الشرذمة

تركي بن عبدالله الميمان

2023-07-14 - 1444/12/26 2023-07-20 - 1445/01/02
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/عظم شناعة الشذوذ 2/خطر التشريع للشذوذ 3/تأثير أهل الشذوذ على صناع القرار 4/واجب المسلمين نحوهم

اقتباس

وَتَشْرِيْعُ الشُّذُوْذِ، وَعَدَمُ إِنْكَارِهِ؛ نَذِيْرُ شُؤْمٍ عَلَى الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ؛ فَإِنَّ اللهَ قَلَبَ على قَوْمِ لُوْطٍ أَرْضَهُمْ، وَجَمَـــعَ عَلَيْهِمْ أَلْوَانًـــا مِنَ الْعُقُوبَاتِ؛ حَيْثُ قَلَبَ دِيَارَهَمْ على رُؤُوْسِــهِمْ، وَخَسَـــفَ بِهِـــمْ، وَأَتْبَعَهُمْ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: مَـــنْ اتَّقَى اللهَ، وَاتَّبَعَ هُـــدَاهُ: سَـعِدَ في دُنْيَاهُ وَأُخْــرَاه! (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْــقى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا).

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا انْتِكَاسَــةٌ بَشَرِيَّـةٌ، وتَدْنِيْـــسٌ لِلْفِطْــرَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَدَنَاءَةٌ تَتَرَفَّعُ عَنْهَا البَهِيْمِيَّـــةُ؛ إِنَّهُ الشُّذُوْذُ الجِنْسِيُّ.

 

وَهَذِهِ الجَرِيْمَةُ جَمَعَتْ كُلَّ أَنْوَاعِ القَـذَارَةِ والفَظَاعَـــةِ، وَالسَّفَالَةِ والشَّـنَاعَةِ، وَلِهَذَا سَمَّاهَا اللهُ بـِ(الفَاحِشَــةِ!) (وَلُوطًا إِذْ قَــالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُـونَ الْفَاحِشَـةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِــنْ أَحَـدٍ مِّــن الْعَالَمِينَ). قَـالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْـــدِالْمَلِكِ: “لَوْلَا أَنَّ اللهَ قَصَّ عَلَيْنَا خَبَرَ قَوْمِ لُوْطٍ؛ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ ذَكَرًا يَعْلُو ذَكَرًا”.

 

والشُّذُوْذُ الجِنْسِي مِنْ أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ وَالآثَامِ، وَسَبَبٌ لِلْأَمْرَاضِ وَالأَسْقَامِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لم تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ؛ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا؛ إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ!”(رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

 

وَمِنْ فَظَاعَةِ الشُّذُوْذِ أَنَّ النَبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَافَهُ على أُمَّتِهِ، وَلَعَنَ صَاحِبَهُ ثَلَاثًا، ولَمْ يَلْعَنْ أَحَدًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ إِلَّا في هَذَا العَمَلِ الخَبِيْثِ؛ فَفِي الحَدِيْثِ: “لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ”. قَــالَهَا ثَلاثًا (رواه أحمد). وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي: عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ”(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

وَإِذَا كانَ التَّشَبُّهُ بِـ(الجِنْسِ الآخَرِ) مُحَرَّمًا؛ فَمَا بَالُكَ بِمَنْ يُغَيِّرُ جِنْسَهُ بِالكُلِّيَّةِ، قال ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-: “لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ”(رواه البخاري).

 

وَتَشْرِيْعُ الشُّذُوْذِ وَعَدَمُ إِنْكَارِهِ نَذِيْرُ شُؤْمٍ عَلَى الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ؛ فَإِنَّ اللهَ قَلَبَ على قَوْمِ لُوْطٍ أَرْضَهُمْ، وَجَمَـــعَ عَلَيْهِمْ أَلْوَانًـــا مِنَ الْعُقُوبَاتِ؛ حَيْثُ قَلَبَ دِيَارَهَمْ على رُؤُوْسِــهِمْ، وَخَسَـــفَ بِهِـــمْ، وَأَتْبَعَهُمْ بِحِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، قال -عز وجل-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَــافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَـارَةً مِنْ سِجِّيلٍ).

 

وَهَذِهِ العُقُوْبَةُ الشَّنِيْعَةُ لَيْسَتْ بِبَعِيْـــدَةٍ على مَنْ فَعَـلَ فِعْلَتَهُمْ القَبِيْحَــة؛ كما قال -عز وجل-: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّــالِمِينَ بِبَعِيدٍ).

 

قال ابْنُ القَيِّم: “اِقْتَلَعَ جِبْرِيْلُ مَدَائِنَهُمْ على رِيْشَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ، وَرَفَعَهَا في الجَوِّ؛ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نِبَاحَ كِلَابِهِمْ، وَصِيَاحَ دِيُوْكِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا؛ فَأَهْلَكَ اللهُ الفَاعِلَ وَالمَفْعُوْلَ بِهِ، وَالسَّاكِتَ وَالرَّاضِيَ! فَهَــذِهِ عَاقِبَةُ اللُّوْطِيَّةِ -وَهُمُ السَّلَف- وَإِخَوَانهم بَعْدَهُمْ على الأَثَرِ! وَلَمْ يَبْتَلِ اللهُ -بِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ- قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَعَاقَبَهُمْ عُقُوبَةً لَمْ يُعَاقِبْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُمْ؛ لِعِظَمِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الَّتِي تَكَادُ الْأَرْضُ تَمِيدُ مِنْ جَوَانِبِهَا إِذَا عُمِلَتْ عَلَيْهَا، وَتَهْرُبُ الْمَلَائِكَةُ إِذَا شَاهَدُوهَا؛ خَشْيَةَ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَتَعِجُّ الْأَرْضُ إِلَى رَبِّهَا، وَتَكَادُ الْجِبَالُ تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا!”.

 

وَهَؤُلاءِ الشِّرْذِمَةُ القَلِيْلُوْنَ اسْتَطَاعُوا أَنْ يُؤَثِّرُوا عَلى صُنَّاعِ القَـــرَارِ؛ لِيُقَنِّنُوا إِبَاحَةَ الشُّــذُوذِ، وزَوَاجَ المِثْلِيِّيْن، وَهَـــذَا تَشْرِيْعٌ لِلْعِصْيَانِ، وَطَــاعَةٌ لِأَمْرِ الشَّيْطَان -الَّذِي قالَ عَنْهُ الرَّحْمَن-: (وَلَآمُـــرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ).

 

وَأَصْحَابُ الشُّذُوْذِ الجِنْسِي يُجْــبِرُوْنَ الآخَــرِيْنَ على الاِعْــتِرَافِ بِهِمْ بِالقُـوَّةِ؛ فَكُلُّ مَنْ حَاوَلَ أَنْ يُطَهِّرَ نَجَاسَتَهُمْ، أو يُحَذِّرَ مِنْ قَذَارَتِهِــمْ؛ وَصَمُوْهُ بِأَنَّهُ عَدُوٌّ لِلْحُريّـَةِ، وَيَدْعُوْ لِلْكَرَاهِيَةِ! وَلِسَانُ حَـالِهِمْ -كَمَا قَـــالَ أَسْلَافُهُمْ-: (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنـاسٌ يَتَطَهَّرُونَ). إِنَّـهُ مَنْطِقُ القَذِرِيْنَ المُلَوَّثِينَ في كُـــلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ! قـالَ قَتَادَةُ: “عَابُوْهُـمْ بِغَيْرِ عَيْبٍ، أَيْ: إِنَّهُمْ يَتَطَهَّرُوْنَ مِنْ أَعْمَالِ السُّوْءِ!”.

 

وَحَاوَلَتْ هَذِهِ الشِّرْذِمَةُ تَغْطِيَةَ سَوَادِ مَعْصِيَتِهِمْ بِأَلْوَانٍ زَاهِيَــةٍ؛ ظَاهِرُهَا الرَّحْمَةُ وَالبَهْجَةُ، وَبَاطِنُهَا العَـــذَابُ وَالنِّقْمَةُ. كَمَا قَامُــوْا بِتَلْبِيْسِ الأَلْفَاظِ الشَّــرْعِيَّةِ؛ لِتَسْـــوِيْغِ بَاطِلِهِمْ، وَتَخْفِيْـــفِ بَشَاعَتِهِمْ! فَقَامُوا -أَوَّلَ الأَمْرِ- بِتَسْـمِيَةِ هَذِهِ الفَاحِشَــةِ (شُذُوذًا)، ثُمَّ (مَرَضًا نَفْسِـــيًّا)، ثُمَّ طَبَّعُــوا هَـــــذَا الخَبَثَ بِمُصْطَلَحِ (الْمِثْلِيَّةِ)؛ حَتَّى أَصْبَحَ (قَانُـــوْنًا) يُحْمَى أَصْحَــابُهُ، وَتُفْرَضُ لَهُمُ الْحُقُـوقُ! وَيُسَوَّقُ لَهَ فِي الإِعْلَامِ، وَيُصْنَعُ لِتَرْوِيجِهِ الأَفْلَام! وَهَكَــذَا تُصَادَرُ حُرِّيَّةُ مِلْيَــارَاتِ الْبَشَرِ الْأَسْـوِيَاءِ، الكَارِهِينَ لِلْسُّـــوْءِ وَالفَحْشَــاءِ؛ لِأَجْـلِ شِرْذِمَةٍ قَلِيْلَةٍ، وأَقَلِّيَّــــةٍ حَقِــيْرَةٍ! عَبْرَ خُطُوَاتٍ شَيْطَانِيّةٍ دَقِيْقَةٍ! (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُــوَاتِ الشَّـــيْطَانِ فَإِنَّـــهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

أَمَّا بَعْدُ: يَجِبُ أَنْ يَقِفَ المُسْلِمُونَ سَدًّا مَنِيْعًا أَمَامَ هَــذِهِ الشِّرْذِمَةِ، بِتَطْبِيْقِ الشَّـرِيْعَةِ الرَّبَانِيَّــةِ، وَتَرْسِــــيْخِ الفِطْـــــرَةِ السّــَوِيِّةِ، والتَّحْذِيْرُ مِنَ العَبَثِيَّةَ الجِنْسِــيَّةَ؛ وَأَنَّهَا سَـــبَبٌ لِلْهُمُــــوْمِ النَّفْسِـــيَّةِ، وَالأَمْـرَاضِ الجَسَــــدِيَّةِ، وَالعُقُــوْبَةِ الإِلَهِيَّــةِ (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُــــوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيـــدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّــفَ عَنْكُمْ وَخُـــلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْـلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَــرِّجْ هَـمَّ المَهْمُوْمِــيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَــى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَــــرِ وَالْبَـــغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

 

فَاذْكُـرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْــكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْـــبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

المرفقات

الشرذمة.doc

الشرذمة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات