الصحابة (2)

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ بعض مما ورد في السنة من فضائل الصحابة   2/التحذير من سب الصحابة 3/ما جاء في فضل بعضهم والشهود لهم بالجنة 4/ الميزان الحق في وزن الناس هو التقوى

اقتباس

فأين يذهب من الله من يقع في أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وجبل أحد منه لا يساوي نصف مُد من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؟!. ومنها أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة عامر بن الجراح في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمر وبن نفيل في الجنة" فأين...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

فيا عباد الله: ذكرنا فيما مضى شيئا مما ورد في فضل أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- في كتاب الله، ونورد اليوم جملا ما ورد في فضلهم على لسان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-:

 

فمن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في المتفق عليه: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". وفي رواية: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم". وفي رواية: "خيركم قرني". فهم خير الناس وخير القرون وخير الأمة -رضي الله عنهم وأرضاهم-، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه ومسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس, فيقولون: هل فيكم من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام من الناس, فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم تأتي على الناس زمانٌ فيغزوا فيه فئام من الناس, فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. فيقولون نعم، فيفتح لهم".

 

ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه". فأين يذهب من الله من يقع في أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وجبل أحد منه لا يساوي نصف مُد من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؟!. 

 

ومنها أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة عامر بن الجراح في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمر وبن نفيل في الجنة" فأين يذهبون من الله من يقعون فيمن شهد لهم -صلى الله عليه وسلم- بالجنة بأسمائهم؟!. يلعنون أبا بكر وعمر وعثمان أو غيرهم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرضي عنهم.

 

ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان  على حراء, هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص, فتحركت الصخرة وفي رواية: فتحرك الجبل فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اهدأ, فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"، فالنبي هو -صلى الله عليه وسلم- والصديق هو أبو بكر -رضي الله عنه-، والشهداء هم: عمر قتله غيلة أبو لؤلؤة المجوسي -لعنه الله-، وعثمان قتله الثوار فسال دمه على مصحفه -رضي الله عنه-، وعلي قتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي، وطلحة والزبير وسعد قتلوا في المعارك، فهم جميعاً شهداء بشهادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم وقد قال تعالى: (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) [الحديد: 19]. 

 

ومنها ما رواه البخاري في صحيحه أنه -صلى الله عليه وسلم- صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان, فرجف بهم الجبل, فقال: "أثبت أحد, فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"، ومنها ما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر, وأشدهم في أمر الله عمر، وأشهدهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيده عامر بن الجراح، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر أشبه عيسى -عليه السلام- في ورعه". فأبو بكر هو أرحم الأمة بالأمة بنص رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وهو القائل حين ارتد الناس وأراده الصحابة على مهادنتهم: "والله لو منعوني عناقاً وفي رواية: عقالاً كانوا يدفعونه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلهم عليه، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي" أي حتى يقتل -رضي الله عنه-, فلما رأى منه الصحابة هذه العزمة الصادقة شرح الله صدورهم لقتال جميع المرتدين, ونصرهم الله عليهم, وضرب الإسلام بجرانه في جزيرة العرب مرة أخرى، فالحزم والصلابة في الدين لا تنافي الرأفة والرحمة بالمؤمنين، فهذا أرحم الأمة بالأمة.

 

أما شدة عمر في أمر الله فهي أشهر من أن تذكر، ولعل الله أن ييسر لنا ذكر شيء من سيرته في خطب لاحقة، وعثمان هو الذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم-: "كيف لا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة". 

 

ومن فضائلهم صح أن عبد الله بن مسعود كان صاحب نعلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووسادته ومطهرته, وعمار بن ياسر أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه-صلى الله عليه وسلم-, وحذيفة بن اليمان كان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يعلمه أحد غيره، وسعد بن أبي وقاص كان مجاب الدعوة.

 

ومنها ما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه". ومنها ما رواه البخاري ومسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيتني دخلت الجنة, فإذا بي بالرميصاء زوجة أبي طلحة, وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا بلال, ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت: لمن هذا فقالوا هذا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل فأنظر إليه, فذكرت غيرتك فوليت مدبراً "فبكى عمر -رضي الله عنه- وقال: أعليك أغار يا رسول الله" (متفق عليه).

 

وفي رواية: أنه -صلى الله عليه وسلم- أصبح فدعا بلالا فقال: "يا بلال: بم سبقتني إلى الجنة, ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي" فقال بلال: "يا رسول الله: ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده, ورأيت أن لله علي ركعتين فقال -صلى الله عليه وسلم-: بهما". فهذا بلال الحبشي ينال تلك المنزلة الرفيعة بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى.

 

والذي لا يخرج من لسانه إلا الحقد فليتق الله من يسيرونها جاهلية فيناضلون بين الناس على أساس عروقهم وأجناسهم وقبائلهم, وليعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه سبب إلا سبب التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13], "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا".

 

اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: مما ورد في فضائل أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر في المدينة, فقالوا: ما أخذت سيوفد الله من عنق عدو الله مأخذها, فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟. فأتى أبو بكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره, فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر: لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك"، فأتاهم أبو بكر فقال: يا أخوتاه أغضبتكم؟ فقالوا: لا، ثم قالوا: يغفر الله لك يا أخي.

 

هكذا التربية وهكذا الميزان سلمان وصهيب وبلال ما فيهم عربي، ومع ذلك إن كان أبو بكر أغضبهم بهذا الكلمة, التي ما هي إلا عتاب خفيف: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم، إن كان أبو بكر الذي طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين على أفضل منه، إن كان أغضبهم بهذه الكلمة فقد أغضب الله -عز وجل-، هكذا توزن الأمور والأشخاص والهيئات والذوات في الإسلام، وهكذا يُعرف لأهل الفضل فضلهم ولأهل السابقة سابقتهم ولأهل البلاء في الإسلام بلاؤهم وحسن ماضيهم، فأين هذا ممن يزنون الناس بألوان بشرتهم أو بأسماء قبائلهم أو بلادهم أو بثرائهم أو جاههم وقربهم ودنوهم من الذين يريدون علوا في الأرض وفساداً؟، ومنها ما رواه البخاري: أن رجلاً جاء لابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر محاسن عمله فقال ابن عمر: للسائل لعل ذلك يسوءك قال: نعم، قال: فأرغم الله أنفك, أي أهانك وأذلك وأصله من الرغام وهو التراب. كأنه ألصق أنفه بالتراب. ثم سأل الرجل ابن عمر عن علي فذكر محاسن عمله وقال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي-صلى الله عليه وسلم-, ثم قال ابن عمر للسائل: لعل ذلك يسوءك قال السائل: أجل، قال: "فأرغم الله أنفك انطلق فاجهد على جهدك".

 

اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، سبحانك ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

المرفقات

(2)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات