه. فأقبلوا عليها بخشوع وسرور بأدائها جماعة تطهر أرواحكم، وتمحَ زلاتُ ألسنتكم وما اقترفته جوارحكم، وترفعْ درجاتكم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور: 56]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: الصلاة سبب الفوز والفلاح؛ من مشى إليها لم يخطُ خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة، وتصلي عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله، ومن تعلق قلبه بالصلاة يتحين النداء للصلاة التي تليها أظله الله تحت ظل عرشه؛ فأدوا الصلوات جماعة في بيوت الله طيبةً بها نفوسُكم، منشرحة بها صدوركم تنالوا ثواب ربكم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون -أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ- وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّرْ أعداء الدين، واجعلِ اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًا، وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وفّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
اللهم جنبنا وذرياتنا عبادةَ الأصنام، واجعلنا وإياهم من مقيمي الصلاة يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ألهمنا الصواب، ووفقنا للحق وجنبنا الفتن.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم