الشعر والشعراء

زيد بن مسفر البحري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تعريفٌ بالشعر وبيانٌ لمفهومه وضوابط صناعته 2/ الهدي النبوي في سماع الشعر والتمثل به 3/ أحاديث تتعلق بالشعر وتبين ضوابطه وبعض فوائده 4/ عَرْضٌ لألوان من النظم ملحقة بالشعر 5/ وقفة مع الأناشيد الإسلامية

اقتباس

حديثنا في هذا اليوم عن "الشعر والشعراء"، وسأذكر ما أذكره على صورة فوائد، حتى تجتمع المعلومات في أذهان الجميع.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: عباد الله: حديثنا في هذا اليوم عن "الشعر والشعراء"، وسأذكر ما أذكره على صورة فوائد، حتى تجتمع المعلومات في أذهان الجميع.

 

من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن الشعر في هذه الأيام أو في هذه الأزمان اهتُم به اهتماماً كثيراً، على التسليم من أن ما يذاع ويشاع في قنوات فضائية أو غيرها من وسائل الإعلام، مع التجوز في وصفه بأنه شعر، كثر الاهتمام به، وليُعْلَم أن ما يُذاع -وهي فائدة قد تكون جديدة على كثير من الناس، ولربما وجد بعض الناس فيما أقوله في نفسه ما يجد- أن ما يُذاع  هذا ليس بشعر، من حيث الحكم العربي ليس هذا بشعر؛ لأن الشعر كما ذكر ابن حجر -رحمه الله- في الفتح هو "الكلام الموزون المقفَّى قصدا".

 

الكلام الموزون على أوزان العرب، ما هي أوزان العرب؟ هناك "خمسة عشر بحرا" أنشأها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وزاد الأخفش واحدا فأصبحت "ستة عشر بحرا"، فأي كلام ولو كان مقفَّى -يعني له قافية- ولم يكن على بحر من هذه البحور فليس بشعر؛ ولذلك يُسعى إلى أن تُترك هذه البحور، وقد سُعي من قبل في أواخر الدولة العباسية، قالوا هذه البحور العربية لا تفي بالغرض، وهذا -ولا شك- عجز في أفهامهم وفي قدراتهم، وإلا فكما قال الشاعر:

إذا بَعُد العنقود عنه ولم يصل *** إليه بوجه قال مُرٌّ وحامض

فلصعوبتها قالوا هذا القول.

 

ومما يذكر أن مما يسمى بشعر في جملة منه من حيث المعنى يحمل معاني سامية، وبعضه إنما هو كلام ملفَّق يجمع بعضه إلى بعض، لا فيه فائدة لا من حيث المعنى ولا من حيث المبنى، ولكن؛ ليعلم أن ما يُلقى وليس على هذه البحور فليس بشعر.

 

ونحن نقول هذه الأشياء وإن سمَّى الناس ما يذكر الآن شعرا، وإن وضعوا أوزانا يقولون هذه أوزان لهذا الشعر العامي أو الشعر النبطي، فإنها ليست أوزانا عربية وليست بشعر، ولو غضب من غضب فهذا حكم لا بد أن نوضحه.

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن قوله -جل وعلا-: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) [الشعراء:224-226]، يعني أنهم يتحدثون بمدح أو بذم كالهائم على وجهه في الصحراء لا يدري أين يذهب وأين يتوجه،

هذا ذمٌّ للشعراء، لكن استثنى منهم صنفا، ولذلك –كما سيأتي- أن للنبي -صلى الله عليه وسلم- شعراء، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً)، يعني: أكثر ما يتكلمون به هو  ذكر الله -عز وجل-، (وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) [الشعراء:227]، يعني لو أنهم ظُلموا بشعر انتصروا بقدر مظلمتهم ولا يزيدون، لا كما هو حال بعض من الناس الذي إذا هجا أو ذمَّ بشعر فإذا به يذم القبيلة بأسرها، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الأدب المفرد من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "إن أعظم الناس فرية رجل هجا رجلا فهجا القبيلة بأسرها".

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال، كما في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، وحسَّنه الهيثمي والألباني لشواهده، وإن كان ابن حجر يرى خلاف ذلك: "الشعر بمنزلة الكلام، حسَنُه حَسَنٌ وقبيحُهُ قبيحٌ".

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال، كما في الصحيحين من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-: "إن من الشعر لحكمة"، والحكمة في أصلها اللغوي: المنع؛ فلما يكون الإنسان حكيما تمنعه حكمته من أن يقع فيما فيه سفه.

 

إذاً؛ دل هذا على أن من الشعر ما ليس بحكمة، وضد الحكمة "السفه"، فدل على أن بعض الشعر فيه سفه.

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء: هل الشعر هو قرآن الشيطان؟ جاء في حديث عند الطبراني: "أن الله -عز وجل- لما أهبط إبليس إلى الأرض، قال يا رب اجعل لي قرآناً، قال إن قرآنك هو الشعر"، هذا حديث أبي أمامة، وهو حديث لا يصح، ولو صح -كما قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح- فإنه محمول على الشعر الذي فيه ما يخل بالآداب الشرعية، ويحمل عليه أثر ابن مسعود -إن صح-: "الشعر مزمار الشيطان".

 

من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب من الشعر ما كان صافياً وفيه من الآداب السامية والقيم العالية؛ ولذلك قال عمرو بن الشِّريِد عن أبيه، كما في الأدب المفرد، قال: "استنشدني الرسول -صلى الله عليه وسلم- من شعر أمية بن أبي الصلت"، وأمية بن أبي الصلت مات على الكفر -نسأل الله السلامة والعافية- مع أن شعره، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "كاد شعره أن يسلم"، لكن الموفَّق من وفقه الله. فقال "كلما أنشدته قال: هيه"، يعني: زدني، "قال: فأنشدته مائة قافية" كما في الأدب المفرد، وعند الترمذي في الشمائل، قال: "فأنشدته مائة بيت" عليه الصلاة والسلام.

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتناشدون الأشعار، ولكن الشعر العفيف الطيب النقي، ولذلك في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أنه التقى بإياس بن خيثمة -وكان شاعرا- فقال إياس: أسمعك شعرا يا أبا عبد الرحمن؟ فقال عبد الله بن عمر: أسمعني، ولكن لا تسمعني ولا تنشدني إلا ما كان حسنا"؛ ولذلك، عند ابن أبي شيبة في مصنفه، وحسنه ابن حجر، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: "لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منحرفين ولا متماوتين"، يعني يهزون الأقدام والأجساد عند إلقاء الشعر، لا، "وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم، فإذا أريد دين أحدهم بشيء دارت حماليق عينيه من الغضب"، مع أن الشعر عفيف ونقي، لكن له وقته.

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن الله -جل وعلا- قال عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ) [يس:69]، النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن شاعرا، لكن؛ هل كان يتمثل بالشعر؟ نعم، كما قالت عائشة -رضي الله عنها- عند الترمذي: "كان يتمثل بأبيات ابن رواحة: ويأتيك بالأخبار ما لم تُزَوِّد"؛ ولذلك، كان أحيانا يكسر البيت حتى لا يصدق عليه أنه ألقى البيت كما هو، ومن يتمثل الشعر ليس بشاعر، فلو ألقي أشعارا وأحفظها فلست بشاعر.

 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث البراء في غزوة حنين، لما انفض من انفض من الصحابة، لما اغتروا بقوتهم -رضي الله عنهم- وقالوا لن نغلب اليوم عن قلة، وكانوا اثني عشر ألفا، كما ذكر -عز وجل- في سورة التوبة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"، هذا ليس بشعر، لم؟ للتعريف، قلنا الشعر هو الكلام الموزون المقفى قصدا، فلو أني ألقيت كلاماً موزونا على أوزان العرب وكان مقفى -له قافية- لكن من غير قصد فلا يسمى شعرا، فلا بد أن يكون كلاما موزونا مقفى، وأن أقصد بذلك الشعر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"، وجاءت زيادة عند الطبراني: "أنا عربي من العرب، ولدتني قريش، ونشأت في بني سعد، فأنَّى يأتيني اللحن"، يعني في اللغة العربية، لكن هذه الزيادة منكرة ولا تصح.

 

من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن من أنواع الشعر ما يسمى بـ (الرَّجَز)، وقد نقل ابن حجر -رحمه الله- عن أكثر العلماء من أنه شعر، وسمي شعرا لتقارب ألفاظه وجمله عند اضطراب اللسان به، كما قال بعضهم:

أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ *** اتق الله الذي عز وجل

              وقل الفصل وجانب من هزل

 

 ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن من أنواع الشعر (الحُداء)، يقصر ويمد، كما قال ابن حجر رحمه الله، وهو ضرب من الشعر يفعله الأعراب عند سوق الإبل. هذا الحداء، من أين أتى؟ جاء عند ابن سعد بإسناد صحيح مرسلا عن طاووس، ورواه البزار عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موصولا، كما قال ابن حجر رحمه الله: "إن هناك عبدا لمضر بن نزار بن معن بن عدنان، كان يسوق الإبل وكان حسن الصوت، فقصَّر في سوق الإبل، فضربه مضر على يديه، فقال: يداه! يداه! فأسرعت الإبل"، فمن تلك اللحظة أنشئ الحداء. أما كونه مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يصح كما بيَّن ذلك الألباني، رحمه الله.

 

وهذا الحداء يدخل فيه من حيث الجواز إذا كانت ألفاظه سليمة: ما تفعله المرأة لتسكيت ولدها عند النوم، وأيضا ما يفعله المسافرون -كما سيأتي- ويسمى بـ (النَّصب)، إذا خلا من المحظورات الشرعية.

 

وهذا الحداء، كما قال ابن عبد البر في التمهيد: "أجمع العلماء على جوازه"، وكان هناك من يحدو، مثل عامر بن الأكوع في غزوة خيبر كما في الصحيحين "كان يحدو لما نزل المعركة"، وكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- حاد يسمى بأنجشة كما في الصحيحين، قال: "يا أنجشة، رويدك سوقاً بالقوارير"، وفي رواية: "يا أنجشُ"، من باب الترخيم له، وكان يحدو بالنساء.

 

ما معنى قوله: "رفقا بالقوارير"؟ قيل: رفقا بقلوب النساء لأن نفوسهن تميل إلى حب الكلام الحسن، وقيل: رفقا بالنساء لأنك إذا أسرعت بالإبل خُشي على النساء من السقوط وهن بمثابة القوارير اللواتي لا يتحملن، للعلماء في ذلك كلام، بعضهم يرى الوجهين، وبعضهم يرى أحد الوجهين، وممن لا يرى أنه ليس المقصود بذلك رفقا بقلوب النساء لأن نفوسهن تميل إلى حب الكلام الحسن "الألباني" رحمه الله، قال، ويؤيده رواية أحمد في زيادة شعبة، قال: "كان أنجشة يحدو بنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أسرعت الإبل ضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- فنحَّى نساءه"، يعني جعل نساءه يتقدمن عليه -عليه الصلاة والسلام- حتى لا تسرع بهن النوق.

 

ولذلك قال أبو قلابة كما في الصحيحين: "لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كلمة لو قالها غيره لعبتموها عليه"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان بليغا، ولا يقصد من ذلك ما يقصده بعض الناس، ولذلك ينبغي للمسلم أن يكون حذرا في ألفاظه.

 

ويشبه هذا ما جاء عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- كما في المسند، وأيضا عند ابن حبان من طريق محمد بن المعافى العابد بصيدا، وصيدا من مدن الشام. فائدة عرضية هنا: محمد بن المعافى كان عابدا، قال ابن حجر في "إتحاف المهرة": "جلس ثمان عشرة سنة لا يأكل طعاما إلا حساءً، يعني دقيق يأكله على ماء مغلي"، وذكر ابن حبان "أنه لم يشرب الماء ثمان عشرة سنة"، وهذا مخالف ولا شك لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال -عز وجل-: (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة:172]، قال -رضي الله عنه-: "ائتوني بسفرة -طعام- نعبث بها"، فلما رأى القوم ينظرون إليه، قال لا تحفظوها عني، ما حدثتكم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحفظوه، أما هذه فلا تحفظوها.

 

سبحان الله! قالها عند مَنْ؟ عند قلة، كلمة جرت على لسانه لا يُقصد بها شيء، فكيف الآن بمن هو في تويتر وفيسبوك يأتي بكلمات تخالف المروءة عند مَنْ؟ عند العالم أجمع، بل بعضهم يقصد من ذلك أن تروج هذه الكلمة وتشتهر، مع أنها معيية، ليست في الدين فحسب، بل حتى فيما يخص المروءة.

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن هناك ما يسمى بـ (النَّصْب)، وهي قصائد ترقق القلوب، أدق من الحداء، ولذلك جاء عند البيهقي بإسناد حسن: "أن عمر -رضي الله عنه- أتى إلى عبد الرحمن بن عوف وهم في سفر، فإذا هم يتناشدون هذا النصب يرققونه، فقال: ما هذا يا أبا محمد؟ فقال إنما نلهو به في السفر، فقال: "إن كنت ولا بد فاعلا ً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب".

 

ويسمى هذا النصب بـ (الركبانية)؛ ولذلك قال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: "إنَّا إذا خلونا قلنا ما يقوله الناس"، وليس هذا اللفظ من قول عمر، وإنما هو من قول عبد الرحمن بن عوف كما أشار إلى ذلك ابن عبد البر في التمهيد ردَّا على المُبرِّد في كتابه الكامل.

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء ما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- كما في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فوالله! لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يَرِيه"، يعني حتى يصل إلى رئته، لأن القيح إذا وصل إلى الرئة أفسد الإنسان، "فوالله! لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا".

 

البعض الآن امتلأ جوفه بالشعر ولم يكن شاعرا، بعض الناس يحفظ الأشعار وليس بشاعر، امتلأ جوفه بالشعر، أين هو من ذكر الله -عز وجل-؟ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث عوف بن مالك عند الطبراني بإسناد حسنه ابن حجر وقبله شيخه الهيثمي: "لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا من عانته إلى لهاته خير له من أن يمتلئ شعرا"، لأن هذا الحديث الذي في الصحيحين له سبب كما جاء عند مسلم: "لما سمع شاعرا ينشد قال أمسكوا الشيطان"؛ لأن هذا الرجل امتلأ قلبه بالشعر، ثم قال: "لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا".

 

ومن الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء أن من ابتلي بالشعر، ولا سيما بالشعر القبيح أو ابتلي بالشعر ولو كان شعرا ليس به ما يُخل ولكن وقته قد زاد معه، فيعمل بهذه النصيحة، جاء عند الطبراني من حديث مالك بن عمير السلمي: "أنه كان شاعرا، وقد شهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الفتح وما بعدها، لما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا"، قال: يا رسول الله، ضع يدك على رأسي، فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على رأسه وعلى كبده وبطنه"، وفي زيادة البغوي: "قال: "إن رابك شيء"، يعني إن تاقت نفسك إلى أن تعود مرة أخرى إلى الشعر، لأن النفس ضعيفة، "قال: إن رابك من شيء فاشبب بامرأتك"، يعني تغزل بامرأتك، لا تتغزل بنساء المسلمين، لأن الناس يشعرون لماذا؟ إما غزل وإما مدح، قال: "فإن رابك منه شيء فاشبب بامرأتك، وامدح راحلتك"، يعني بعيره.

 

من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء، وهذا ما أريد أن أصل إليه في هذا الزمن، قال الألباني -رحمه الله- في: "تحريم الغناء وآلات الطرب"، في الفصل السابع، قال: إذا أُلقيت القصائد التي هي حسنة وتدعو إلى الخير وإلى الجنة بترتيل وترجيع، فإن هذا مما جاءت به الآثار، ما لم تصحبها مؤثرات صوتية"، الآن يقولون "أناشيد إسلامية"، وأنّى لها أن توصف بأنها إسلامية، وأي عاقل لما يسمع هذه الأناشيد التي فيها مؤثرات صوتية كأنها أغانٍ، كيف توصف بأنها إسلامية؟! القصائد والأناشيد قديما هي مثل "النَّصْب والرجز"، أما الآن، والله لو حضرها مشايخنا ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله لقالا بالتحريم، هذه بمثابة الأغاني، ولو كانت من حيث الألفاظ سليمة، بل إن بعضهم اتخذها مهنة وحرفة، يأتي إلى ألفاظ بعض المغنين ويلقيها بنفس اللحن، أمن أجل كسب المال على حساب الدين؟.

 

اتقوا الله في أنفسكم، قل هذه مؤثرات وكلمات من عندي، لكن لا تقل إنها أناشيد إسلامية فتغرر بالناس، هذه تلهي القلوب، وبعضهم الآن استفاض في ذلك فجعل مؤثرات صوتية في كلام المشايخ، لما يلقي محاضرة إذا به يأتي ويضع مؤثرات صوتية، القلب حينما يسمع يتوجه إلى هذه المؤثرات ولا يستمع لكلام الشيخ المبني على الكتاب والسنة، وأنا لا أجيز لأي شخص مهما كان أن يضع فيما أقول أي شيء من هذه المؤثرات، بعض الناس يأتي إلى أغانٍ ويقول ليس فيها مزامير، أمن أجل المال على حساب الدين؟ كفى تدليسا وتلبيسا على الناس باسم الدين، هذا غلط، أناشيد إسلامية! كل شيء إسلامي، مثل كلمة "مذبوح على الشريعة الإسلامية"، حتى السمك يقولون مذبوح على الطريقة الإسلامية، والسمك لا يذبح! هذا غلط! قال الألباني -رحمه الله-: "ما لم تصحبها مؤثرات صوتية أو آلة ضرب، وما لم يحصل معها تثنٍّ"، بعض الناس الآن يحرك يديه وجسمه مثل الصوفية، وأنا أتحدى من هذا المقام أي شخص يسمع ويكثر من هذه الأناشيد المسماة بالإسلامية أن يكون حريصا على قراءة القرآن، أو إذا قرأ القرآن أنه يتأمل ويتدبر القرآن.

 

قال -رحمه الله-: "ولم يحصل معها التثني وضرب الأقدام كما هو حال الصوفية"، ثم ذكر الآثار التي ذكرنا شيئا منها، قال: "فهذه الأحاديث والآثار تدل دلالة ظاهرة على جواز ترتيل القصائد الحسنة في بعض المناسبات"، وليس في جميع الأوقات، قال -رحمه الله-: "فهي تدل دلالة ظاهرة على جواز ترتيل القصائد الحسنة في بعض المناسبات كالتذكير بالموت، والشوق إلى الأهل، والترويح عن النفس من وعثاء السفر، ونحو ذلك، شريطة -ضع تحتها آلاف الخطوط- شريطة ألا تتخذ مهنة وألا تخرج عن حدِّ الاعتدال، فلا يقترن به لا اضطراب ولا تثنّ ولا طرب مما يخل بالمروءة، ولذلك قال الشاطبي في الاعتصام عن الصحابة -رضي الله عنهم-، قال:  كانوا يرققون الصوت ويمططونه على وجه يليق بأمِّية العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى، فلم يكن عندهم التذاذ ولا طرب يلهي، وإنما كان لهم من النشاط كما كان ابن رواحة يحدو بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذكر أثرا عن الإمام أحمد لما أُنشد له بيتان من الشعر جلس يبكي ويردد، لأنها كانت نظيفة وسليمة، قال الشاطبي -رحمه الله-: هذا ما يفعله القوم -يعني الصحابة- ومع ذلك لم يقتصروا على وعظ قلوبهم بالشعر، وإنما وعظوا أنفسهم بكل موعظة من الكتاب والسنة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا عباد الله: هنا فائدة عزيزة وجميلة ولها توجيه مني في هذا المقام، هناك مثل عند العرب: "عند الصباح يحمد القوم السُّرَى"، يثنى عليهم لأنهم ساروا بالليل، فلما أصبحوا وجدوا أنهم قطعوا مسافة عالية، هذه الجملة وردت في حديث عند الطبراني من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا مع أصحابه بعد المغرب وأتى قوم وكانوا مسافرين، فقال لهم -عليه الصلاة والسلام-: "لا يصحبكم شاعر، وعند الصباح يحمد القوم السُّرى"، هذا الحديث لا يصح، وأنا ذكرت هذه الفائدة لأن لها علاقة بالشعر، قال: "لا يصحبكم شاعر".

 

لكن هذه الجملة أول من قالها هو خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، كيف؟ ذكر ابن كثير في البداية، حتى أبين لكم حالنا وحال الصحابة -رضي الله عنهم-، في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- في معركة اليرموك بين المسلمين وبين الروم، كان خالد بن الوليد في العراق، وكان الصحابة يحاربون الروم في الشام، فقال هرقل: لأشغلن أبا بكر بجيوش الروم، فقال أبو بكر: والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، لأنهم أصحاب هوى والشيطان يأتيهم.

 

فلما حُصر المسلمون في الشام وكان عدد جيش المسلمين لا يزيد عن عشرين ألفا، ولكن الروم أكثر من مائة وعشرين ألفا، فاستنجدوا بأبي بكر، يريدون المدد، والمدد إنما هو خالد بن الوليد في العراق، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن اذهب إليهم في الشام فإذا وصلت إليهم فأنت أميرهم، كيف يأتي إليهم هناك مسافة فيها مفاوز وصحراء؟ ولذلك رافع الطائي قال إني أعرف هذه الطريق يا أمير، فيها من الموت ما فيها، هذا هو الهلاك المعجَّل، قال خالد سنطرقها، حتى يختصر الوقت -سبحان الله!- يقول لي أحد الباحثين هم الآن يدرسون الخطط العسكرية لخالد بن الوليد، ومن بينها كيف قطع تلك المسافة من العراق إلى الشام، يدرسونها هم، ونحن في وسائل التواصل شتم وسب وضياع أوقات وقيل وقال، والناس يشتغلون بسيرة صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

فماذا صنع خالد -رضي الله عنه-؟ اشترى مائة ناقة، وعطَّشها وأشربها ماء وسدَّ أفواهها ثم رحل، وانطلق مع هذه الطريق المهلكة، فلما سار، قال رافع له لن تصل إليها إلا بعد خمسة أيام، فلما سار يومين فإذا بالناس على وشك الهلاك من العطش، فنحر الإبل وشق بطونها وأشرب الناس الماء وأكل من اللحم، وكان رافع قد قال إن رأيتم أمامكم شجرا من السدر فهذا هو النجاة، الماء قريب منها، وإن لم تروا فهو الهلاك، فلما بلغوا اليوم الرابع إذا بهم يبصرون شجر السدر، فألقيت بعض الأشعار في الثناء بخالد بن الوليد ورافع، لو كان المقام يسمح لذكرتها.

 

الشاهد أن ممن حضر أبو سفيان -رضي الله عنه-، الذي قاتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ما كنت أظن أني أشهد محضرا مثل هذا المحضر، ولكن أعطيكم رأيي، ليذهب الثلث الأول أمام الروم، والأثقال يحملها الثلث الآخر، وخالد في المؤخرة، وبالفعل قالوا: نِعم الرأي رأي أبي سفيان! الأمة بجميع أفرادها حتى من أسلم مؤخرا كأبي سفيان -رضي الله عنه- له تأثير في الأمة، لم لا يكون لك تأثير في الأمة؟ لما وصلوا في اليوم الرابع ورأوا الشجر، قال خالد بن الوليد: "وعند الصباح يحمد القوم السُّرى"، قال ابن كثير -رحمه الله- في البداية: "فصارت مثلا في العرب".

 

اللهم ارض عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

المرفقات

والشعراء

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات