الشتاء: حكم وأحكام

محمد بن سليمان المهوس

2021-12-10 - 1443/05/06 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/من حكم الله تعالى في تنوع فصول العام 2/من أحكام الطهارة 3/إطفاء النار عند النوم

اقتباس

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَسَاهَلُ فِي إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي أَيَّامِ الْبَرْدِ، وَلاَ يَأْتُونَ بِالْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْهُ؛ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَكَادُ يَمْسَحُ مَسْحًا، وَبَعْضَهُمْ لاَ يحْسِرُ أَكْمَامَهُ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ حَسْرًا كَامِلاً، وَهَذَا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فُصُولُ السَّنَةِ مَا بَيْنَ صَيْفٍ لاَفِحٍ، وَبَرْدٍ قَارِسٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ أَرَادَهَا اللهُ -تَعَالَى-، فَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمْرانَ: 190]، وَقَالَ: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)[فاطر: 13].

 

وَمَعَ فَصْلِ الشِّتَاءِ، يَطِيبُ الْكَلاَمُ عَنْ أَحْكَامِ الشِّتَاءِ فِي مُهِمَّاتِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَحْسُنُ التَّنْبِيهُ لَهَا، وَالَّتِي رُبَّمَا تَغِيبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَالَّتِي مِنْهَا:

 

إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَسَاهَلُ فِي إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي أَيَّامِ الْبَرْدِ، وَلاَ يَأْتُونَ بِالْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْهُ؛ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَكَادُ يَمْسَحُ مَسْحًا، وَبَعْضَهُمْ لاَ يحْسِرُ أَكْمَامَهُ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ حَسْرًا كَامِلاً، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَتْرُكُوا شَيْئًا مِنَ الذِّرَاعِ بِلاَ غَسْلٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَالْوُضُوءُ مَعَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ.

 

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-  قَالَ: "أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ"(رواه مسلم).

 

وَفِيِ صَحِيِحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِن النَّارِ! أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ".

 

وَمِنْ مُهِمَّاتِ الْمَسَائِلِ فِي الشِّتَاءِ: التَّيَمُّمُ: فَمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَوْ عَجَزَ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ أَوْ شِدَّةِ بَرْدٍ مَعَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْخِينِهِ؛ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَمَّمَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى التُّرَابِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا)[النساء: 43].

 

وَمِنْ مُهِمَّاتِ الْمَسَائِلِ فِي الشِّتَاءِ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوِ الْجَوْرَبَيْنِ: وَهُوَ شِعَارُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، وَأَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ الْعَظِيمَةِ فِي الْعَمَلِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَاتَرَ عَنْهُ الْمَسْحُ، وَفَعَلَهُ صَحَابَتُهُ، وَتَوَاتَرَ عَنْهُمْ، وَنَقَلُوهُ نَقْلاً قَوْلِيًّا وَعَمَلِيًّا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: "دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ"؛ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.

 

وَالْمَسْحُ يَكُونُ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ، وَأَمَّا الْحَدَثُ الأَكْبَرُ: كَالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ فَلاَ يُمْسَحُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْغُسْلُ فِيهِ.

 

وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْخِفَافُ وَالْجَوَارِبُ طَاهِرَةً، يَلْبَسُهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ لِجَمِيعِ الأَعْضَاءِ، يَمْسَحُ عَلَى أَعْلاَهَا دُونَ أَسْفَلِهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ؛ أَيْ: خَمْسَةَ فُرُوضٍ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ؛ أَيْ: خَمْسَةَ عَشْرَ فَرْضًا؛ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "جَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ".

 

وَبِدَايَةُ وَقْتِ الْمَسْحِ مِنْ أَوَّلِ مَسْحٍ بَعْدَ الْحَدَثِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَى وَقْتِ اللُّبْسِ، وكَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ: أَنْ يَبُلَّ الْمُتَوَضِّئُ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا مِنْ عِنْدِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ إِلَى السَّاقِ فَقَطْ، وَيَكُونُ الْمَسْحُ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الرِّجْلَيْنِ جَمِيعًا، فالْيَدُ الْيُمْنَى تَمْسَحُ الرِّجْلَ الْيُمْنَى، وَالْيَدُ الْيُسْرَى تَمْسَحُ الرِّجْلَ الْيُسْرَى فِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ، كَمَا تُمْسَحُ الْأُذُنَانِ، وَلَوْ مَسَح الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى، أَوْ مَسَحَ كِلَيْهِمَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ بِالْيُسْرَى فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185].

 

وَمَنْ تَمَّتْ مُدَّتُهُ فَنَسِيَ فَأَحْدَثَ وَمَسَحَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ الَّتِي صَلَّاهَا بِذَلِكَ الْمَسْحِ ، وَأَمَّا إِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ وَبَقِيَ الْإِنْسَانُ عَلَى طَهَارَتِهِ وَصَلَّى بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فَصَلَاتُهُ صَحِيِحَةٌ ؛كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَغَيْرُهُ.

 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلاً صَالِحًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَنَحْنُ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ يَحْسُنُ التَّنْبِيهُ إِلَى مَا يُوقِدُهُ النَّاسُ مِنَ النِّيرَانِ، أَوِ الْمِدْفَأَةِ، أَوِ الْمَبْخَرَةِ، وَهَذَا عَامٌّ؛ سَواءٌ أَكَانَ فِي الْبُيُوتِ أَوْ الْبَرِّيَّةِ، وَبِخَاصَّةٍ فِي الْخِيَامِ، فَيَجِبُ تَوَخِّي الْحَذَرَ؛ فَقَدْ أَرْشَدَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى إِطْفَاءِ النَّارِ قَبْلَ النَّوْمِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَتَفَقَّهُوا فِي دِينِكُمْ، وَاسْتَغِلُّوا أَوْقَاتَكُمْ؛ فَإِنَّ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ- ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

المرفقات

الشتاء حكم وأحكام.doc

الشتاء حكم وأحكام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات