الصراع على المرأة

سعد بن تركي الخثلان

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ من أعظم الصراع بين الحق والباطل الصراع على المرأة 2/ أعداء المرأة في الداخل والخارج 3/ من وسائل التصدي لهذا الصراع 4/ خطر التساهل في أمر الحجاب ولباس المرأة 5/ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

اقتباس

وهؤلاء الأعداء يعلمون أن المرأة هنا لو فعلت كما فعلت المرأة الغربية لأمكن ترويض هذه المجتمعات التي استعصت عليهم؛ لأن الشهوات مفتاحها وبابها المرأة، ويعلمون ويدركون جيدا أن الرجال الأقوياء الأشداء لا يُلين عريكتهم إلا النساء، فسلطوا كل ما يستطيعون من أنواع المكر والكيد المعلن والخفي بأساليب متنوعة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، أحمده تعالى وأشكره حمد الشاكرين الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون اتقوا الله حق التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:3:2] (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4] (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5].

 

عباد الله: الصراع بين الخير والشر والحق والباطل والإيمان والكفر سُنة ماضية منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وهذا الصراع يأخذ صورا وأشكالا تختلف من عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان، ولكن هناك قواعد وأسس يتفق عليها أعداء الدين والمبادئ، قواعد كلية وأسس متشابهة في حربهم وعدوانهم على الحق وأهله.

 

وإن من ميادين الصراع القديمة هو الصراع على المرأة بين دعاة الضلالة والاستمتاع بالمرأة وإهانتها، وبين دعاة العفة والطهارة ومريدي كرامتها ورفعتها، يحرص الأعداء منذ القدم على المرأة؛ لماذا؟ لأن المرأة إذا فسدت ضعف المجتمع وانحلت عراه وانتشرت الرذيلة وأمكنت السيطرة على المجتمع وتنفيذ المخططات التي يريدون؛ فالمرأة بوابة قوية إذا هدمت هدم المجتمع، ويدل ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" (مسلم:7124) وفي الحديث الآخر : "أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل من النساء"؛ فلنعتبر بما حصل للأمم السابقة؛ فإن النقص أول ما يدخل على المجتمع من جهة المرأة.

 

وفي هذه الأزمان المتأخرة وتحديدا في هذا البلد المبارك مأرز الإسلام وبلد الحرمين الشريفين فإن المرأة تتعرض لهجوم سافر حاقد بشع؛ فالمرأة في بلادنا مستهدفة من قبل الأعداء في الخارج والداخل، أما الأعداء في الخارج فلا غرابة في ذلك وكيدهم مكشوف وصريح ومعلن، والمسلمون يرفضونه جملة وتفصيلا، وربنا تبارك وتعالى قال في كتابه: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89] وقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109].

 

وهؤلاء الأعداء يعلمون أن المرأة هنا لو فعلت كما فعلت المرأة الغربية لأمكن ترويض هذه المجتمعات التي استعصت عليهم؛ لأن الشهوات مفتاحها وبابها المرأة، ويعلمون ويدركون جيدا أن الرجال الأقوياء الأشداء لا يُلين عريكتهم إلا النساء، فسلطوا كل ما يستطيعون من أنواع المكر والكيد المعلن والخفي بأساليب متنوعة وعبر وسائل الإعلام والمؤتمرات الدولية والتغريب وغير ذلك.

 

وأما الأعداء من الداخل فهم المنافقون الذين قال الله تعالى عنهم: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون:4]؛ الذين وحدوا جهودهم لإفساد المرأة المسلمة بحجة الإصلاح (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة :11-12] عز عليهم الوضع المتميز للمرأة في بلادنا من بين كل شعوب الدنيا حيث الحجاب والعفة والصيانة والرعاية في ظل الشريعة الإسلامية، فحقهم مكفول في الجملة رغم وجود تقصير من بعض الأفراد، لكن لا تزال هذه البلاد -ولله الحمد- التعليم فيها غير مختلط في الجملة، ولا تزال العفة والحشمة فيها هي الظاهرة وهي السائدة.

 

عباد الله: إن على المجتمع كله التصدي لهذا الاستهداف، وأن يقوم كل واحد من أفراد المجتمع بمسئوليته العظيمة تجاه أسرته؛ فكل منا مسئول أمام الله -عز وجل- "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (البخاري:4801، مسلم:3408)؛ فالرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (البخاري: 4801 - مسلم: 3408).

 

علينا جميعا أن نهتم بتربية أبنائنا وبناتنا، وأن نغرس فيهم المبادئ والقيم الفاضلة؛ فهذا من أعظم الحقوق التي تجب علينا تجاههم؛ لا تكفي العناية بالأمور المادية من المأكل والملبس والمشرب والمركب ونوعية المدرسة ونحو ذلك، ماذا يفيد هذا كله إذا فسدت أخلاقهم؟!

 

ومن وسائل التصدي لهذا الصراع: السعي لجلب الإعلام الآمن من القنوات المحافظة تدل على الخير وتأمر به وتنشر الفضيلة وتحذر من الرذيلة؛

 

ومن وسائل التصدي لهذا الصراع: العناية بالخلطة والصحبة وكثرة الجلوس معهم من قبل أن تتخطفهم شياطين الإنس والجن؛ فإن الصحبة أثرها كبير على الأبناء وعلى البنات،.

 

ومن وسائل التصدي لهذا الصراع: التذكير بالله -عز وجل- وغرس الإيمان بالله سبحانه في نفوسهم، وتعظيم الله وتعظيم رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومحبة الله ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-

 

ومن أعظم وسائل التصدي لهذا الصراع: إعلاء شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعزيزه، وهو وإن كان مطلوبا من الجميع إلا أنه ينبغي العناية بما تتميز به هذه البلاد، وهو وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينبغي تشجيعهم ودعمهم دعما معنويا، والذب عن أعراضهم؛ فهم دعاة الفضيلة وحراسها، وهم صمام الأمان للمجتمع، وكلما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قويا في المجتمع كان ذلك أكثر أمانا للمجتمع من أن تسلط عليه العقوبات، أما إذا ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن هذا مؤذن بتسليط العقوبات على المجتمع، وهي عقوبات كثيرة ومتنوعة بحسب ما تقتضيها حكمة الله -عز وجل-.

 

ومن وسائل التصدي لهذا الصراع: الاهتمام بمحاضن العفة والفضيلة وتشجيعها وتكثيرها والعناية بها وتطويرها ودلالة الناس عليها ودعمها ماديا ومعنويا والمشاركة فيها بكل ما نستطيع، ومن هذه المحاضن مدارس تحفيظ القرآن الكريم النسائية والمراكز الاجتماعية التي يقوم عليها الثقات والتي تُعنى بغرس القيم الفاضلة وغرس الفضيلة في نفوس الفتيات.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

 

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

عباد الله: إن ما يرى من التساهل الملحوظ والملفت للنظر خاصة في السنوات الأخيرة التساهل في أمر الحجاب ولباس المرأة وما يتعلق بالحشمة من بعض نساء المجتمع له أسباب كثيرة، ولكن من أبرز هذه الأسباب:

أن الرجال لا يقومون بمسئوليتهم التي ولاهم الله تعالى إياها، بل عندهم ضعف كبير أو عدم مبالاة، وهذا ما جعل النسوة يتجرأن على التساهل بأمر الحجاب واللباس الذي هو بوابة الشر والفتنة؛ فالمرأة إذا ظهرت محتشمة عفيفة فإنه لا أحد يتعرض لها ولا أحد يؤذيها ولا أحد يتحرش بها ولا أحد يعاكسها، إنما تحصل هذه الأمور كلها عندما تلبس المرأة لباسا فيه تبرج وفيه سفور وفيه إظهار لمفاتنها، والدليل لهذا قول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59]؛ أي أن يعرف النساء بالعفة، وإذا عرفن بالعفة والحشمة والستر فإنهن لا يؤذين من الفساق بالتحرش والمعاكسة؛ فاللباس المحتشم هو المفتاح الأول لحمايتها

 

إن تبرج بعض النساء في الأسواق وغيرها بحيث ترى بزينتها متعطرة مكتحلة قد لبست من اللباس ما يثير أنظار الرجال ويطمع بسببه من في قلبه مرض، وقل مثل ذلك فيما تلبسه بعض النساء من لباس فاضح وشبه عار في قصور الأفراح والمناسبات، كل هذا يطرح تساؤلا كبيرا: أين أولياء أمور هؤلاء النسوة؟! أين أزواجهن إن كن متزوجات؟! وأين آباؤهن وإخوانهن إن كن غير متزوجات؟! إن كان أولياء أمورهن لا يعلمون بذلك فهي مصيبة، وإن كانوا يعلمون وأقروه ورضوا فالمصيبة أعظم!.

 

وإن تعجب من هذا فاعجب من رجل يسير مع زوجته في السوق، والزوجة متبرجة وقد أظهرت كثيرا من مفاتنها وزينتها، أكحلت عينيها ولبست لباسا مثيرا لأنظار الرجال تقلب عينيها في الرجال يمنة ويسرة، وهذا الرجل يراها على هذه الحال ولا يحرك ساكنا! أوصل الضعف إلى هذه الدرجة أم هي القلة والمبالاة بأوامر الله ورسوله؟ هل ضعفت الغيرة لدى بعض الرجال إلى هذه الدرجة والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم:6] لم يقل فقط قوا أنفسكم نارا بل قال: (وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

 

إن على ولي الأمر مسئولية كبيرة تجاه أسرته وهو مسئول عنها أمام الله -سبحانه وتعالى- فيجب عليه أن يمنع المرأة المتبرجة من أن تخرج أمام الرجال بتبرجها وسفورها، وإن لم يفعل هذا فإنه قد قصر وخان الأمانة، وقد جاء في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل- عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة" (البخاري:6731) وهذا وعيد شديد في حق من قصر في رعاية من ولاه الله تعالى رعايته، هذا وعيد شديد لم يرح رائحة الجنة؛ لأن الله تعالى ولاه رعية وولاه مسؤولية لكنه قصر في القيام بمسؤوليته وقصر في القيام برعايته.

 

إن على أولياء الأمور من أزواج ومن آباء ومن إخوة ومن غيرهم عليهم أن يتقوا الله -عز وجل- وأن يقوموا بواجب المسئولية أن يأمروا نساء البيت بطاعة الله -عز وجل-، وأن يحذروهن ويمنعوهن من معصية الله تعالى؛ فإذا فعلوا بذلك فإنهم قاموا بأسباب صلاح الأسرة وأسباب استقرارها وأسباب سعادتها، أما إذا ضعف في القيام بذلك ولم يتق الله تعالى في ذلك فإن هذا يفتح عليه أبواب شرور عظيمة؛ لأنه لم يتق الله تعالى في أمر أسرته.

 

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم الله بذلك فقد قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

المرفقات

الصراع على المرأة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات