الشجر

ناصر بن محمد الأحمد

2014-12-20 - 1436/02/28
عناصر الخطبة
1/أوجه التشابه بين الشجر والإنسان 2/أمثلة وتشبيهات ضربها الشارع للشجرة 3/تسبيح الشجر لله وعبادتها له 4/استراحة الشجر بموت الفاجر ومعاونتها للمسلمين في قتال اليهود 5/صفة شجر الجنة 6/صفة شجرة الزقوم 7/حكم شجر الحرم 8/حكم غرس الأشجار على القبور 9/جواز تصوير الأشجار 10/حكم أسبوع الشجرة

اقتباس

إن هذه الأشجار في بعض جوانبها لها شبه بالإنسان؛ ففي كل عام لها حمل ووضع، فهي دائماً في حمل وولادة، فتأمل في تكون حمل الشجر، وتقلبه من حال إلى حال، كتنقل أحوال الجنين المغيب عن الأبصار، ترى العجب العجاب، فتبارك الله رب العالمين، وأحسن الخالقين، بينا تراها حطباً قائماً عارياً، لا كسوة عليها، إذ...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ ...

 

أما بعد:

 

إن الله -جل وتعالى- خلق من جملة ما خلق هذه الأشجار، التي نراها، ونتفيأ ظلالها، ونستروح من عبيرها، ومنها ما يثمر، فيكون نفعه أكثر مما نأكل منها مما أنعمه الله -تعالى-، وأحله لعباده، قال الله -تعالى-: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)[النمل: 60].

 

إن هذه الأشجار في بعض جوانبها لها شبه بالإنسان؛ ففي كل عام لها حمل ووضع، فهي دائماً في حمل وولادة، فتأمل في تكون حمل الشجر، وتقلبه من حال إلى حال، كتنقل أحوال الجنين المغيب عن الأبصار، ترى العجب العجاب، فتبارك الله رب العالمين، وأحسن الخالقين، بينا تراها حطباً قائماً عارياً، لا كسوة عليها، إذ كساها ربها وخالقها، من الزهر أحسن كسوة، ثم سلبها تلك الكسوة، وكساها من الورق كسوة هي أثبت من الأولى.

 

ثم أطلع فيها حملها ضعيفاً ضئيلاً، بعد أن أخرج ورقها صيانة وثوباً لتلك الثمرة الضعيفة لتستجنّ به من الحر والبرد والآفات.

 

ثم ساق إلى تلك الثمار رزقها وغذّاها في تلك العروق والمجاري، فتغذّت به كما يتغذى الطفل بلبان أمه، ثم ربّاها ونماها شيئاً فشيئاً، حتى استوت وكملت، وتناهى إدراكها، فأخرج ذلك الجني اللذيذ اللين من تلك الحطبة الصماء[مفتاح دار السعادة(2/37)].

 

ثم هل تأملت إذا نصبت خيمة كيف تمده من كل جانب بالأطناب ليثبت فلا يسقط، ولا يتعوج؟

 

وهكذا الشجر، له عروق ممتدة في الأرض منتشرة إلى كل جانب لتمسكه وتقيمه، وكلما ارتفعت الشجرة إلى أعلى، امتدت عروقها وأطنابها إلى أسفل في كل جهة، ولولا ذلك فكيف كانت تثبت هذه النخيل الطوال الباسقات على الرياح والعواصف[مفتاح دار السعادة (2/103)].

 

أيها المسلمون: لقد ضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذا الشجر عدداً من الأمثلة، وشبه به عدة تشبيهات إليك بعضها:

 

من ذلك تشبيه المسلم بالنخلة من حيث كثرة بركته وخيره وعطائه؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ"[رواه البخاري].

 

وشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الدنيا وسرعة زوالها بظل شجرة، فقال: "ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها".

 

ومن التشبيهات الجميلة التي شبه بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- الشجر، وهي تُسقط ورقها، فمرة شبهها بسقوط الخطايا عن المسلم بسببه وفعله، وهو بتلفظه للأذكار الشرعية، فقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: "أن سبحان الله، والحمد له، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها".

 

ومرة يكون سقوط الخطايا من عدم فعلٍ من المسلم، بل بسبب ما يصيبه من مصائب، فيصبر عليها محتسباً، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى شوكه، فما فوقها إلا حط الله له به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها".

 

روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: "إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، قَالَ: أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ".

 

ومن تشبيهات الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالشجر: تشبيه المؤمن في قوة صلابته، وثباته بالأشجار القوية التي لا تهزها رياح الفتن، وأعاصير الضلالة، بل يثبت ويتمسك بدينه ولو فُعل به ما فعل.

 

أما طبقة المرتزقة من المنافقين وأذنابهم؛ فشبههم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشجرة الأرز، وشجرة الأرز معروف ضعفها فأدنى ريح تقلعها؛ لأن المنافقين أصحاب أهواء، وصاحب الهوى لا يثبت على طريق، بل يتقلب بحسب مصالحه الدنيوية -نسأل الله العافية-، قال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز، لا تهتز حتى تستحصد"[رواه مسلم].

 

قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء)[إبراهيم: 24-27].

 

ومن طرائف أحاديث التشبيه بالشجر: ما مثلت به عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- نفسها بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكراً غيرها، قَالَتْ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ. قَالَ: "فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا"[رواه البخاري].

 

أيها المسلمون: إن الشجر كباقي المخلوقات يسبح بحمد ربه، كما قال جل وعز: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)[الإسراء: 44].

 

وقال سبحانه: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)[الرحمن: 6].

 

لكنك قد تعجب إذا علمت بأن الشجر أيضاً يلبي مع المسلمين في حجهم وعمرتهم، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا".

 

بل والأعجب من هذا: أن هذا الشجر يستريح إذا أهلك الله فاجراً من فجّار الأرض.

 

نعم، هذا الشجر الذي نراه ونتعامل معه يومياً يتفاعل مع هذا الدين في بعض القضايا التي مات فيها أحاسيس كثير من أبناء هذه الأمة، يستريح إذا مات فاجر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، محارب للدين وأهله؛ فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَال: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: "الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ"[رواه البخاري]،

 

كم من فاجر في هذه الأرض ينصب العداوة لهذا الدين ولأهله الذين يعملون به ويتمسكون بتعاليمه، ثم يأتي الخبر بهلاكه، ولا نحس بالارتياح الذي تحسه الأشجار -فنعوذ بالله من موت الشعور، وضعف الأحاسيس تجاه قضايا الدين-.

 

بل إن من عجائب تفاعل الشجر ضد أعداء الدين؛ ما جاء في صحيح مسلم من أن الشجر يتكلم ينطقه الله -عز وجل- بقدرته في آخر الزمان عندما يقضي الله على اليهود بالهلاك، ويكون التمكين لأهل الإيمان العاملون به، عندما ترتفع راية الإسلام مرة أخرى في آخر الزمان، وتكون الغلبة للدين وأهله، فيبدأ المسلمون في قتل اليهود على أرض فلسطين فيختبأ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيتكلم الحجر والشجر بقدرة من ينطق الجماد إذا أراد؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".

 

أيها المسلمون: إن من جملة ما أنعم الله به على عباده في الجنة الأشجار: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها، وهي شجرة طوبى، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"

 

بل إن أرواح المؤمنين؛ كما ثبت في الخبر الصحيح عن الصادق المصدوق -صلوات ربي وسلامه عليه-: "أن أرواحهم في طير خضر تعلق بشجر الجنة حتى يبعث الله هذه الأجساد يوم يبعثها".

 

وقال في حديث آخر: "تكون النسم -وهي أرواح المؤمنين- طيراً تعلق بالشجر، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها".

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب".

 

قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يصف أشجار الجنة:

 

أشجارها نوعان منها ما له *** في هذه الدنيا مثال ذان

كالسدر أصل النبق مخضود مكا *** ن الشوك من ثمر ذوي ألوان

هذا وظل السدر من خير الضلا *** ل ونفعه الترويح للأبدان

والطلح وهو الموز منضود كما *** نضدت يد بأصابع وبنان

أو أنه شجر البوادي موقراً *** حملاً مكان الشوك في الأغصان

وكذلك الرمان والأعناب *** التي منها القطوف دوان

هذا ونوع ما له في هذه الد *** نيا نظير كي يرى بعيان

يكفي من التعداد قول الهنا *** من كل فاكهة بها زوجان

[نونية ابن القيم (2/335)].

 

وهل تريد -يا عبد الله- أن يكون لك شجر في الجنة؟

 

يكون ذلك -بإذن الله -عز وجل-، أتدري كيف يكون ذلك؟

 

يكون بذكر الله -عز وجل-، هذا الأمر اليسير على من وفق الله لسانه أن يكون دائماً رطباً بذكر الله، وعسير على من حرم ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلك على غراس هو خير من هذا؟ تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يغرس لك بكل كلمة منها شجرة في الجنة".

 

وفي المقابل، فإن أهل النار أيضاً لهم شجر، ولكن أيّ شجر؟

 

ذكر الله شجرة الزقوم في سورة الدخان، طعام أهل النار: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ)[الدخان: 43 - 44].

 

وفي الإسراء: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)[الإسراء: 60].

 

وفي الصافات: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)[الصافات: 62-65].

 

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره على آية الإسراء: "وأما الشجرة الملعونة في القرآن، فهي الزقوم، كما أخبرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى الجنة والنار، ورأى شجرة الزقوم، فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل -عليه لعائن الله-: هاتوا تمراً وزبداً، وجعل يأكل من هذا، ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا"[فتاوى اللجنة الدائمة(4/246)]-نسأل الله العافية-.

 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

وهذه بعض الأحكام المتعلقة بالأشجار:

 

قال البخاري -رحمه الله-: "بَاب لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَم" ثم ساق حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ، وَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ".

 

قال الفقهاء -رحمهم الله-: "لا يجوز قطع شجر الحرم الذي لم ينبته الآدمي، واختلفوا فيما أنبته الآدمي والظاهر جواز قطعه".

 

والحديث لم يفرق بين الأخضر واليابس، ولكن جوّز الفقهاء قطع اليابس، وقالوا؛ لأنه بمنزلة الميت، وعلى هذا فسياق الحديث يدل على أنه إنما أراد الأخضر.

 

وفي الحديث: دليل على أنه إذا انقلعت الشجرة بنفسها، أو انكسر الغصن جاز الانتفاع به؛ لأنه لم يعضده هو، وهذا لا نزاع فيه، فإن قلعها قالع ثم تركها فهل يجوز لغيره أن ينتفع بها؟ سئل الإمام أحمد عن هذه المسألة، فقال: "من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها، وقال لم أسمع إذا قطعه ينتفع به"[زاد المعاد (3/449)].

 

ومن الأحكام: أنه لا يشرع غرس الأشجار على القبور؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك ولا خلفاؤه الراشدون -رضي الله عنهم-، أما ما فعله مع القبرين اللذين أطلعه الله على عذابهما من غرس الجريد فهذا خاص به صلى الله عليه وسلم وخاص بالقبرين؛ لأنه لم يفعل ذلك مع غيرهما، وليس للمسلمين أن يحدثوا شيئاً من القربات لم يشرعه الله، قال الله -تعالى-: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)[الشورى: 21][مجموع فتاوى بن باز (5/407)].

 

ومن الأحكام: أنه لما حرم الإسلام تصوير ذوات الأرواح أجاز تصوير الأشجار، وما لا نفس له؛ ففي صحيح مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ، وقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ، وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ".

 

أيها الأحبة: وقد سئل بعض علمائنا عما يقام من احتفالات تحت مسمى "أسبوع الشجرة".

 

فكان الجواب:

 

هذه الأسابيع لا أعلم لها أصلاً من الشرع، وإذا اتخذت على سبيل التعبد وخصصت بأيام معلومة تصير كالأعياد، فإنها تلتحق بالبدعة؛ لأن كل شيء يتعبد به الإنسان -عز وجل- وهو غير وارد في كتاب الله، ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه من البدع، لكن الذين نظموها يقولون: إن المقصود بذلك هو تنشيط الناس على هذه الأعمال التي جعلوا لها هذه الأسابيع، وتذكيرهم بأهميتها، ويجب أن ينظر في هذا الأمر، وهل هذا مسوّغ لهذه الأسابيع أو ليس بمسوّغ"[مجموع الفتاوى(2/300)].

 

وختاماً، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون فتن في آخر الزمان القاعد فيها خير من الماشي، ومن جملة ما أوصى به عليه الصلاة والسلام حال الفتن أن يعتزلها المسلم ولو أن يعظ على أصل شجرة، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "تكون هدنه على دخن:... ثم تكون دعاة الضلالة، فإن رأيت يومئذ خليفة الله في الأرض فالزمه، وإن نهك جسمك وأخذ مالك، وإن لم تره فاضرب في الأرض، ولو أن تموت وأنت عاض على جذل شجرة".

 

فنسأل الله ...

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات