اقتباس
إن الناظر إلى نعمة الشجر والزرع؛ وما فيهما من الثمار الباسقة، والمنافع الكثيرة؛ ليدرك بفطرته استحقاق المنعم -سبحانه- للشكر على نعمه الجزيلة وخيراته الكثيرة؛ حيث أنه -سبحانه- يديم آلاءه على الشاكرين، بل يزيدهم من فضله؛ فلنرع نعم الله تعالى -أيها المسلمون- بشكر المنعم؛ فإن به تدوم، ولنحذر الذنوب والمعاصي؛ فإن بها تزول...
خلق الله الخلق على هذه البسيطة، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة؛ فقال في كتابه العزيز: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20]، أي: عمكم بجميع النعم من الحيوانات والأشجار والزروع، والأنهار والمعادن ونحوها، قال سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم:34]، ولا يخفى على كل ذي لب؛ عظيم نعم الله على عباده، وتفضله عليهم، ولعلنا في هذا المقال نقف مع نعمة من نعم الله العظيمة وآلائه الجسيمة؛ ألا وهي نعمة الغرس والزرع.
أيها القارئ الكريم: لقد اعتنى الإسلام بالزرع والغرس ورعاية الأشجار؛ حيث أمر بالزرع والغرس في سائر الأحوال؛ وحرم قطع الشجر والنبات إلا لتحقيق منفعة للعباد والدواب والأنعام، كما حرم البول والغائط تحت ظلها، لأن في ذلك حرمان من ظلالها وأذية للمستظلين بها، وبهذا الاستهلال اليسير واستغلالا لما يسمى ب(اليوم العالمي للشجرة) سنتحدث -أيها الفضلاء- عن الغرس والزرع والشجر من منظور الإسلام، كون الإسلام أولاها عناية شاملة ورعاية كاملة لما فيها من النفع الدنيوي العام والديني والأخروي؛ لا كما يُفعل اليوم في بلدان شتى من العالم؛ حيث جعلوا لها يوماً يقومون فيه بسقيها وزراعتها وترتيب تربتها، وإن كان هذا الفعل فيه من الأمور الحسنة إلا أن القصور ملحوظ فيه.
وعلى هذا سيكون الحديث حول موضوع الشجر عبر محاور عدة، نجملها في الآتي:
المحور الأول: مفهوم الغرس والزرع
والمراد بالغرس؛ وضع الفسائل وقطع النباتات في التربة؛ حتى تنبت شجرها وتستقيم جذورها وتخرج نباتها. أما الزرع؛ فهو نثر الحبوب في التربة الطيبة؛ فيخرج نباته بإذن ربه، كما قال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [الأعراف: 58].
المحور الثاني: أهمية الغرس والزرع وعناية الإسلام بها
والمتأمل في الزرع والغرس والشجر يدرك أنهما ذات أهمية كبيرة؛ فمن تلك الشجر تنتفع جميع المخلوقات وعلى ثمارها يعيش البشر وكل العجماوات، قال تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس: 24 - 31]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: "يذكر الله -تعالى- عباده بما أكرمهم به من أطعمة لذيذة، وأقوات شهية"، وهذا شامل لسائر الحبوب على اختلاف أصنافها.
ومما يؤكد على أهمية الشجر في هذه الحياة، قوله -صلى الله عليه وسلم:- "إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل" (أنس بن مالك - الوادعي (١٤٢٢ هـ)، الصحيح المسند ٣٤، رجاله رجال الصحيح).
ومما يجعل الشجر والغرس ذات أهمية عالية ومكانة كبيرة أن الله -تعالى- غرس جنته بيده وزينها لعباده بأشجار ينعمون تحت ظلالها، قال الله: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ) [المرسلات: 41]، وجعلها مملوءة بالثمار التي يتذوقونها، قال الله: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن: 68] وقال سبحانه: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا) [الإنسان: 14]، وكان هذا النعيم منه سبحانه ترغيبا لعباده ودعوة لهم للتنافس وتهييجا لهم إلى السباق رجاء أن يكونوا من أهلها؛ لما تحمل الأشجار من الخير والجمال ولما فطره في قلوبهم من حب ذلك والرغبة فيه.
المحور الثالث: فوائد الغرس والزرع
أيها الكريم: لم تحظ نعمة الغرس والزرع والشجر بهذه الأهمية والمكانة؛ إلا لما لها من الفوائد والمكاسب مما يتوجب على الناس شرعا وعقلا ونظاما الاهتمام بها والحرص عليها وصيانتها والحفاظ عليها؛ وفي الأسطر الآتية بيان بعضاً من تلك المكاسب على سبيل التمثيل لا الحصر:
أولاً: أنها من جملة المخلوقات التي تسبح الله -تعالى- وتسجد له، قال تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)[الإسراء:44]، وقال سبحانه عن سجودها: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)[الرحمن: 6]، وعلى هذا فنحن نسهم في هذا الفضل ونشارك في هذه الطاعة.
ثانيا: أن منها يخرج غذاء الإنسان وطعامه، وكذا سائر الدواب والأنعام، قال عز من قائل: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس:33 - 35]، وقال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) [طه:53-54]، وقال تعالى: (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [عبس: 32]؛ قال ابن كثير -رحمه الله-: أي، "عيشةً لكم ولأنعامكم في هذه الدّار إلى يوم القيامة".
ثالثاً: ومن فوائد الغرس والزرع -كذلك- أنها زينة للأرض؛ فتعطي الأرض منظرا وجمالا وتمنحها رونقا وبهاء، قال تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ) [يونس: 24]؛ قال ابن كثير -رحمه الله-: "حسنت بما خرج من رُباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان"، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [الحج: 63].
رابعاً: حصول غارسها وزارعها على الأجور العظيمة والعطايا الكريمة؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَةٌ" (رواه النسائي).
وفي روايةِ مُسلمٍ -رحمه الله-: "مَا مِن مُسلمٍ يَغرِسُ غَرْسًا إلا كان ما أُكِلَ منهُ لهُ صَدَقةٌ وما سُرِقَ مِنهُ لهُ صَدَقةٌ وما أَكَلَ السّبُعُ فهوَ له صدَقةٌ وما أَكلَتِ الطّيرُ فهوَ له صدَقةٌ ولا يَرْزَؤه أحدٌ إلا كانَ لهُ صَدقةٌ"؛ قال الإمام النووي -رحمه الله-: "في هذه الأحاديثِ فَضِيلةُ الغَرْسِ وفضِيلةُ الزَّرْعِ وأنّ أجْرَ فَاعِلِي ذلكَ مُستَمِرٌّ ما دامَ الغَرْسُ والزّرْعُ وما توَلّدَ منهُ إلى يومِ القيامةِ".
وذكر الإمام الطيبي-رحمه الله-: "أنّ رجُلا مَرّ بأبي الدّرداءِ وهو يَغرِسُ جَوْزَةً فقال أتَغْرِسُ هذِه وأنتَ شَيخٌ كبيرٌ وهذهِ لا تطعَمُ إلا في كَذا وكذا عامًا؛ فقال ما عليَّ أن يكونَ لي أجرُها ويَأكُلُ منها غيْرِي".
خامساً: ومن فوائدها: أنها تقي العباد خاصة والمخلوقات عامة حرارة الشمس بظلالها، قال ربنا: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل: 81].
سادساً: ومن منافعها ما يستعين به العباد في بناء منازلهم وتجهيز خيامهم؛ وإصلاح آلاتهم وماعونهم، وغير ذلك.
سابعاً: ومن فوائدها أن من أخشابها وجذوعها ما يكون وسيلة للإضاءة والتدفئة من البرد والزمهرير، (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [النمل: 7]، قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله لعلكم تصطلون: أي، "تتدفئون بها من البرد".
ثامناً: أنها باب من أبواب التكسب والبيع والشراء، وكذلك هي وسيلة لإنضاج الطعام والشراب، (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) [الرعد: 17].
تاسعاً: تعطي الإنسان الهدوء والسكينة، وتمنحه الراحة النفسية وصفاء الذهن؛ فالأشجار والمناطق الخضراء والحدائق بشكل عام من أهم الأماكن التي يقصدها الإنسان عادةً للراحة والاستجمام، وقضاء أمتع الأوقات، وممارسة الأنشطة الترفيهية، التي تعيد له الحيوية والنشاط، وتساعده على ممارسة مختلف الأنشطة بإتقان أكبر.
عاشراً: كما نجمل هنا بعضاً من تلك المنافع فهي تساعد على تعديل المناخ وبواسطة تحكمها بأشعة الشمس والرياح والأمطار، كذلك مجالا لرعي الناس أنعامهم ومواشيهم، وتساعد في مجال الصناعات المختلفة تعطي الأكسيجين، كما أنها مصدرا رئيسا لتحضير الأدوية.
المحور الرابع: الشجر وضرب الأمثال في القرآن والسنة
أيها القارئ الكريم: مهما تحدثنا عن أهمية الغرس والزرع وما حوته من الفضائل والفوائد؛ فلن نصل إلى جميع الحِكم والأسرار الربانية في هذه النباتات والأشجار البديعة، وحسب الشجر أن الله ورسوله ضربا بها أمثلة عديدة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، لتضيف إلى المنافع الدنيوية مقاصد إيمانية ورسائل توعوية؛ فمن تلك الأمثلة والتشبيهات، ما يلي:
تشبيه الله -تعالى- للكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة بنوعين من الشجر؛ فقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء)[إبراهيم: 24-27].
وشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم بالنخلة؛ لكثرة بركته وخيريته؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ؛ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ" (رواه البخاري).
ومن التشبيهات النبوية -على صاحبها أزكى الصلوات-؛ تشبيهه للمؤمن في قوة صلابته، وثباته بالأشجار التي لا تهزها أمواج الباطل، ورياح الفتن، بل يتمسك بدينه ويثبت عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز، لا تهتز حتى تستحصد" (رواه مسلم).
المحور الخامس: الشجر والغرس نعمة تستوجب الشكر
أيها الأخيار: إن الناظر إلى نعمة الشجر والزرع؛ وما فيهما من الثمار الباسقة، والمنافع الكثيرة؛ ليدرك بفطرته استحقاق المنعم -سبحانه- للشكر على نعمه الجزيلة وخيراته الكثيرة؛ حيث أنه -سبحانه- يديم آلاءه على الشاكرين، بل يزيدهم من فضله، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172]، ورى الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-؛ أنه قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ؛ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا".
فلنحافظ على نعم الله تعالى -أيها المسلمون- بشكر المنعم؛ فإن به تدوم النعم، ولنحذر الذنوب والمعاصي؛ فإن بها تحل النقم، ولله در القائل:
إذا كنتَ في نعمةٍ فارْعَهَا *** فإنَّ المعاصي تُزِيلُ النِّعَمْ
وداومْ عليها بشكـرِ الإلهِ *** فإنَّ الإلـهَ سريـعُ النـّقـمْ
وختاما: ما أحوجنا إلى أن نعتني بالشجر والغرس والزرع لنجني ثمارها وننعم بطيباتها، ونحيي هذه الأرض بنباتها وزروعها الطيبة، ونزين بها دنيانا ومدننا وعمراننا وحدائقنا، كما عمرها من قبلنا الذين قال الله عنهم: (وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا) [الروم: 9]، قال غير واحد من أهل التفسير في معنى هذه الآية: "استخرجوا الأرض، وحرثوها وعمروها أكثر مما عمر هؤلاء"، كما ينبغي أن نتعلم من الشجر العطاء والبذل والثبات والصبر والتحمل، وعدم الأذى لمن حولنا؛ إذ أن الشجرة لا ترمي من حولها إلا بالثمار اليانعة أو الأزهار الناعمة، وصدق الشاعر؛ حيث قال:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً *** يرمى بصخر فيلقي أطيب الثمر
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم