الصراط

ناصر بن محمد الأحمد

2010-10-03 - 1431/10/24
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ النفخ في الصور والبعث والنشور 2/ مرور الناس على جسر جهنم 3/ وصف الصراط وصفة مرور الناس عليه 4/ حال الأنبياء على الصراط 5/ كيف تكون النجاة من هول الصراط 6/ مرور أهل النفاق 7/ آخر أهل الجنة دخولاً

اقتباس

يؤمر بك يا عبد الله، لكي تعبر الصراط، وهو الجسر المضروب على متن جهنم، تمشي على جسر وتحتك نار جهنم، نارٌ أُحمي عليها ألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، ثم يطلب منك أن تعبر هذا الجسر ...

 

 

 

 

إن الحمد لله...

أما بعد:

أيها المسلمون: إذا كان يوم القيامة، بُعث الناس من قبورهم، ويكون ذلك بالنفخ في الصور، يأمر الله -جل جلاله- إسرافيل فينفخ، فيقوم الناس لرب العالمين: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر: 68]، فإذا قام الناس من قبورهم بدأ الحشر: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) [مريم: 85، 86]، وقال سبحانه: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً) [طه: 108]، فلا تسمع إلا همسًا، من هول الموقف وخوف الناس من المصير الذي سيؤولون إليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يحشر الناس على ثلاث طرائق، راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا".

فيقف الناس في الموقف في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم، يكون بعدها العرض والحساب والمناقشة؛ قال الله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ) [النمل: 83-85]، عندها يبدأ المسائلة: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92، 93]، "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة". بعدها توزع الشهادات وتظهر النتائج: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ) [الحاقة: 19-27].

ثم يضرب جسر جهنم ليمر الناس عليه، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويضرب جسر جهنم"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فأكون أولُ من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو".

إنها لمواقف، سوف نمر بها، يؤمر بك يا عبد الله، لكي تعبر الصراط، وهو الجسر المضروب على متن جهنم، تمشي على جسر وتحتك نار جهنم، نارٌ أُحمي عليها ألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، ثم يطلب منك أن تعبر هذا الجسر، وكما سمعت في حديث أبي هريرة أن هناك كلاليب، تشبه شوك السعدان لكن لا يعلم عظمها إلاّ خالقها، مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه، كما في صحيح مسلم: "وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به"، فما أنت فاعل يا عبد الله، والمرور والعبور كما سمعت في الحديث بحسب العمل في الدنيا، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل، ومنهم الناجي. أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثم يؤتى بالجسر، فيجعل بين ظهري جهنم"، قلنا: يا رسول الله: وما الجسر؟! قال: "مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب مفلطحة، لها شوكة عقيفاء، تكون بنجد يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا".

إن الناس على الصراط كما سمعتم، منهم من يُسلّمه الله تعالى، فلا يحس بألم تلك الخطاطيف والكلاليب، وهؤلاء الناجون أيضًا ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من يكون عبوره كلمح البصر، ومنهم من يكون عبوره كالبرق، ومنهم كسرعة الريح، ومنهم كأجاويد الخيل وهكذا، حتى إن آخرهم يسحب سحبًا، ومنهم من ينجو لكن يصيبه شيء من خدوش تلك الكلاليب، فتؤثر في جسده، ومنهم -والعياذ بالله- من تأخذه تلك الكلاليب فلا تدعه حتى تنتهي به في قعر جهنم، مكدوسًا فيها، مسوقًا بشدة وعنف من ورائه ليكون فوق من سبق، يكدسون كما تكدس الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضًا. هذا حال الناس أيها الأحبة يومئذٍ على الصراط.

وينفع العبد يومئذٍ الأمانة والرحم، كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأمانة والرحم تقومان على جنبتي الصراط، إن الأمانة والرحم ترسلان فتقومان جنبتي الصراط، ما هو السبب في قيامهما ذلك؟! السبب: هو أداء الشهادة للشخص أو عليه بما كان يفعله تجاههما من القيام بهما، وأداء الواجب الذي أمر الله به نحوهما، والوفاء والتمام الذي كان يسير عليه في حياته الدنيا، أو تشهدان عليه بالخيانة والغدر وعدم القيام بالواجب نحوهما. فيا من في أعناقكم أمانات -وكلنا كذلك وكل بحسبه-: أد الأمانة قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها في موطن تكون الزلة تحتها قعر جهنم: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب: 72].

الوضوء أمانة، والغسل أمانة، والعمل أمانة، والبيت والأولاد أمانة، والدعوة أمانة، والعلم أمانة، والولاية أمانة، ألا فليؤدّ كل مُؤتَمَن أمانته.

أما الرحم، فيوم خلقها الله تعلقت به -عز وجل- وقالت: هذا مقام العائذ بك يا رب، فقال لها: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟! فقالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك. فليحذر قاطع الرحم من خطورة الموقف: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23].

ثم إن دعوى الأنبياء يومئذٍ على الصراط: اللهم سلم سلم، روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثم يوضع الصراط بين ظهري جهنم، والأنبياء بناحيتيه، قولهم: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم". فإذا كان هذا دعوى الأنبياء: اللهم سلم سلم، فماذا يقول غيرهم؟! ماذا عساه أن يقول قاطع الرحم؟! أو مضيع الأمانة؟! أو مهمل الصلاة؟! أو تارك الزكاة؟! ماذا عساه أن يقول آكل الربا؟! وظالم العمّال؟! وشارب الخمر؟! إذا كان الأنبياء الذين عملهم الدعوة إلى دين الله دعواهم يومئذٍ: اللهم سلم سلم، فماذا يقول من همه محاربة الدعوة ومنابذة الشريعة ومخاصمة الملة؟! عن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُحمل الناس على الصراط يوم القيامة، فَتَقَادع بهم جنبتا الصراط، تقادع الفراش في النار"، قال: "فينجي الله -تبارك وتعالى- برحمته من يشاء". رواه الإمام أحمد.

فإذا عبرت الأمم، وسقط من سقط، ونجا من نجا، وكلٌ أخذ مكانه، جيء بالموت، فيوقف على الصراط، ويذبح هناك؛ أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟! قالوا: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كليهما: خلود فيما تجدون، لا موت فيها أبدًا".

أيها المسلمون: كيف تكون النجاة من هول الصراط؟!

إن الله -تبارك وتعالى- له صراطان، صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فمن استقام في الدنيا على صراط الله، ثبّته الله في الآخرة على الصراط، وصراط الله في الدنيا هو شرعه ودينه، هذا الصراط هو طريق محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم-، الزم هذا الصراط واثبت عليه، يثبتك الله على صراط الآخرة.

اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

بارك الله لي ولكم...

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

أما بعد:

أيها المسلمون: إن الصراط ممر رهيب، وعقبة خطيرة، عليه من أنواع التعذيب ما لا يعلمه إلا الله، عليه كلاليب كشوك السعدان، لا يتكلم عليه أحد غير الرسل من هول الموقف، وهو دحض مزلة، ينـزلق فيه المارة بسرعة، أول من يجيزه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمته، إكرامًا وتشريفًا لهم، والناس عليه حسب أعمالهم، فاستعدوا لخطورة الصراط والمرور عليه؛ إذ هو مظنة الهلكة إن لم يكتب الله السلامة لمن يجتازه، فهذا يسقط، وهذا يزحف، وهذا يمر مسرعًا، وهذا تصيب جوانبه النار، وهذا تخطفه الكلاليب، حقًّا إنه لممر عصيب ومسلك رهيب، أعاننا الله عليه بفضله ورحمته. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد أنه قال: بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف.

ثم إن الصراط يكون مظلمًا، تخيّل تسير على جسر أدق من الشعر وأحد من السيف والطريق مظلم، وتحتك جهنم، وعندها تقسم الأنوار على العباد بحسب أعمالهم، ليروا الطريق أمامهم، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة، ويطفئ مرة، إذا أضاء قدّم قدمه، وإذا أطفأ قام، إلى أن قال: فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، تخرّ يد وتعلق يد، وتخرّ رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار". أخرجه الحاكم في المستدرك.

وأهل النفاق الذين كانوا يتظاهرون في الدنيا بالصلاح، ويظهرون الحرقة على الدين، وربما نسبوا لأنفسهم مشاريع إسلامية، وهم في الحقيقة منافقون إنما يفعلون ما يفعلون لمصالح شخصية، هؤلاء ينكشفون عندما تقسم الأنوار، فيعطى المؤمن نورًا، ويترك ذلك المنافق الذي قد انطفأ نور الإيمان في قلبه في الدنيا، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 40]، فيريد المنافق أن يستضيء من نور المؤمن، لكن لا حيلة: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمْ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحديد: 13-15].

أيها المسلمون: وهناك نوعيات من البشر بمجرد ركوبهم على الصراط فإنهم يمنعون من عبوره، فتخرج عنق من النار تلتقطهم وترميهم في جهنم والعياذ بالله. أخرج الإمام أحمد بسنده من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يخرج يوم القيامة عنق من النار، لها عينان تبصران وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، تقول: إني وكلت بثلاثة، بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصورين". وفي رواية أبي سعيد: "ومن قتل نفسًا بغير نفس". بدل المصورين.

أيها المسلمون: وآخر رجل يمر على الصراط من أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- عند مسلم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشى على الصراط مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: أي رب: أدنني من هذه الشجرة، أستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله -تبارك وتعالى-: يا ابن آدم: لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: يا رب: أدنني من هذه الشجرة لأشرب من مائها وأستظل بظلها ولا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم: ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها؟! فيقول: لعلي إن أدنيتك منها أن تسألني غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لم صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي ربي: أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها ولا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم: ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟! قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع صوت أهل الجنة، فيقول: يا رب: أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم: ما يرضيك مني؟! أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟! قال: يا رب: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين!!". فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني مما أضحك؟! قالوا: مم تضحك؟! قال: ضحك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟! قال: "من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! فيقول: لا أستهزئ بك، ولكنى على ما أشاء قادر".

اللهم هون علينا عبور الصراط، واجعلنا اللهم ممن يسوقه عمله كالطرف.
 

   

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات