الشباب وأزمة الفكر والسلوك

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ الشباب مرحلةُ الفُتُوَّة والعُنفُوان 2/ وجوب الاهتمام بالشباب ورعايتهم 3/ الحث على تحصين الشباب وحراستِهم 4/ واجب المجتمع والعلماء والآباء نحو الشباب.

اقتباس

مرحلةُ الشباب مرحلةُ الفُتُوَّة والعُنفُوان، والقوة والحماسَة، فإذا لم تُرشَّد هذه الحماسة انقلَبَت إلى غوغائيَّة وفوضويَّة، وجرَّت على صاحبِها الآهات والحسَرَات، وعلى الأمةِ الفتنَ المُوبِقات، والبلايا المُهلِكات. لذا أولَى الإسلامُ الشبابَ كاملَ العناية، والاهتمام والرعاية؛ لأنهم قلبُ الأمة النابِض، وشِريانُها المُتدفِّقُ عطاءً ونماءً. فهذا عليٌّ - رضي الله عنه - يحمِلُ الرايةَ يوم بدرٍ وهو ابن عشرين سنة. وأسامةُ يقودُ الجيشَ وهو ابن ثمانية عشر عامًا..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، نحمدُه - سبحانه - حمدًا يتردَّدُ أنفاسَ الصدور والمكنون، ويتكرَّرُ عددَ لحظات العيون.

فالحمدُ لله حمدًا على الآلاءِ *** حمدًا كثيرًا جلَّ عن إحصاءِ

 

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريمُ الوهاب، منَّ علينا بدينٍ حفيٍّ بالنشءِ والشباب، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُصطفى الأوَّاب، خيرُ قُدوةٍ للمُتقين الفرائِد، وأمثَلُ أُسوةٍ للسالِكين وقائِد، صلواتُ ربي عليه، وعلى آله وصحبِه الخِيَرة الأماجِد، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَ الجديدان وأضاءَت الفراقِد، وسلِّم يا ذا العُلا تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فإن أهل الحِجَى يأتون ما هو أحرَى بهم وأحجَى، ألا وإن الأجدَى أن يلُوذَ المرءُ بالرُّكن الأقوَى، ولا رُكنَ أقوَى. من رُكنِ التقوَى؛ (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100].

 

لن يُجدِك الحسَبُ العالِي بغيـ *** ـر التُّقَى شيئًا فحاذِر واتَّقِ اللهَ

وابغِ الكرامةَ في نَيل الفَخارِ *** فأكرمُ الناسِ عند الله أتقاهَا

 

أيها المسلمون:

من استكنَهَ حِقَبَ التأريخ تحقيقًا، وسبَرَ أغوارَه فهمًا وتدقيقًا، وشدَّ إليه الركائِبَ والرِّحال، ونافسَ فيه العلماءَ الأقيال، ألفَى بين جماهِرِ الأقوال ومضارِبِ الأمثال حقيقةً شاخِصة، باسِمةً غيرَ عابِسَة، وهي: أن الشبابَ في الأمة كنزُها الثمين، ورُكنُ حضارتها الرَّكين.

 

فحضاراتُ الأُمم لا تُشادُ إلا بسواعِد أبنائِها، ولا تستكِرُّ إلا بعَزَمَات شبابِها؛ فالشبابُ الريحانةُ الشرِيَّة، والسواعِدُ الفتيَّة، والأملُ المُشرِق، والجَبينُ الوضَّاءُ.

 

أُهدِي الشبابَ تحيَّةَ الإكبارِ ***  هم كنزُنا الغالِي وسرُّ فخارِ

هل كان أصحابُ النبيِّ محمدٍ *** إلا شبابًا شامِخَ الأفكارِ

 

معاشر المسلمين:

مرحلةُ الشباب مرحلةُ الفُتُوَّة والعُنفُوان، والقوة والحماسَة، فإذا لم تُرشَّد هذه الحماسة انقلَبَت إلى غوغائيَّة وفوضويَّة، وجرَّت على صاحبِها الآهات والحسَرَات، وعلى الأمةِ الفتنَ المُوبِقات، والبلايا المُهلِكات.

 

لذا أولَى الإسلامُ الشبابَ كاملَ العناية، والاهتمام والرعاية؛ لأنهم قلبُ الأمة النابِض، وشِريانُها المُتدفِّقُ عطاءً ونماءً.

 

فهذا عليٌّ - رضي الله عنه - يحمِلُ الرايةَ يوم بدرٍ وهو ابن عشرين سنة.

وأسامةُ يقودُ الجيشَ وهو ابن ثمانية عشر عامًا.

والبحرُ الحَبرُ عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - مات النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعمرُه ثلاث عشرة سنة.

 

وزيدُ بن ثابتٍ كان عُمرُه إحدى عشرة سنة حين قدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فكان كاتِبًا للوحي.

 

ومُصعبُ بن عُمير الشابُّ الداعيةُ الذي ترك الدنيا كلَّها لله ورسولِه، والحسنُ والحُسينُ سيدا شباب أهل الجنة - رضي الله عن جميع الصحب الأخيار وأرضاهم -.

كذلك أخرجَ الإسلامُ قومِي *** شبابًا مُخلِصًا حُرًّا أمينًا

وقد دانُوا بأعظَمهم يقينًا *** وعلمًا لا بأجرأهم عيونًا

 

أمة الإسلام:

ولئن كانت قضيةُ الاهتمام بالشباب ورعايتهم، وتحصينِهم وحمايتهم مهمةً في كل زمانٍ ومكانٍ، فإنها تزدادُ أهميةً وتأكيدًا في هذه الأعصار المُتأخرة؛ حيث غلَبَ الانفِتاحُ والتساهُل، وتتابَعَ الغزوُ الفكريُّ والأخلاقيُّ، وتعدَّدت قنواتُه، وتنوَّعَت وسائلُه وآليَّاته. وكم أسهمَ الإعلامُ المفتوحُ لاسيَّما الفضائيُّ منه في إذكاء نار الخلَل الفِكريِّ، وتفنَّن في جذب الأنظار، والتأثير على الرأي العام، مما جعلَ أمنَ الأمة الفِكريِّ عُرضةً للاهتِزاز ومهبِّ الأخطار.

 

لقد أوحَت هذه الفضائيَّات وشبكاتُ التواصُل والمعلومات للناظرين وكأن هذه الدنيا أصبَحَت هدفًا للفوضَى الفكريَّة والأخلاقيَّة، ومسرحًا للضياع في مباءَات الإغراءات والرذيلَة والإباحيَّة، مما لا يحكمُه دينٌ ولا قِيَم، ولا يضبِطُه خُلُقٌ ولا مُثُل.

 

وقنواتٌ أخرى لا تفتأُ في إذكاء نار الفتنة بين الرعيَّة والرُّعاة، بدعوَى الإصلاح زعمُوا، وبين الشباب والعلماء، بدعوَى النُّصح والبصيرة، وهم أحوَجُ ما يكونُون إليها.

 

وأخرى بدعوَى الإثارة والبلبَلَة، تدعُو الموتُورين إلى أن تكون منبرًا لهم؛ حيث لا منبَرَ لهم، في افتِعالٍ لفتنٍ إرهابيَّةٍ وطائفيَّةٍ، وهكذا مُنتدَياتُ الفضائح والمثالِب، والطُّعون والمعائِب؛ حيث يُشكِّكون في الثوابِت والمُحكَمات، ويطعَنون في الأصول والمُسلَّمات، ويتأوَّلون الآيات البيِّنات، ويتَّبِعون المُتشابِهات.

 

فظهر بسُوء فِعالِهم موجاتٌ من التشكيك وفِكر الإلحاد، وعاثُوا في الأرض بالإفساد، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11، 12].

 

معاشر المؤمنين:

الخلَلُ في الأمن الفِكريِّ طريقٌ إلى الخلَل في الجانِبِ السلُوكيِّ والاجتماعيِّ، وما سلَكَت فِئامٌ في الأمة مسالِك العُنف والإرهاب، والقتل والتدمير والتفجير والإرعاب، إلا لما تشبَّعَت أفكارُها، وغُسِلَت أدمغتُها بما يُسوِّغُ لها تنفيذَ قناعاتها، وتحسينَ تصرُّفاتها.

 

وأنَّى لمُسلمٍ عاقلٍ أن ينتهِجَ تكفيرَ الخلق، فيُكفِّرُ المُعيَّن بالشُّبهة والظنِّ؟! ولا يلِجُ هذا البابَ إلا صاحبُ خلَلٍ فكريٍّ وسلوكيٍّ واجتماعيٍّ.

 

والفكرُ التكفيريُّ يسرِي بقوةٍ في صفوف فئةٍ من شباب هذا الزمان، وهو مُحيطٌ ملغُوم، ومركبٌ مثلُوم، ومُستنقعٌ محمُوم، وخطرٌ محتُوم، زلَّت فيه أقدام، وضلَّت فيه أفهام.

 

وما نراهُ في زماننا من بعضِ الخوارِج ممن شوَّهوا صورةَ الإسلام بنقائِه وصفائِه وإنسانيَّته، وانحرَفُوا بأفعالهم عن سماحَته ووسطيَّته إلا صورا ممسُوخة ممن ولَجَ البابَ فأوغَلَ الولوج، وأُرخِصَت لديها الأعمار، فقامَت بسفك الدماء، وقتل الأبرياء، وجلب الدمار، وإلحاق العار والشَّنار. فالله المُستعان، وما أشبَهَ الليلةَ بالبارِحة!

 

أمة الإيمان:

إن وجودَ أجيالٍ من الشباب دون حَصانةٍ حقيقيَّةٍ فاعِلةٍ، جريمةٌ في حقِّهم وحقِّ المُجتمع، وجِنايةٌ على الأمة بأسْرِها، لذلك كان حقًّا على أهل الإسلام أن يقوموا بمسؤوليَّاتهم في تحقيق هذا الأمر بكل ما أُوتوا من إمكانات، وأن يغرِسُوا في نفوسِ شباب الأمة التوحيدَ الخالِص لله، والعقيدةَ الصحيحةَ، والاعتصامَ بالكتاب والسنة، (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101].

 

كما أن على الآباء والمُربِّين أن يُسهِمُوا في تحصينِ الشباب، وترغيبِه في طلب العلم الشرعيِّ من أهلِه الموثوقين، ويحُثُّوهم على الالتِفافِ حول علماء الأمة الراسِخين، ويُحذِّروهم من الفتاوى الشاذَّّة المُحرِِّضة على العُنف وسفك الدماء المعصُومة.

 

يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "فأئمةُ المُسلمين والذين اتَّبعوهم وسائلُ وطرقٌ وأدلةٌ بين الناس وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يُبلِّغونهم ما قالَه، ويُفهِّمونهم مُرادَه، بحسب اجتِهادهم واستِطاعتهم".

 

كما يتحتَّمُ - يا رعاكم الله - توعيةُ الشباب بالتحديات التي تُواجِهُهم في عصرٍ رفعَ الصهاينةُ المُعتَدون عقيرتَهم في انتِهاك حُرمة المسجد الأقصى واستِفزاز مشاعِر المُسلمين.

 

وفي زمنٍ طغَت فيه فتنُ الشهوات من الفضائيات والإلكترونيات، وشبكات المعلومات ومواقع التواصُلات، والتي جرَّت الفتنَ إلى الأُسَر والبيوت والمُجتمعات، فقوَّضَت أركانَها، وصدَّعَت شامِخ بُنيانها.

 

وفتن الشُّبُهات التي غزَت عقولَ كثيرٍ من أبناء هذه الأمة، لتترُكهم وقد صارُوا مُسوخًا لأعداء الدين، وأبواقًا تنشرُ دعوات المُرجِفين، مع انتشار التنظيمات الإرهابية الخطيرة التي تُزعزِعُ الأمن، وتُروِّعُ الآمِنين، وتبعَثُ الخللَ والفوضَى.

 

لذا كان لزامًا على الشباب أن ينتقِلُوا من أزمَات الوعي إلى وعي الأزمَات، حتى يقوموا بالمسؤولية المنُوطة بهم، ويحذَروا التحديات المُحيطة بهم.

 

فيا شباب الأمة وعمادَ حياتها، وقلوبها النابِضة، وعقودَها المُتلألئة .. يا بُناةَ الحضارة، وصُنَّاع الأمجاد، وثمرات الفؤاد، وفلَذَات الأكباد .. تمسَّكوا بقِيَم الدين، وخُلُقه الرَّصين، ولا تغُرَّنكم الثقافاتُ المُستورَدَة الهَجينة، والأفكار الدَّخيلة، والمناهِجُ الهَزيلة.

 

ولا تنشغِلُوا بالأسماء عن المُسمَّيات، وتحرَّوا تحريرَ المُصطلحات على منهج السلَف الأثبات؛ كالولاء والبراء، والجهاد والردَّة والتكفير والحريات. فالإسلامُ الحقُّ هو صانِعُ الحضارة، وموئِلُ القِيَم والفضائل، والمهدُ البديعُ لشُمِّ المُثُل والشمائل، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110].

 

وليس بخافٍ عليكم ما يتناوَشُ الأُمةَ من مِحَنٍ وخُطوبٍ ورزايا، وفتنٍ وكُروبٍ وبلايا، أزَّتها نحو المآسِي أزًّا.

 

وإن أمتَكم الإسلامية لفي لهَفٍ إلى وَثبَتكم الرشيدة لإقالَتها من هذه الوِهاد، فلا تغترُّوا بالشِّعارات الزائِفة البرَّاقة، والمناهِج الضالَّة المرَّاقة، وليسَعكم ما وسِعَ سلفَكم الصالحين، وعلماءَكم الربَّانيين.

 

أمة الإسلام:

يُساقُ ذلك كلُّه بعد أن ضربَت الفتنةُ بكَلكَلِها الظالِم، فأسفرَت عن الفواجِع والعظائِم، والدواهِي والجرائِم، التي قطَّعَت الأكباد، وبخعَت النفوس، وأدرَّت ماءَ الشُّجون. فنُحورُنا منها بدمُوعِنا تتخضَّبُ.

 

ومن الأسَى العميق أن كان وقودُها شبابًا أغرارًا، مما أهاجَ الغيورَ إلى القول بوجوب تحصينِ المُجتمع بالأمن الفكريِّ، وفي المقام الأعلى فئةُ الشباب الغالية؛ لأنهم الصايصِي الشاهِقةُ للأمة، وحُصونُها المنيعة، ولأن مرحلةَ الشباب كما أنها من أبهَى وأزهَى مراحِل العُمر، فهي من أخطَرها وأمضاها. والله المُوفِّقُ والهادي إلى سواء السبيل.

 

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

 

باركَ الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعني وإياكم بهديِ سيِّد الثَّقَلَين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إن ربي لغفورٌ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله على نعمٍ أثنَت بها الجوارِحُ والسرائِر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً لهجَت بها الألسنُ والضمائِر، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أزكَى الأوائِل والأواخِر، من اقتفَى هديَه حازَ المآثِر والمفاخِر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وذرِّيَّته النجوم الزواهِر، وصحابتِه البالِغين أسمَى البشائِر، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد، فيا عباد الله:

اتَّقوا الله حقَّ التقوى؛ فإنها الذُّخرُ الأبقَى، والسعادةُ التي ما دُونَها فوزٌ ولا فوقَها مرقَى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].

 

إخوة الإيمان:

إن من أولَى ما يجبُ الاهتمامُ به وإيلاؤُه أوفرَ العناية في هذا المُنعطَفِ التأريخ المهم: تحصينَ مدارِك الشباب وثقافتِهم بأحكام الحُدود الشرعيَّة؛ كتحريم قتل النفس المعصُومة، وحكم الاعتِداء على المُعاهَدين وأهل الذِّمَّة، وخُطورة أمر التكفير والغُلُوِّ والتطرُّف، وإطلاق الأحكام جُزافًا، وترويع الآمِنين وانتِهاك حُرماتهم، وسلبِ أموالهم.

 

والتحذير من آفة العصر المُخدِّرات وتعاطِيها وترويجِها، حمايةً لهم ولمُجتمعاتهم وأوطانِهم وأمَّتهم من أنصافِ المُتعلِّمين، وسِهام المُغرِضين، وشِباك الخُصوم الحاقِدين.

 

والعِبءُ في ذلك يقعُ على عاتق العلماء والدعاة، ورجال التربية والفِكر والإعلام، وحمَلَة الأقلام، انتِشالاً للجيل من حَومَة الضياع ومسالِك الضلال، وأخذًا بُحجَزهم عن الهُوِيِّ في سرادِيبِ الأفكار النَّشاذ، وإحباطًا لخطط الخُصوم، الذين يتَّخِذون الأحداثَ غرضًا وهدفًا لتحقيق مآربِهم المشبُوهة.

 

وبالتوجيه الرَّقيق، والترشيد اللطيف الرَّفيق، وتلاحُم أفراد الأُسرة والمُجتمع مع أبنائِهم وتراحُمهم، وفتح قنوات الحوارِ الهادِئ الهادِف، وملئِ فراغِهم بالبرامِج النافعةِ المُفيدة، وتهيِئة الفُرص الوظيفية لهم حمايةً لهم من الفراغ والبَطالة، وتعاوُن الجهات المسئولة مع ذوِي اليسار ورِجال الأعمال في ذلك، والتكامُل بينها في تعزيز الوحدة الدينية واللُّحمة الوطنية.

 

يتحقَّقُ للمُجتمع ما يصبُو إليه من تحصينِ الشباب وحراستِهم من المُؤثِّرات العقدية، واللَّوثات الفكريَّة، والتجاوُزات الأخلاقية والسلوكية، حِفاظًا على دينهم، وصيانةً لعقيدتهم وسلامة أخلاقهم، والعمل على وضعِ خُططٍ حازِمة لترشيد التعامُل مع وسائل التواصُل، والاستِثمار الإيجابيِّ الأمثَل لها.

 

ومهما يكُ من شيءٍ فإن شبابَ الأمة في خيرٍ وإلى خيرٍ بحمد الله، ولن يُؤثِّر جمعٌ أُصيبَ باليأس والإحباط، ووقعَ في الغُلوِّ والجفاء، على المجمُوع المُعتدِل المُؤثِر للإعمار والبناء والنَّماء.

 

حيُّوا الشبابَ الحُرَ يُحيِيه الأمل *** قد لوَّن التأريخَ فخرًا بالعمل

هم يصنَعون غدًا بروحِ فريقِه *** هم يبعَثون حياةَ فخرٍ مُكتمَل

 

حمَى الله شبابَنا وشبابَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ، وحفِظَ علينا أمنَنا وأمانَنا، وعقيدتَنا وقيادَتنا، إن ربي قريبٌ مُجيب.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على خير الورَى، كما أمرَكم بذلك ربُّكم - جل وعلا -، فقال عزَّ من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجَه مُسلمٌ في "صحيحه" -: "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".

فصلاةُ الله مع تسليمِه *** ما جرَى فُلكٌ له في البحر سَبْحُ

أبدًا تُهدَى إلى خيرِ الورَى *** من له في كُتبِ الرحمنِ مدحُ

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقّّّ إمامَنا ووليَ أمرنا.

 

اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوَى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحة التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَهم إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد.

 

اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.

 

اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبَا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَن، عن بلدِنا هذا وعن سائر بلادِ المُسلمين يا رب العالمين.

 

اللهم أصلِح شبابَ المُسلمين، اللهم أصلِح شبابَ المُسلمين، اللهم ارزُقهم الوسطيَّة والاعتِدال إنك أنت الكبير المُتعَال.

 

اللهم انصُر إخواننا المُجاهِدين في سبيلِك في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين على اليهود الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم عليك بالصهايِنة المُعتَدين الذين انتهَكوا حُرمةَ مُقدَّسات المُسلمين، واستفزُّوا مشاعِر المُؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعَلهم عبرةً للمُعتبرين.

 

اللهم وفِّق رِجالَ أمننا، اللهم احفَظ رِجالَ أمننا، اللهم وفِّق رِجالَ أمننا المُرابِطين على حُدود وثُغور بلادنا، اللهم وفِّقهم وأعِنهم، اللهم تقبَّل شُهداءَهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ جراحهم، ورُدَّهم جميعًا إلى أهلِهم سالِمين غانِمين يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألُك أن تتقبَّل منا ومن المُسلمين صالحَ الأعمال برحمتِك يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

الشباب وأزمة الفكر والسلوك.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات