الشباب والزواج

سامي بن عبد العزيز الماجد

2012-02-21 - 1433/03/29
عناصر الخطبة
1/ تشريعات الإسلام ومراعاة الفطرة البشرية 2/ لا ترتقي الغريزة إلا بالتهذيب والضبط 3/وسطية الشريعة بين الكبت والتبتل 4/الإعنات والمغالاة في شروط الزواج 5/ سماحة الإسلام في تكاليفه ويُسره في تشريعاته 6/ وجوب تيسير عقبات الزواج 7/تعظيم رباط الزواج المقدَّس

اقتباس

يمتاز الإسلام بواقعيته ومراعاته لفطرة الإنسان، فجاءت تشريعاتُه وتكاليفُه لتهذِّب الفطرة وترفعَها، لا لتكبتَها وتقمعَها؛ فراعتْ ذاك الميلَ الفطري الذي يحسه كل جنس تجاه الآخر، وأقرّته إقراراً يضمن السلامة ويأمن العاقبة، فليس هو بالإذن المطلق الذي يُفضي إلى الفوضى، ولا بالمنع المطلق الذي يفضي إلى الكبت والحرمان ..

 

 

 

 

أيها الأحبة في الله: يمتاز الإسلام بواقعيته ومراعاته لفطرة الإنسان، فجاءت تشريعاتُه وتكاليفُه لتهذِّب الفطرة وترفعَها، لا لتكبتَها وتقمعَها؛ فراعتْ ذاك الميلَ الفطري الذي يحسه كل جنس تجاه الآخر، وأقرّته إقراراً يضمن السلامة ويأمن العاقبة، فليس هو بالإذن المطلق الذي يُفضي إلى الفوضى، ولا بالمنع المطلق الذي يفضي إلى الكبت والحرمان.

وأخذت تشريعاته ترتقي بهذه الفطرة صُعداً إلى حيث تكون كرامة الإنسان، في علياء بعيداً عن النـزوات البهيمية: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين).

والإسلام حين شرع حد الزنا لم يكن غافلاً عن دافع الغريزة ولا محارباً لها، وإنما أراد أن يهذب هذه الغريزة ويوجهها الوجهة التي لا يكون معها فسادٌ ولا فوضى، فالغريزة لا ترتقي إلا بالتهذيب والضبطِ لتبلغَ غاياتٍ هي أسمى من مجرد إتيان الشهوة وإشباع الرغبة، ولا يكون ذلك إلا حين تُحاط الغريزةُ نفسُها برباطٍ مقدسٍ ذي تبعات ومسئوليات تجعل الإنسان مؤدياً لوظيفة، لا مجرد مستمتعٍ بشهوة.

لقد شرع الإسلام الزواج طريقاً أوحدَ لإشباع هذه الغريزة، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون، وهذا في نظر العقلاء ضبطٌ للغريزة وليس كبتاً.

إن الكبت يعني حبس النفس عن إشباع غريزتها، وهو التبتّل الذي حرّمه الإسلام، وأنحى باللائمة والتقريعِ على فاعليه الذين يرغبون عن الزواج تعبداً لله وزهداً، فقال صلى الله عليه وسلم : "فمن رغب عن سنتي فليس مني".

والذين يحذِّرون من الكبت وما ينشأُ عنه من عُقدٍ نفسيةٍ سيجدون الإسلامَ قد سبقهم إلى محاربة الكبتِ والتحذيرِ منه، وذلك بنهيه الصريح عن التبتل، وبحثِّ الشباب على الزواج، وبدعوةِ المجتمع إلى تيسيره. ‏فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ‏يأمر‏ ‏بالباءة ‏وينهى عن التبتل ‏نهياً شديداً، ويقول: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».

وصح عنه أنه قال: «يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لو وِجاء»، وقال الله: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

لقد سمّى اللهُ الزواجَ إحصاناً: أي وقايةً وصيانة، ويستقر في أخلاد المؤمنين أن البقاءَ بدون إحصانٍ ولو فترة قصيرة أمر لا يحبذه الشرع؛ فهذا الإمام علي يقول -وقد سارع بالزواج بعد وفاة زوجِه فاطمة-: "لقد خشيت أن ألقى الله وأنا عزب".

ولما كان في النكاح استعفافٌ عن الحرام كان مبتغيه مأجوراً لهذا المعنى، فيأتي شهوته بالحلال ويكون مأجوراً على ذلك، كما يكون مأزوراً لو وضعها في الحرام، وجاء في الحديث: «وفي ‏‏بُضع ‏‏أحدكم صدقة»، قالوا: "يا رسول الله!‏ ‏أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجرٌ؟!" قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».

أيها الآباء الكرام: ما منا أحدٌ إلا وهو يكره أن يرى شاباً المسلمين قد زلّت به قدمه إلى فاحشةٍ؛ فأصبح غرضاً مستهدفاً لشبكات البغاء والدعارة، وما منا من أحد إلا ويغار على حرمات المسلمين أن تنتهكَ وتَلِغَ فيها الذئاب. وما منا من أحد إلا وهو كارهٌ أن تشيعَ الفاحشةُ في مجتمعات المسلمين.

فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن كلُ هذا الإشقاق والتعسير في الزواج؟

لماذا إذا جاءنا مَن يطلب الأمر من حِلّهِ، ويطرقُ الحلالَ من بابه أوصدناه دونه، وأقمنا له من الأحمال والشروط ما يثقل كاهله ويعوزُه للديون، ويكرِّهُه في طِلبته؟! أهكذا تكون إعانتُنا وتيسيرنا له أنْ ابتغى الحلالَ من بابه؟!

سيقول بعض الآباء: معاذَ الله أن يكون كل هذا الإشقاقِ للخاطب أمراً مقصوداً، كيف ونحن الذين قد رضيناه لبنتِنا زوجاً، وفرِحْنا لرغبته في الحلال.

ونحن نقول: وما الفائدة أن يكون الإشقاق والتعسير مقصوداً أو غيرَ مقصود إذا كان الواقعُ هو هذا: مغالاةً في المهور، وبذخاً في الأعراس، وإعناتاً في الشروط؟!

وما تجدي سلامةُ النية من قصدِ تعسير الزواج إذا كان التعسير نفسه أمراً واقعاً بشروطنا ومغالاتنا؟

كم هو عجيب أن نتذاكر سماحة الإسلام ويُسرَه إذا توجّهت إلينا تكاليفُه، فإذا جاءنا خاطبٌ يبتغي العفاف في النكاح نسينا سماحةَ الإسلام ويُسرَه.

وكم هو عجيب أن نعظَ المفتين والدعاة والوعاظَ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «يسروا ولا تعسروا». ثم لا نعظ بها أنفسنا متوهمين أنهم هم وحدهم المعنيّون بخطابَ هذه الوصيةِ؛ مع أن الأمر بالتيسير والنهي عن التعسير جاء عاماً للأمة كلها.

علينا أن ندرك أن سماحة الإسلام في تكاليفه ويُسرَه في تشريعاته فيه تربية لنا على السماحةِ وتعويدٌ لنا على التيسير؛ حتى نتحلى بحُلّة الإسلام، وحتى نجعلَ من سماتِه سَمتاً لنا في سلوكنا وأخلاقنا.

لنتذكّر ونحن نصرّ على تعسير الزواج أنَّ الفاحشةَ قد ذلِّلتْ أسبابُها للشبابِ تذليلاً، وكثرت أمامَهم مُغرياتُها، وبرزت للعِيان إغراءاتُها، وصارت غرضاً قريباً، والسفر إليها قاصداً غير بعيد الشقة.

وإذا كنا صادقين في محاربتها فلنجعل من سُبُلِ ذلك تيسير عقبات الزواج.

ولنتذكر أن تواطؤَنا على هذا التعسير قد يدفع كثيراً من شبابِنا إلى ابتغاء الحرام متى تعسّرت عليهم سبل الحلال، فلا نكن عوناً للشيطان على إخواننا.

وأين نحن من فعل لوط عليه السلام يوم دعا قومَه للزواج ببناتِه ليصرفهم عن الفاحشة (وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد).

إن الدعوةَ إلى تيسير الزواج لا تعني الرضا بأي خاطب، بحيث تُزفُّ العفيفةُ للفاجر، وتُزوَّجُ ذاتُ الخلق بسيئ الخلق. إنما هي دعوة تتمثّل وصيةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض».

نعم! نريد من شبابِنا أن يُعظِّموا رباطَ الزواجِ المقدَّس، وأن يقدُروه حقَّ قدره، ويستشعروا مسؤوليتَه، ولكن ليس من تعظيم رِباطه المقدّسِ أن نُشقق على طالبيه بفرض الرغبات، ونجعلَ من أموالهم مادةً للمباهاة.

وليس من تعظيم مسؤوليتِه في أعينهم أن نُعْنِتَهم بفرضِ الشروط والمغالاة والبذخِ.

لو كانت المغالاةُ في المهور والبذخُ في الأعراس مما يزيدُ من تعظيم الشباب لرباط الزواج المقدس إذن لشرعه الإسلام سبيلاً يهدف إلى هذا المقصد الشرعي، ولَمَا قال صلى الله عليه وسلم: «خير النساء أيسرهن صداقاً». ولما نهى عمر عن المغالاة في المهور تأسّياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ألا لا تغالوا في صُدُق النساء - أي مهورهن- فإنها لو كان مكرمةً في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ‏ما ‏أصدق امرأة من نسائه، ولا ‏أُصدقت ‏امرأةٌ من بناته أكثرَ من ثنتي عشرةَ ‏أوقية".

بارك الله لي ولكم .....

 الخطبة الثانية :

 

أما بعد: فإن تعظيم الرباطِ المقدس لا يكون بالإشقاق والمغالاة، كما أن تذليلَ الطريقِ إليه لا يكون سبباً للاستخفافِ به.

إن من تعظيم رباط الزواج المقدس ألا يرضى الولي لفتاته إلا من رضي منه دينَه وخُلقَه، وإن من الاستخفاف بالرباط المقدس أن يزوجَها من يعلم أنه ليس لها بأهل في دينٍ ولا خُلُقٍ.

وإن من الاستخفاف برباطِ الزواجِ المقدس أن يزوج الولي فتاته لأول خاطبٍ قبل أن يتحرَّى بالسؤال عن دينه وخلقه، فهذا استخفاف به -ولا شك- ولو غالى في مهرها أو بذخ في زفافها.

ولا بد هنا من لفتة إلى مسألة مهمة: وهي أن التحري عن الخاطب يجب أن يكون في الخلق كما يكون في الدين، فلا يدفع الولي إعجابُه بِشَارَتِه وسَمْتِه وصلاحِ ظاهرِه إلى أن يتساهلَ في التحري عن خُلُقِه، فالدين معاملةٌ، كما هو عبادة، وإنما قال الرسول : «من ترضون دينه وخلقه»، فنصَّ على الخُلق؛ لأن الزواج علاقة وطيدة بين روحين وجسدين، ولا صلاح لهذه العلاقة إلا بحسنِ الخلق والمعاملة، ولذا قال بعض السلف: "إذا زوَّجت ابنتك فزوجها ذا دين، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها".

إذا أردنا أن يعظّم شبابُنا رباطَ الزواجِ المقدّسَ فلنُهيِّئُهم لذلك بعُدَّتِه الصالحة، وبالتربية الفاضلة التي تجعلهم يُعظّمون حقَّ كلِّ ذي حق، ويأخذون الإسلام بشموليته فلا يقدّمون مفضولاً على فاضل، ولا مهم على أهم.

ولن يعظم شبابنا رباطَ الزواجِ المقدس ما لم يفهموا طبيعة العلاقة بين الزوجين، وأن يدركوا مقاصد الزواج، ويعرفوا حقَّ كلِّ طرف على الآخر.

ينبغي قبل أن يُقدمَ الشاب على الزواج أن يتذكّرَ أن الله سمى النكاح ميثاقاً غليظاً، وجعله سكناً يتبادل فيه الزوجان المودةَ والرحمةَ، وأن يتذكّر بأن الزواج علاقةٌ بين روحين ونفسين قبل أن يكون علاقة بين جسدين، وأن يتفهّم -مع ذلك- طبيعةَ المرأة وأن يستحضرَه كلَّ حين؛ حتى يعرفَ كيف يعالجُ الأمور، ويسددُ النقص والخلل.

اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم حبب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم ......

 

 

 

 
 

 

 

المرفقات

والزواج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات