عناصر الخطبة
1/بعض فوائد الصداقة 2/أمثلة لتأثير الصحبة الطيبة على الأصدقاء 3/أسباب احتياج الإنسان إلى صديق 4/الصداقة الجوفاء وآثارها السيئة 5/نصائح لدوام الصداقة وصلاحها 6/التحذير من الصداقات الإلكترونيةاقتباس
المسلمُ بحاجةٍ إلى الصديقِ في كل حال، من شدةٍ أو رخاءٍ، فعندَ الشدةِ تُلتمَس منه المعونةُ، وعندَ الرخاءِ تُكتسَب منه المؤانسةُ، والمؤمنُ قويٌّ بإخوانه، كثيرٌ بهم، قليلٌ بنفسه... فلا يسلم المرءُ من الغفلة، فيحتاج إلى مَنْ يُنبِّهه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله على نعمه وفضله، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أمرنا بطاعة أمره ونهيه، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، عبد الله حقًّا في سره وجهره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
الصداقة تملأ حياةَ الإنسان بالمودة والأنس، وتغمره بالسعادة والسرور، وهي ضرب من الأُخوَّة الإيمانيَّة، في أبهى صورها، ومبدأ الأُخوَّة الإيمانيَّة مطلب شرعي وغاية نبيلة اعتنى الإسلام بها، وفي الحديث: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
خلَّد القرآنُ أجلَّ صحبة مع أعظم رسول في موقف سطَّرَه التاريخُ؛ (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التَّوْبَةِ: 40]، نال الصديق أبو بكر -رضي الله عنه- هذه المنقبةَ الظاهرةَ والصحبةَ الغاليةَ، بالبَذْل والتضحية والحب الصادق، حتى قال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله بعثني إليكم فقلتُم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ -مرتين-. فما أوذي بعدها".
ومن تأثير الصحبة على المصاحب ما نال الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- من شرف الصحبة لنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنهم لم يسبقوا بهذه المزية من أحد بعدهم، وفي صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ".
والمسلمُ بحاجةٍ إلى الصديقِ في كل حال، من شدةٍ أو رخاءٍ، فعندَ الشدةِ تُلتمَس منه المعونةُ، وعندَ الرخاءِ تُكتسَب منه المؤانسةُ، والمؤمنُ قويٌّ بإخوانه، كثيرٌ بهم، قليلٌ بنفسه، فالمصباحُ مع المصباح أكثرُ إنارةً للطريق، ثم إنَّ المصباح الواحد مهما كان قَوِيَ الإضاءة فقد تضعُف إنارتُه في أي لحظة، فلا يسلم المرءُ من الغفلة، فيحتاج إلى مَنْ يُنبِّهه، ومن النقص فيحتاج إلى مَنْ يُكمِلُه، والعاقل ينتقي الصاحبَ الوافرَ العقل، المتشبِّع بالحكمة، فما كلُّ صاحب يُشَدّ به الظهرُ.
أمَّا الصداقةُ الجوفاءُ، والصداقة المبنيَّة على المصالح الشخصيَّة، والمنافع الذاتيَّة، التي يظهر زيفها فتنهار دعائمها عند أول طارئ يطرأ؛ لأنَّها لم تبن على أساس راسخ ومحبة صادقة، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من صاحب السوء فيقول: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السَّوْءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السَّوْءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السَّوْءِ، وَمِنْ صَاحِبِ السَّوْءِ".
نعم، قد يعيش الإنسان في أوضاع صعبة، ووحشة من حاله، فيجد سلوته في صديقه المنصِف في صداقته، صادق الوعد في مُعامَلَته، يشعر الصديق مع صديقه بشعور العزة، فالنظير يَهَشّ لنظيره، ويعتَضِدُ به، فإذا ذهَب النظيرُ بَقِيَ فردًا في عزلة ووحشة وغربة، قال الإمام أحمد بن حنبل: "إذا مات أصدقاءُ الرجلِ ذَلَّ"، ولَعمري إن لقاء الأصدقاء مَسلاةٌ لِلْهَمّ، ومُذهِبَةٌ للأحزان، يقول الكفار يوم القيامة، فيما ذكره القرآن عنهم: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)[الشُّعَرَاءِ: 100-101]؛ وذلك لعلمهم أن الصديق هو من يتوجع لأجلك، هو من يواسيك، ويقف بجانبك عند شدتك، جعل الله الأرواح جنودا مجندة، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ"، وفي هذا إشارة إلى التشاكل في الطباع من خير وشر، وكل يحن إلى نظيره.
نعمة الألفة بين القلوب لا تُقَدَّر بثمن، فمن وجد له أخا مرضي الخصال فليتمسك به، فإن أعجز الناس من فرط في طلب الأصدقاء الأوفياء، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
لن يعدم الصاحب من صاحبه التَّقِيّ خيرًا؛ يحصل منه علمًا، يُذكِّره إن نسي، يُعِينه إن تذكَّر، يَثبُت بثباته، يَصبِر معه على مكاره الطريق، ويتواصى معه بالحق؛ (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 1-3]، وإن أردتَ النفع في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، فعليك بإخوة الصدق؛ (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزُّخْرُفِ: 67]، أما الآخر فيقول: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي)[الْفُرْقَانِ: 28-29].
إذا عاشرت صحبةً فأبقِ لهم المودَّة والاحترام، وتغاضَ عن هفواتهم، واصبر عليهم صبرًا جميلًا، فحتى صحبة الصالحين بحاجة إلى الصبر؛ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)[الْكَهْفِ: 28]، وإياك أن تحملهم على سوء الظن؛ فإن سلامة الصدر لا يعدلها شيء، ولا تقابل تقصيرهم وفتورهم نحوك، بتفسيرات تبني عليها محامل لا تحمد عقباها، وفي الحديث: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ".
قد يظهر لكَ من أمر صديقك ما لا يلائم صلة الصداقة، فلو أخذتَ تهجُر من إخوانكَ كلَّ مَنْ صدرَتْ منه هفوةٌ لم تلبث أن تفقدهم جميعًا، ولا يبقى لك على ظهر الأرض صديق غير نفسك التي بين جنبيك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قَوْلِي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أمَرَنا بطاعته، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، غمرنا بواسع فضله ورحمته، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، عطر الحياة بجميل سيرته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَنِ استنَّ بسُنَّتِه.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
ثمَّةَ نوعٌ من الصداقات أفرزته التقنيَّة الحديثة والحضارة المعاصرة، صداقات افتراضيَّة عبر قنوات ووسائل التواصُل الاجتماعيّ، وهذا مجال يتوافر فيه الخداع والاستغلال، والوقوع في السلوكيَّات الخاطئة والتوجيهات الخطيرة، التي تؤثر على الأمن الفكري والنسيج الاجتماعيّ، ويزداد الأمر خطورة إن تكوَّنت صداقات بين ذكر وأنثى؛ إذ هو من قَبِيل اتخاذ الأخدان المنهي عنه في القرآن الكريم، فالمحبة والصداقة إمَّا أن تكون للمنفعة، وإمَّا أن تكون للذة، وإمَّا أن تكون للفضيلة، فأما ما كان منها للمنفعة أو للذة فليس بمعدود من خصال الشرف، وكما قيل: مَنْ وَدَّكَ لأمرٍ ولَّى عندَ انقضائه، وأمَّا ما كان للفضيلة، فهي الصداقة الحقَّة، وهذه الصداقة تُشبِه سائرَ الفضائل في رسوخها في النفس، وإيتائها ثمرًا طيِّبًا في كل حين، وهي التي تُوجِد من الجبانِ شجاعةً، ومن البخيل سخاءً، فالجبان قد تَدفَعُه قوةُ الصداقة إلى أن يخوض في خطر ليحمي صديقَه من نكبة، والبخيل قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يبذل جانبًا من ماله لإنقاذ صديقه، فالصداقة المتينة لا تحل في نفس إلا هذَّبت أخلاقَها الذميمةَ، قال الله -تعالى-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الْأَنْفَالِ: 63].
هذا وصلُّوا -عبادَ اللهِ- على رسول الْهُدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، وأَذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر، نسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير الفلاح، وخير العمل، وخير الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تَدَعْ لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مبتلًى إلا عافيتَه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ رجال أمننا، واحفظ حدودنا، واحفظنا بحفظك يا ربَّ العالمينَ، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره يا ربَّ العالمينَ، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقْه لهداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ يا ربَّ العالمينَ، ووفق ولي عهده لما تحب وترضى يا أرحم الراحمين، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم