الصبر والتقوى طريق العز والتمكين

أحمد شريف النعسان

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ أهمية الصبر والتقوى في زمن المحن 2/ الصبر والتقوى طريق العز والتمكين 3/ قصة يوسف -عليه السلام- وجوانب تحليه بالصبر والتقوى

اقتباس

الصَّبْرُ والتَّقْوَى طَرِيقُ العِزِّ والتَّمْكِينِ، وَهُمَا عُدَّةُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ عِنْدَ نُزُولِ البَلاءِ، وَزَادُ المُؤْمِنِ حِينَ وُقُوعِ الابْتِلاءِ، فَهُمَا جَوَادَانِ لا يَكْبُوَانِ، وَجُنْدِيَّانِ لا يَنْهَزِمَانِ، وَحِصْنَانِ لا يُهْدَمَانِ ولا يُثْلَمَانِ، لا إِيمَانَ بِدُونِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ إِيمَانٌ ضَعِيفٌ صَاحِبُهُ ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: عَلَيْنَا بالصَّبْرِ إِذَا أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا في وُجُوهِنَا، فَبِهِ يَفْتَحُ اللهُ لَنَا مَا لَمْ يَكُنْ في حُسْبَانِنَا، عَلَيْنَا بالصَّبْرِ إِذَا ظَلَمَ القَرِيبُ، وَجَارَ البَعِيدُ، عَلَيْنَا بالصَّبْرِ من أَجْلِ الثَّبَاتِ على الحَقِّ وعلى الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدَاً من كُلِّ قُوَّةٍ إلا قُوَّةِ الجَبَّارِ -جَلَّ جَلالُهُ-، عَلَيْنَا بالصَّبْرِ وَلَوْ دُعِمَ البَاطِلُ بالمَالِ، وَتَكَاثَرَ حَوْلَهُ أَشْبَاهُ الرِّجَالِ، وَتَطَاوَلَتْ لَهُ الأَعْنَاقُ، حِرْصَاً على مَغْنَمٍ عَاجِلٍ، أَوْ خَوْفَاً من بَأْسٍ نَازِلٍ.

 

يا عباد الله: رَبُّنَا -عزَّ وجلَّ- مُطَّلِعٌ على قُلُوبِنَا وَنَوَايَانَا، فَإِذَا عَلِمَ صِدْقَ نَوَايَانَا، وَكُنَّا من الصَّابِرِينَ، ومن المُتَعَلِّقِينَ باللهِ -عزَّ وجلَّ-، والرَّاجِينَ المَعُونَةَ مِنْهُ، جَاءَ الفَرَجُ من اللهِ -تعالى-، وَصَدَقَ اللهُ -تعالى- القَائِلُ على لِسَانِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90].

 

يا عباد الله: الصَّبْرُ والتَّقْوَى طَرِيقُ العِزِّ والتَّمْكِينِ، وَهُمَا عُدَّةُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ عِنْدَ نُزُولِ البَلاءِ، وَزَادُ المُؤْمِنِ حِينَ وُقُوعِ الابْتِلاءِ، فَهُمَا جَوَادَانِ لا يَكْبُوَانِ، وَجُنْدِيَّانِ لا يَنْهَزِمَانِ، وَحِصْنَانِ لا يُهْدَمَانِ ولا يُثْلَمَانِ، لا إِيمَانَ بِدُونِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ إِيمَانٌ ضَعِيفٌ صَاحِبُهُ يَعْبُدُ اللهَ على حَرْفٍ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ .

 

يا عباد الله: خَيْرُ عَيْشٍ أَدْرَكَهُ السُّعَدَاءُ بِصَبْرِهِم وتَقْوَاهُم، وَإِذَا كَانَ المُسْلِمُ مُحْتَاجَاً إِلَيْهِمَا بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَحَاجَتُهُ إِلَيْهِمَا أَشَدُّ إِذَا مَرِجَتِ العُهُودُ، وَضَعُفَتِ الذِّمَمُ، وَاخْتَلَّتِ المَقَايِيسُ والقِيَمُ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ من أَجْلِ الدُّنْيَا، حَاجَةُ المُؤْمِنِ إلى الصَّبْرِ والتَّقْوَى تَكُونُ أَشَدَّ إِذَا كَانَ في زَمَنٍ خُوِّنَ فِيهِ الأَمِينُ، وَسُوِّدَ الخَؤُونُ، وَأُلْبِسَ الحَقُّ بالبَاطِلِ.

 

يا عباد الله: لَقَد ذَكَرَ اللهُ -تعالى- قِصَّةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-، وَسَمَّاهَا: أَحْسَنَ القَصَصِ، قَالَ تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبَاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) [يوسف: 3- 4].

 

لَقَد سَمَّاهَا رَبُّنَا -عزَّ وجلَّ-: أَحْسَنَ الْقَصَصِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- عَلَّمَ البَشَرِيَّةَ جَمْعَاءَ بِأَنَّ مَن اتَّقَى اللهَ -تعالى- وَصَبَرَ، فَإِنَّ اللهَ -تعالى- لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ، وهذا مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لِإِخْوَتِهِ عِنْدَمَا الْتَقَى بِهِم بَعْدَ أَنْ صَارَ عَزِيزَ مِصْرَ: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90].

 

يا عباد الله: لِنَنْظُرْ إلى تَقْوَاهُ وَصَبْرِهِ:

 

أولاً: تَقْوَى وَصَبْرٌ عَجِيبٌ صَبَرَهُ عِنْدَمَا أَخَذَهُ إِخْوَتُهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَجَعَلُوهُ في غَيَابَةِ الجُبِّ، وَبِذَلِكَ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَأَخِيهِ الشَّقِيقِ، فَلَمْ يَتَفَوَّهْ بِكَلِمَةٍ.

 

ثانياً: تَقْوَى وَصَبْرٌ عَجِيبٌ صَبَرَهُ عِنْدَمَا وَقَعَ في الأَسْرِ، وَصَارَ في بَيْتِ عَزِيزِ مِـصْرَ، وَرَاوَدَتْهُ امْرَأَةُ العَزِيزِ والنِّسَاءُ، وَخُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؛ كَمَا قَالَ تعالى في قِصَّتِهِ: (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف: 32].

 

فَبِتَقْوَاهُ وَصَبْرِهِ: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف: 33].

 

ثالثاً: تَقْوَى وَصَبْرٌ عَجِيبٌ صَبَرَهُ عِنْدَمَا أُدْخِلَ السِّجْنَ، فَكَانَ دَاعِيَاً إلى اللهِ -تعالى-، قَالَ تعالى عَنْهُ: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْـحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 39 - 40].

 

تَقْوَى وَصَبْرٌ عَجِيبٌ عِنْدَمَا أُتِيحَتْ لَهُ الفُرْصَةُ للخُرُوجِ، فَرَفَضَ وَقَالَ: (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) [يوسف: 50].

 

رابعاً: تَقْوَى وَصَبْرٌ عَجِيبٌ صَبَرَهُ عِنْدَمَا الْتَقَى مَعَ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ، فَقَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْهُ: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 100].

 

يا عباد الله: لماذا لا نَكُونُ من أَهْلِ التَّقْوَى ومن أَهْلِ الصَّبْرِ، وَنَحْنُ على مَوْعِدٍ من اللهِ -تعالى- بالعَاقِبَةِ الحُسْنَى؟

 

أَلَمْ يَقُلْ مَوْلانَا -عزَّ وجلَّ-: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120] أَيُّ كَيْدٍ؟ إِنَّهُ الكَيْدُ الذي تَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ: (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم: 46]؟

 

أَلَمْ يَقُلْ مَوْلانَا -عزَّ وجلَّ-: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90]؟

 

وَلَقَد كَانَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- على ثِقَةٍ بِوَعْدِ اللهِ -تعالى-، فَاتَّقَى اللهَ -تعالى- وَصَبَرَ، وَلَمْ يَتَزَعْزَعْ أَيَّامَ الفِتَنِ والمِحَنِ، بَلْ ثَبَتَ ثُبُوتَ الرَّاسِيَاتِ، حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ -تعالى- بالتَّمْكِينِ، وَصَارَ مَضْرِبَ مَثَلٍ لِمَنْ أَرَادَ التَّقْوَى والصَّبْرَ.

 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا التَّقْوَى وَحَقَّهَا، وَاجْعَلْنَا من الصَّابِرِينَ على طَاعَتِكَ، وَعَن مَعْصِيَتِكَ، وعلى مَا قَدَّرْتَهُ لَنَا، آمين.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقات

والتقوى طريق العز والتمكين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات